عمان – نشوى الخالدي - تنتظر أطياف واسعة من المراقبين والمواطنين الى ما يفضي اليه الجدل والحوار القائم منذ أشهر بين الجهات المسئولة عن البرنامج النووي الاردني ومختلف الجهات المعارضة له وان كانت قد أتت ثمارها بالشكل المرغوب , فيما ما زالت أراء ترى بان وجود محطة نووية في بلد مثل الاردن قرار يبتعد عن الصواب وله بدائل أكثر قبولا وأمنا .
وتتركز صعوبة التوصل لرؤية مشتركة وواضحة حول البرنامج النووي الاردني حسب مراقبون بسبب حدية المواقف لكلا الطرفين في التعاطي مع القضية فالمؤيد مؤيد بشدة والرافض أيضا يرفض بشدة , داعين الى الابتعاد عما يمكن وصفه بالجدل « البيزنطي « والتوصل لأرضية مشتركة عبر حوار علمي لأهل الاختصاص يقود في النهاية الى التوافق الوطني المنشود وبالتالي وضع رؤية أكثر وضوحا أمام المجتمع المحلي .
وافترض المراقبون أن جل التباين الحاد من الداخل في الموقف من تبني الاردن لبرنامج نووي يعود بدرجة كبيرة الى الافتقار الى « الثقة « وبالدرجة الكافية لدى أطراف عدة بامكانية خروج البرنامج النووي كما يجب أن يكون , مستشهدين بمشاريع أقل تأثيرا وأهمية لم يحالفها الحظ للخروج بالشكل الصحيح .
شرعية الجدل
عبر وزير الطاقة والثروة المعدنية الدكتور خالد طوقان عن الجدل الدائر بخصوص البرنامج النووي بكونه ظاهرة صحية تماما وليس غريبا على هذا النوع من المشاريع .
وأضاف طوقان ل ( الرأي ) أن هذه الجدلية قائمة في جميع الدول المتقدمة والداخلة في الطاقة النووية ولا استثناءات تقريبا حتى في دول ذات باع طويل بالطاقة النووية مثل اليابان , أوروبا , أمريكا والهند وغيرها .
وقال كلما طرحت استفسارات وأسئلة في هذا الموضوع فهنالك رؤى جديدة ستؤثر على مستويات عدة , مستدركا انه بالنهاية لا بد من اخذ الواقع بعين الاعتبار فالاردن لديه أزمة كبرى في الطاقة والمياه والمعالجة لهذه القضايا يجب أن تكون على أسس وحقائق علمية .
وأرجع طوقان جزء من الجدلية حول البرنامج النووي الى وجود بعض المغالطات أحيانا في التعاطي مع الحقائق العلمية , وهذا يتطلب أن يكون النقاش والحوار على أساس علمي سليم .
وبين أن آراء المعارضين للمشروع بالامكان أن تلفت انتباهنا إلى أمور أخرى نأخذها بدورنا بعين الاعتبار، فنحن الآن في فترة التحضير وما قبل الإنشاء التي تتضمن الدراسات الفنية والمالية والبيئية، وتجهيز الموقع وهذه مرحلة تتطلب مدة لا تقل عن عامين لإتمامها.
وأكد أنه من الحكمة في هذا الموضوع العمل على كافة المسارات وبخطوط متوازية , مشيرا الى تبني كافة البدائل في قطاع الطاقة وهي الطاقة البديلة والمتجددة مثل طاقة الرياح والطاقة الشمسية واستغلال الصخر الزيتي وتطوير حقل الريشة الغازي وغيرها من الخيارات المتوافرة لدى المملكة وبهذا يكون التوجه النووي خيارا من ضمن الخيارات الأخرى المطروحة .
وأشار طوقان الى تلمس استجابة الى الحوار وتبادل وجهات النظر مع الأطراف المهتمة أو المعترضة خاصة في صفوف الشباب عموما , معتبرا أن الاستمرار في الحوار من أفضل السبل للتوصل الى توافق وطني .
وشدد نائب رئيس هيئة تنظيم العمل الاشعاعي الدكتور سائد دبابنة أن ما يحصل من عدم التوصل الى قاعدة حوارية مشتركة حول المشروع النووي الاردني ينبع من تبني وجهة نظر معينة بحدية فما نراه أن المتحدثين أما مع الطاقة النووية او رافض لخيار لطاقة النووية تماما , وهنا الخلل حيث يجب النظر الى مصلحة الاردن ضمن ظروفه ومعطياته .
وفسر دبابنة أن الاختيار السليم لخليط الطاقة المناسب يجب أن تتم دراسته بناءا على ظروف الاردن بشكل خاص وامكاناته المتوافرة لكل نوع من أنواع الطاقة , والنظر لأي خيار متاح بحيادية ودون نظرة مسبقة لننتهي من التطرف في طرح الآراء وموقف مع او ضد بالمطلق .
ونوه لأهمية تطبيق مبدأ الشفافية عملا لا قولا , والاستماع للعديد من الملاحظات الهامة التي تخص البرنامج النووي الاردني تحديدا , وأن يكون الهدف الأساس من النقاش الاستماع لهذه الملاحظات والمآخذ والتي قد تعتبر خللا في البرنامج النووي الاردني وطرحها على بساط النقاش والحوار , مع ضرورة أن تكون التصريحات والاجابات عن التساؤلات والملاحظات على مستوى عال من الشفافية وتجنب التناقضات , وبهذا قد نصل الى الحيادية في الطروحات والخيارات المتبناة .
ويرى رئيس قسم الهندسة النووية في جامعة العلوم والتكنولوجيا الدكتور صلاح الدين ملكاوي أن بناء الثقة المشتركة هي الاساس بالخروج بتصور موحد للبرنامج النووي و أفضل السبل لتعزيز الثقة بالخيار النووي العمل على تقليل المخاطر المطروحة من تبني الطاقة النووية , وذلك من حلال تبني المتطلبات العالمية المنصوص عليها في هذا الاطار ويشمل ذلك تحديد الموقع والتكنولوجيا المستخدمة وقضية المياه والتخلص من النفايات وكذلك نظام الرقابة وضبط الجودة وصولا الى التراخيص المطلوبة وفق الأصول , ومن ثم الشفافية التامة في طرح هذه الاجراءات أمام المجتمع عامة .
وأكد الدكتور ملكاوي أن البرامج النووية تبنى ضمن منظومة متكاملة وفي كل مراحل العمل , ويجب أن تنفذ على مستوى عالي من المسئولية والخبرة للوصول الى أقصى درجات الدقة وبما يتطابق مع المعايير العالمية والدولية .
وشدد على أهمية الاتصال الدائم مع أطياف المجتمع وحق الحصول على المعلومة وتبديد المخاوف العامة من المشروع النووي خاصة مع تداعيات حادث محطة فوكوشيما اليابانية التي تركت أثرا واضحا على هذا التوجه , بالاضافة الى تأكيد القناعات بالحاجة لمصادر أخرى من الطاقة , وترسيخ قناعة بتقليل المخاطر ووقوع الحوادث لأقصى الدرجات المتاحة .
وقال : نعلم أن المشروع النووي مشروع ذو خصائص مختلفة وله عدة متطلبات يجب الاخذ بها , ولكن ليس من المنصف رفض أي مشروع قبل استسقاء الدروس والعبر من الحوادث السابقة وخاصة الدروس والاجراءات المنتظرة بعد حادثة فوكوشيما والمنتظر من تعزيز اجراءات الأمان ورفع درجات السلامة العامة في هذا النوع من المشاريع .
ويطرح الرأي الآخر جملة من التساؤلات حول جدوى التوجه نحو الخيار النووي لتلبية احتياجات المملكة من الطاقة وتتركز معظم التساؤلات حول مخاوف بيئية ومخاطر الأمان والسلامة العامة بالاضافة الى كلف قد تترتب على الخزينة العامة , وبهذا الصدد تحدث خبير الطاقة المهندس مالك الكباريتي عن وجود دراسات اجريت في أمريكا والمانيا تظهر أن أي شخص يعيش في محيط نصف قطر دائرة تبلغ 30 كيلو مترا عن محطة نووية , من الممكن تعرضه للاصابة بمرض السرطان والاطفال العرضة للاصابة بسرطان الدم .
وأضاف أن الحديث عن الكلف الحقيقية لانشاء محطة نووية , وقد أعلنت هيئة الطاقة النووية الاردنية أن كلفة بناء محطة نووية بقدرة 1000 ميجاواط تتراوح من 4-5 مليار دولار , فيما تظهر معلومات ودراسات بهذا الشأن غير ذلك وارتفاع الكلف عن هذا الرقم بكثير .
واستعرض الكباريتي لكلف أخرى لا يتم التطرق اليها وتحتسب في الواقع ضمن التكاليف وتأتي بعد انتهاء العمر التشغيلي للمفاعل ومن ذلك كلف التفكيك التي تتراوح من 20مليار وقد تصل الى 100 مليار , عدا عن قيمة التأمين التي ظهرت بعد حادث فوكوشيما حال وقوع الحوادث والتي تبلغ وفق دراسات مليارات الدولارات .
الطاقة المتجددة كخيار بديل
دعا مدير عام الجمعية الاردنية للطاقة المتجددة المهندس محمد الطعاني الى الوقوف من البرنامج النووي على مسافة واحدة من الطاقة المتجددة التي يتم الدعوة لتبنيها على نطاق واسع حاليا .
وأضاف من الهام الوصول بالمجتمع لقناعة بأن البرنامج النووي الاردني سيكون جزء من خليط الطاقة الكلي بالمملكة كما أن تكون الطاقة المتجددة جزء من هذا الخليط على ذات السوية .
وشدد على أهمية أن يكون الجدل نابعا من موقع التخصص والدراية العلمية الكافية بالطاقة النووية , ومن ثم الشفافية والوضوح في نقل كل ما يثار حول معيقات تبني الطاقة النووية في الاردن مثل الجدوى الاقتصادية ومشكلة المياه والكلف واطلاع كافة أطياف المجتمع على تفاصيل هذه القضايا , على أن يتم اعطاء الجهات المعنية الوقت اللازم لفتح الحوار الوطني وتشجيع المعرفة الحقيقية من خلال تقديم الدراسات والمعلومات الكافية حال الانتهاء منها .
وقال أن تبني مشاريع الطاقة المتجددة في الاردن لا زال يمر ببعض المعيقات الفنية , مع أهمية تعزيز التوجه نحو هذا النوع من الطاقة في خليط الطاقة الكلي .
وأقر الطعاني أن مشاريع الطاقة المتجددة للوصول بها لتكون الرافد الرئيسي للطاقة يحتاج لبنية تحتية كبيرة جدا , ولدينا في الاردن حاليا بنية تحتية مجهزة لاستخدامات الغاز الطبيعي والوقود الاعتيادي وللتحول نحو الطاقة المتجددة من الرياح والطاقة الشمسية والطاقة الحيوية بالكامل نحتاج لتأسيس بنية تحتية شاملة وتحويل الشبكة الوطنية لتتناسب مع هذا النوع من الطاقة وهو أمر باهظ التكاليف .
وبين أن الخيار المطروح حاليا من تبني لمشاريع الطاقة المتجددة ضمن مشاريع عدة وباستطاعة توليدية محددة حل جيد للوصول الى تأسيس بنية تحتية شاملة بصورة جزئية , ولا يترتب على ذلك عبء مالي باهظ على الدولة , مشددا ذات الوقت على ضرورة وجود صناعة الطاقة المتجددة في الاردن منذ الآن ومستقبلا .
من جهته أكد المهندس مالك الكباريتي على وجود تقصير كبير من قبل الحكومات المتعاقبة بالاردن لتنفيذ الاستراتيجية الوطنية المتضمنة لمشاريع الطاقة المتجددة ورفع نسبة مساهمتها تدريجيا حتى العام 2020 , علما بأن كلفة اقامة محطة توليد بقدرة 1000 ميجاواط تبلغ 3 مليار دولار تقريبا بالمقابل كلفة بناء محطة بذات القدرة من الطاقة النووية تبلغ من 6-8 مليار دولار .
وبحسب الدكتور صلاح الدين ملكاوي يجب تشجيع التوجه نحو الطاقة النظيفة واستخداماتها في بلدنا , ولكن من الأهمية طرح تساؤل حول قدرة هذا النوع من المشاريع على تحمل عبء الطاقة كاملا ؟
وذكر أنه في دول العالم التي توجهت نحو الطاقة النظيفة أو المتعارف عليها بالطاقة المتجددة لم تتمكن حتى اليوم من تحمل عبء احتياجات الطاقة فيها كاملة , وفي الاردن يجب التوصل لتأسيس مزيج كلي من الطاقة يضم الطاقة المتجددة الى جانب خيارات أخرى من الطاقة تكون مساهمة في حل أزمة الطاقة ونقص المياه في المملكة.
وجهة النظر الرسمية حول المطالبات لتبني الطاقة المتجددة كخيار رئيسي للطاقة اوردها مصدر مسئول موضحا أن كلف توليد الكهرباء من مشاريع الطاقة المتجددة ومنها طاقة الرياح تتجاوز ضعفي كلف الانتاج للكهرباء من الطاقة التقليدية.
وأضاف أن هذا الارتفاع في كلف التوليد يقف عائقا أمام تنفيذ مشاريع الطاقة المتجددة في الأردن مقارنة مع الكلف المترتبة من استخدام المشتقات النفطية أو الغاز الطبيعي , ولا بد من ايجاد مصدر مالي لتغطية الفارق في هذه الكلف .
وأشار بالرغم من هذه المعيقات يسعى الأردن بشكل حثيث لجذب مستثمرين لمشاريع الطاقة المتجددة بعد أن قررت الحكومة عدم الدخول بمشاريع استثمارية كهذه المشروعات ( مشاريع البنى التحتية ) , واتاحة المجال أمام القطاع الخاص المحلي والأجنبي ليقوم بتنفيذ استثماراته بمشاريع البنى لتحتية .
قرار ورقابة محايدة
يحتاج البرنامج النووي الاردني ووفق المتطلبات الدولية الى تراخيص لتنفيذ المراحل المختلفة من انشاء المحطة النووية كاختيار الموقع المزمع اقامة المحطة عليه واختيار التكنولوجيا المناسبة وآلية التعامل مع المخلفات , كما يخضع الى رقابة مستمرة من بداية وطوال فترة العمل .
وتقوم جهتان في الاردن بهذا الدور في منح التراخيص والمراقبة والاشراف , ووفق التعليمات الدولية تمتلك هذه الجهات صلاحية القبول أو الرفض للمشروع وهذه الجهات هي : هيئة تنظيم العمل الاشعاعي والنووي ووزارة البيئة .
وبهذا الخصوص أكد رئيس هيئة تنظيم العمل الإشعاعي والنووي الدكتور جمال شرف على أن الهيئة لن تمنح أي ترخيص لأي منشاة نووية أو إشعاعية في المملكة بدءا من المراكز الطبية وانتهاء بالمحطة النووية في حال كانت هذه المنشآت مخالفة لأي عنصر من عناصر الأمن والأمان النووي، مؤكدا أن هذين العنصرين لا يمكن فصلهما بأي حال من الأحوال.
وشدد أن الهيئة ملتزمة بدورها الرقابي على البرنامج النووي الأردني والتأكد من مطابقته لمتطلبات الأمن والأمان كافة التي تحددها الوكالة الدولية للطاقة الذرية .
وقال أن هناك معايير دولية تستخدم لدراسة الموقع والتكنولوجيا، وعندما تنتهي الهيئة من اختيار الموقع والتكنولوجيا التي ستتبعها تتقدم لنا بطلبات للموافقة عليها أي أن دور الهيئة يأتي لاحقا في البرنامج النووي.
و اشار الدكتور شرف الى أن الهيئة استكملت مع شركة «وورلي بارسونز» بناء مسودات كافة الأنظمة المتعلقة بالبرنامج النووي الاردني, وتحديثها, خاصة بعد ما جرى في حادثة فوكوشيما باليابان التي أدخلت مؤشرات جديدة في مجال الامن النووي وبناء على متطلبات الوكالة الدولية للطاقة الذرية.
وحول الخلاف الدائر حول تبني الاردن للبرنامج النووي وكيفية التعامل مع هذا الوضع قال : يجب على هيئة الطاقة الذرية الالتزام بالشفافية في سيرها بإجراءات هذا البرنامج، وتوفير كل المعلومات المتاحة للجميع سواء من الجمهور أو من المعارضين وفتح المجال للنقاش وعقد الندوات والحوارات، كما أن على كل طرف أن يتقبل رأي الطرف الآخر ويتفهمه.
من جهتها أكدت وزارة البيئة وعلى لسان وزيرها الدكتور طاهر الشخشير أن الوزارة سيكون لها دور مباشر في قرار تنفيذ البرنامج النووي الاردني .
وقال أنه باستكمال كافة الدراسات والابحاث المتعلقة ببناء المفاعل النووي والتكنولوجيا المختارة والجدوى الاقتصادية لتعدين اليورانيوم , سيتم اتخاذ القرار على مستوى وطني للسير بالمشروع أو عدمه بناء على نتائج تلك الدراسات .
وأوضح أن وزارة البيئة ستقوم بدورها المتعلق بدراسات الأثر البيئي للمشروع كاملا وحسب الأصول , كما ان الموقع المقترح لاقامة المحطة النووية سيخضع لدراسات شاملة للأثر البيئي وهذا يشمل كل موقع سيتم اقتراحه ,حيث أن قرار بناء المحطة والموقع يرتبط بشكل مباشر بنتائج دراسات معمقة وتفصيلية للأثر البيئي للمشروع .
رد مع اقتباس
المفضلات