السلام عليكم
اللامبالاة والانطوائية عند الشباب
يكاد لا يختلف اثنان على أن الشباب يمثل رأس مال المجتمع ومصدر قوته وعزته من خلال ما يمتلكه الشباب من إمكانات وطاقات وقدرات على التفاعل والاندماج والمشاركة في قضايا المجتمع،
اللامبالاة والانطوائية
يجب دراسة ظاهرة اللامبالاة والانطوائية عند جيل الشباب ضمن إطار التحليل الاجتماعي لمشكلات الشباب، وضمن إطار البناء الفوقي للنظام الاجتماعي الاقتصادي الذي يشمل العادات والتقاليد والقيم والآراء والمعتقدات والأفكار السائدة في هذا المجتمع، ولا سيما أساليب التنشئة الاجتماعية فيه وعلاقة ذلك كله بالبناء التحتي (أدوات الإنتاج وعلاقاته).
ظاهرة اللامبالاة
هذه الظاهرة، عبارة عن حالة سلبية وعدم التفاؤل والمشاركة من قبل الشباب في قضايا المجتمع والأمة.. الأمر الذي يؤدي إلى الإساءة لعمليات التحديث والتطوير في المجتمع. ولا سيما إذا كان المجتمع يشهد حالة بناء اقتصادي وصراع سياسي عسكري، كما هو الحال في مجتمعنا العربي الذي يتطلب منا حشد كافة الطاقات والإمكانات ودفعها باتجاه قضايا البناء وتحرير الأرض.
أما الانطوائية
فتعني الانكفاء على الذات والتمركز حولها، وهي حالة سلبية شأنها شأن اللامبالاة تعبر عن حالة غير سوية وغير طبيعية بالنسبة لهذه الفترة من العمر(4) مرحلة الشباب التي تتميز بحالتها الطبيعية والصحية بالاندفاع والاتجاه نحو الآخرين والتفاعل معهم ومشاركتهم في الحياة بكافة أبعادها العاطفية والعقلية والاقتصادية والسياسية(5).
الأسباب والعوامل
لا بد من إلقاء الضوء على الظروف والعوامل التي ساعدت على حدوث ظاهرة اللامبالاة والانطوائية، وساهمت في بروزها، ذلكم لأنها ليست وليدة فترة زمنية محدودة. وإنما ترجع إلى أساليب التنشئة المعتمدة في المجتمع بدءاً من الأسرة ونظام التعليم ومؤسسات الإعلام والثقافة، وانتهاء بنظرة الشباب إلى المستقبل وظروف العمل والزواج وقيم المجتمع بشكل عام.
( أ ) الأسرة:
تفيد الدراسات ونتائج البحوث، أن الأسرة العربية لا تزال تنشئ أطفالها على أسس من التسلط وعدم الاستقلالية، وعلى روح مشبعة بالعجز والتهرب من مواجهة الواقع الذي يؤدي إلى اللامبالاة والانطوائية والتردد وكل مظاهر السلبية عند الشخص عندما يكبر فيصبح في سن الشباب، ويبدأ تعامله مع الواقع وسط حالة الترقب والتوقع الذي يضعه فيها جيل الكبار، ومن أمثلة الواقع التي تؤدي إلى بعد الأسرة العربية عن الروح الديمقراطية، وخلق جو أتوقراطي، مما يعطل تنمية القدرات المختلفة للفرد، وجعل السلطة في الأسرة تقوم على أساس فردي بعيداً عن المشاركة والتعاون، ومن هذه الأمثلة (التمييز بين الذكور والإناث، المكانة الخاصة للولد الأول، تربية البنت على طاعة أخيها الذكر والامتثال لأوامره).
ولا تزال هناك قيم وعادات وأساليب قديمة، تلعب دوراً لا بأس به في الأسرة العربية، والتي لا تحض على العمل والاستقلال، وإنما على العجز والتهرب والاتكال ومثل هذا الجو يشكل المناخ لظاهرة اللامبالاة عند الشباب.
(ب) المدرسة ونظام التعليم:
من خلال العملية التي تتم على أساس تعميق سلطة المعلم والبعد عن ممارسة الديمقراطية، ومعاني الحرية والمسؤولية بطريقة فعلية، وزرع قيم الانصياع والمسايرة دون أن تؤكد على روح الاستقلالية والمبادئ وكذلك البرامج التعليمية لا تزال بعيدة عن الواقع ومعطياته. الأمر الذي لا يساهم في تعديل السلوك. وإنما يؤدي إلى الازدواج بين القول والعمل، بين ما نقوله لفظاً ونمارسه فعلاً، وربما في ذلك مضاعفة للشعور بالتناقض وخلقاً للصراع. ناهيك عن خلو البرامج الدراسية من أي تحليل أو مناقشة لقضايا ومشكلات الشباب كالخلو من مناقشة حقائق الجنس، مما يدفع الكثير من أبناء جيل الشباب إلى الجري وراء كتب وأفلام الإثارة الجنسية وما تروجه وسائل الإعلام التافهة والرخيصة حول موضوع الجنس والمرأة وهذا ما أكده الدكتور: محمد عماد الدين إسماعيل(7). مما يجد الشباب نفسه في كثير من الأحيان وقد تناقضت أساليب تعليمه وإعداده مع القيم الصاعدة في المجتمع مثل: تكافؤ الفرص أو احترام العمل اليدوي، ولا سيما مما يترتب عليه كثير من المشكلات المتعلقة بالطموح وبالدافع إلى التقدير وما إلى ذلك وتكون النتيجة نمو مشاعر سلبية كاليأس أو الإحباط أو الاستخفاف أو اللامبالاة.
(ج ) مؤسسات الإعلام والثقافة:
تعتبر مؤسسات الإعلام والثقافة من أهم وسائط التطبيع الاجتماعي، ومن أهم العوامل في تكوين الرأي العام وترويج القيم والمعايير، وكما تساهم في ترويج قيم الانصياع والمسايرة ومع ذلك لا يزال يوجد العديد من برامج الإذاعة والتلفزيون التي تعطي انطباعاً بأن الشباب يلهثون من أجل قضايا شكلية وليست صحيحة، علماً بأن هذه البرامج هي من صنع أجيال الكبار، وكما تهدف إلى تكريس قيم التمييز بين الذكور والإناث في الأسرة والمدرسة وتكريس قيم الحظ والقدر.. التي تتناقض مع قيم الجدية والعمل والمثابرة، مما يترك الشباب فريسة اليأس والقنوط وتبعده عن النظرة العلمية والمنهج العلمي في مواجهة الواقع مما يساعد على انتشار اللامبالاة وروح الاتكالية.
لذا يتوجب مناقشة مثل هذه القضايا عبر ندوات تلفزيونية وبحضور أصحاب الاختصاص وبمشاركة الكبار والشباب بغية الوقوف على الحقيقة.
(د) العمل وظروفه ونظرة الشباب إلى المستقبل:
الواقع العربي الحالي يثبت أن جيل الشباب العربي يعاني من أزمة عدم توفر فرص العمل المناسبة، بالرغم من الآلاف من ذوي المؤهلات الجامعية (خاصة الفروع النظرية) عاطلين عن العمل، مما يصل الشباب إلى مرحلة الشعور بالإحباط والاعتماد على الأهل اقتصادياً وما يرافق ذلك من الاتكال والانصياع وعدم الاستغلال والقضاء على روح الإبداع وفقدان الكثير من المعلومات والمهارات.. وإن توفر فرص العمل للبعض، سيكون بالتوزيع على أعمال قد لا تتناسب مع تخصصاتهم العملية ولا ترضي طموحاتهم وتطلعاتهم وبالتالي يفقد الشباب تقديره لنفسه وثقته بها واحترامه لكفاءته، وتظهر إلى جانب مشاعر اليأس عنده، ظاهرة اللامبالاة واللامسئولية وعدم الجدية.
المسئولية .. أين تكمن؟.
قد تصل السلبية عند الشباب قمتها عندما يفقدون الأمل في إصلاح الخطأ وبسط معدل التغير السريع وعدم الإيمان بالجماعة.. وكون اللامبالاة والانطوائية وليدة جملة عوامل وظروف التنشئة الاجتماعية، وما فيها من تناقض للقيم وصراع بين القيم الجديدة والقيم القديمة، ولا سيما سرعة معدلات التغير الاجتماعي والخوف من المستقبل والشعور بعدم الاستقرار، حث يؤكد "محمود عبدالمجيد": "تتولد اللامبالاة والعبث وعدم الإيمان بالجماعة الخوف منها والتمادي في الانطواء والانعزال والانتظار بسبب الخوف من المستقبل وعدم وضوح الرؤية" ومع ذلك يعتبر دور جيل الكبار، المسؤول الأول عن حل مثل هذه المشاكل من خلال مشاركة الشباب همومهم وتفهمه لمشاكلهم، وسعيهم ليكونوا القدوة الجيدة للشباب في السلوك والعمل والمشاركة وإلا سيؤدي الامتناع عن إفساح المجال أمام الشباب إلى الصراع بين الجيلين، وسينجم عنه المزيد من إحساس الشباب باللامبالاة والانسحاب عن المشاركة والفعل في المجتمع.
يا ريت الكل يدلي بدلوه ونتعرف على اقتراحاتكم ضمن العصر الذي تتعايشوه بنظره عصريه ومقنعه
ننتظر اراؤكم مع الشكر والامتنان
المفضلات