احباب الاردن التعليمي

صفحة 1 من 2 12 الأخيرةالأخيرة
النتائج 1 إلى 10 من 13

الموضوع: فتوى الشيخ القرضاوي

  1. #1
    عضو
    تاريخ التسجيل
    Mon Mar 2009
    الدولة
    وراء عيوني المفمضه
    المشاركات
    6,527
    معدل تقييم المستوى
    5711677

    فتوى الشيخ القرضاوي

    فتوى الشيخ القرضاوي حول تسيير المظاهرات السلمية
    د. يوسف القرضاوي

    تلقَّى فضيلة العلامة الشيخ يوسف القرضاوي- رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين- استفسارًا من أحد القُرَّاء حول جواز تنظيم المظاهرات في الإسلام للتعبير عن معارضة قضايا ما في الشأن السياسي أو الاقتصادي مثلاً، فهل تنظيمها حرام كما يرى بعض العلماء؛ انطلاقًا من أنها بدعةٌ يرفضها الإسلام؟! وما رأي فضيلتكم فيما ذكره بعض العلماء من عدم مشروعية تسيير المسيرات والمظاهرات؛ تأييدًا لمطالب مشروعة أو تعبيرًا عن رفض أمور معينة في مجال السياسة أو الاقتصاد أو العلاقات الدولية أو غيرها.

    وقد أفتى أحد العلماء بالقول: إن تنظيم هذه المسيرات أو الدعوة إليها أو المشاركة فيها حرام، ودليله على ذلك أن هذه بدعةٌ لم يعرفها المسلمون، وليست من طرائق المسلمين، وإنما هي مستوردة من بلاد اليهود والنصارى والشيوعيين وغيرهم من الكفرة والملحدين.

    وتحدَّى مَن يأتيه بواقعةٍ واحدة، سارت فيها مظاهرة كبيرة أو صغيرة في عهد الرسول أو الصحابة.

    وإذا كانت هذه المسيرات تُعبِّر عن الاحتجاج على الحكومة، فهذا خروج على المنهج الإسلامي في إسداء النصيحة للحكام، والمعروف أن الأولى في هذه النصيحة أن تكون بين الناصح والحاكم ولا تكون على الملأ، على أن هذه المسيرات كثيرًا ما يستغلُّها المخرِّبون، ويقومون بتدمير الممتلكات وتخريب المنشآت؛ ولذا وجب منعها سدًّا للذرائع.

    فهل هذا الكلام مسلَّم به من الوجهة الشرعية؟ وهل يسوغ للناس في أنحاء العالم أن يسيِّروا المظاهرات للتعبير عن مطالبهم الخاصة أو العامة، وأن يؤثِّروا في الرأي العام من حولهم، وبالتالي يؤثِّروا في الحكام وأصحاب القرار؛ حيث إن المسلمين دون غيرهم، يحرم عليهم استعمال هذه الوسيلة التي أصبحت عالمية؟!

    نرجو أن نسمع منكم القول الفصل المُوثَّق بأدلة الشرع في هذه القضية الخطيرة، التي غدت تهمُّ كل الناس في سائر الأقطار والقارات، وفقكم الله وسدَّدكم.


    عدد من طلاب العلم الشرعي

    وفي ردِّه على السائل أفاد فضيلته بقوله:
    الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومَن ابتع هداه.. أما بعد فمن حقِّ المسلمين- كغيرهم من سائر البشر- أن يسيِّروا المسيرات ويُنشئوا المظاهرات؛ تعبيرًا عن مطالبهم المشروعة، وتبليغًا بحاجاتهم إلى أولي الأمر وصنّاع القرار، بصوتٍ مسموعٍ لا يمكن تجاهله؛ فإنَّ صوتَ الفرد قد لا يُسمع، ولكنَّ صوت المجموع أقوى من أن يُتجاهل، وكلما تكاثر المتظاهرون وكان معهم شخصيات لها وزنها كان صوتهم أكثرَ إسماعًا وأشدَّ تأثيرًا؛ لأن إرادة الجماعة أقوى من إرادة الفرد، والمرء ضعيف بمفرده قويٌّ بجماعته؛ ولهذا قال تعالى: ﴿وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى﴾ (المائدة: من الآية 2)، وقال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: "المؤمن للمؤمن كالبنيان، يشدُّ بعضه بعضًا"، وشبَّك بين أصابعه.

    ودليل مشروعية هذه المسيرات: أنها من أمور (العادات) وشئون الحياة المدنية، والأصل في هذه الأمور هو: الإباحة، وهذا ما قررتُه بأدلة- منذ ما يقرب من نصف قرن- في البابِ الأول من كتاب: (الحلال والحرام في الإسلام)، الذي بيَّن في المبدأ الأول أن القاعدة الأولى من هذا الباب: (أن الأصل في الأشياء الإباحة)، وهذا هو القول الصحيح الذي اختاره جمهور الفقهاء والأصوليين.

    فلا حرامَ إلا ما جاء بنصٍّ صحيحِ الثبوت صريح الدلالة على التحريم، أما ما كان ضعيفًا في مسنده أو كان صحيح الثبوت ولكن ليس صريح الدلالة على التحريم، فيبقى على أصل الإباحة؛ حتى لا نُحرِّم ما أحل الله.

    ومن هنا ضاقت دائرةُ المحرَّمات في شريعةِ الإسلام ضيقًا شديدًا، واتسعت دائرة الحلال اتساعًا بالغًا؛ ذلك أن النصوص الصحيحة الصريحة التي جاءت بالتحريم قليلة جدًّا، وما لم يجئ نصٌّ بحله أو حرمته فهو باقٍ على أصل الإباحة وفي دائرة العفو الإلهي، وفي هذا ورد الحديث: "ما أحلَّ الله في كتابه فهو حلال، وما حرَّم فهو حرام، وما سكت عنه فهو عفو، فاقبلوا من الله عافيته، فإن الله لم يكن لينسى شيئًا"، وتلا: ﴿وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا﴾ (مريم: من الآية ).

    وعن سلمان الفارسي: سُئل رسول الله- صلى الله عليه وسلم- عن السمن والجبن والفراء فقال: "الحلال ما أحلَّ الله في كتابه، والحرام ما حرَّم الله في كتابه، وما سكت عنه فهو مما عفا لكم"، فلم يشأ عليه الصلاة والسلام أن يُجيب السائلين عن هذه الجزئيات، بل أحالهم على قاعدة يرجعون إليها في معرفة الحلال والحرام، ويكفي أن يعرفوا ما حرَّم الله، فيكون كل ما عداه حلالاً طيبًا، وقال صلى الله عليه وسلم: "إنَّ الله فرضَ فرائض فلا تُضيِّعوها، وحدَّ حدودًا فلا تعتدوها، وحرَّم أشياء فلا تنتهكوها، وسكت عن أشياء رحمةً بكم غير نسيان فلا تبحثوا عنها".

    وأُحبُّ أن أنبِّه هنا على أن أصل الإباحة لا يقتصر على الأشياء والأعيان، بل يشمل الأفعال والتصرفات التي ليست من أمور العبادة، وهي التي نُسمِّيها: (العادات أو المعاملات)؛ فالأصل فيها عدم التحريم وعدم التقييد إلا ما حرَّمه الشارع وألزم به، وقوله تعالى: ﴿وَقَدْ فَصَّلَ لَكُم مَّا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ﴾ (الأنعام: من الآية 119) عامٌّ في الأشياء والأفعال، وهذا بخلاف العبادة فإنها من أمر الدين المحض، الذي لا يؤخذ إلا عن طريق الوحي، وفيها جاء الحديث الصحيح: "مَن أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد"؛ وذلك أن حقيقة الدين تتمثَّل في أمرين: ألا يُعبد إلا الله، وألا يُعبد إلا بما شرع، فمَن ابتدع عبادةً من عنده- كائنًا مَن كان- فهي ضلالة تُردُّ عليه؛ لأن الشارع وحده هو صاحب الحق في إنشاء العبادات التي يُتقرب بها إليه.

    وأما العادات أو المعاملات فليس الشارع منشئًا لها، بل الناس هم الذين أنشأوها وتعاملوا بها، والشارع جاء مصحِّحًا لها ومعدِّلاً ومهذِّبًا، ومقرًّا في بعض الأحيان ما خلا عن الفساد والضرر منها؛ قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "إن تصرفات العباد من الأقوال والأفعال نوعان: عبادات يصلح بها دينهم، وعادات يحتاجون إليها في دنياهم؛ فباستقراء أصول الشريعة نعلم أن العبادات التي أوجبها الله أو أحبَّها لا يثبت الأمر بها إلا بالشرع، وأما العادات فهي ما اعتاده الناس في دنياهم مما يحتاجون إليه، والأصل فيه عدم الحظر، فلا يحظر منه إلا ما حظره الله سبحانه وتعالى؛ وذلك لأن الأمر والنهي هما شرع الله، والعبادة لا بد أن تكون مأمورًا بها، فما لم يثبت أنه مأمور به- أي من العادات- كيف يُحكم عليه بأنه محظور؟!

    ولهذا كان أحمد وغيره من فقهاء أهل الحديث يقولون: إن الأصل في العبادات التوقيف، فلا يشرع منها إلا ما شرعه الله، وإلا دخلنا في معنى قوله تعالى: ﴿أَمْ لَهُمْ شُرَكَاء شَرَعُوا لَهُم مِّنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَن بِهِ اللَّهُ﴾ (الشورى: من الآية 21)، والعادات الأصل فيها العفو، فلا يحظر منها إلا ما حرّمه الله، وإلا دخلنا في معنى قوله تعالى: ﴿قُلْ أَرَأَيْتُم مَّا أَنزَلَ اللّهُ لَكُم مِّن رِّزْقٍ فَجَعَلْتُم مِّنْهُ حَرَامًا وَحَلاَلاً﴾ (يونس: من الآية 59)، وهذه قاعدة عظيمة نافعة، وإذا كان كذلك فنقول: البيع والهبة والإجارة، وغيرها من العادات التي يحتاج الناس إليها في معاشهم، كالأكل والشرب واللباس.. فإن الشريعة قد جاءت في هذه العادات بالآداب الحسنة، فحرَّمت منها ما فيه فساد، وأوجبت ما لا بُدَّ منه، وكرهت ما لا ينبغي، واستحبَّت ما فيه مصلحة راجحة في أنواع هذه العادات ومقاديرها وصفاتها.

    وإذا كان كذلك، فالناس يتبايعون ويستأجرون كيف يشاءون، ما لم تحرم الشريعة، كما يأكلون ويشربون كيف شاءوا ما لم تحرم الشريعة، وإن كان بعض ذلك قد يُستحب أو يكون مكروهًا، وما لم تحدّ الشريعة في ذلك حدًّا فيبقون فيه على الإطلاق الأصلي" (انتهى).

    ومما يدلُّ على هذا الأصل المذكور ما جاء في الصحيح عن جابر بن عبد الله قال: "كنا نعزل والقرآن ينزل، فلو كان شيء ينهى عنه لنهى عنه القرآن"، فدلَّ على أن ما سكت عنه الوحي غيرُ محظور ولا منهيٌّ عنه، وأنهم في حِلٍّ من فعله حتى يَرِدَ نصٌّ بالنهي والمنع، وهذا من كمال فقه الصحابة رضي الله عنهم، وبهذا تقرَّرت هذه القاعدة الجليلة، ألا تشرع عبادةٌ إلا بشرع الله، ولا تحرُم عادةٌ إلا بتحريم الله.

    والقول بأن هذه المسيرات (بدعة) لم تحدث في عهد رسول الله ولا أصحابه، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.. قولٌ مرفوضٌ؛ لأن هذا إنما يتحقَّق في أمر العبادة وفي الشأن الديني الخالص؛ فالأصل في أمور الدين (الاتباع) وفي أمور الدنيا (الابتداع)؛ ولهذا ابتكر الصحابة والتابعون لهم بإحسان أمورًا كثيرةً لم تكن في عهد النبي- صلى الله عليه وسلم- ومن ذلك ما يُعرف بـ(أوليَّات عمر)، وهي الأشياء التي ابتدأها عمر رضي الله عنه غيرَ مسبوقٍ إليها؛ مثل: إنشاء تاريخ خاصّ للمسلمين، وتمصير الأمصار، وتدوين الدواوين، واتخاذ دار للسجن، وغيرها.

    وبعد الصحابة أنشأ التابعون وتلاميذهم أمورًا كثيرةً؛ مثل: ضرب النقود الإسلامية بدل اعتمادهم على دراهم الفرس ودنانير الروم، وإنشاء نظام البريد، وتدوين العلوم، وإنشاء علوم جديدة؛ مثل: علم أصول الفقه، وعلوم النحو والصرف والبلاغة، وعلم اللغة، وغيرها، وأنشأ المسلمون (نظام الحسبة) ووضعوا له قواعدَ وأحكامًا وآدابًا، وألَّفوا فيه كتبًا شتَّى، ولهذا كان من الخطأ المنهجي أن يُطلَب دليلٌ خاصٌّ على شرعية كل شأن من شئون العادات، فحسبنا أنه لا يوجد نص مانع من الشرع.

    ودعوى أن هذه المسيرات مقتبَسة أو مستورَدة من عند غير المسلمين لا يُثبت تحريمًا لهذا الأمر، ما دام هو في نفسه مباحًا ويراه المسلمون نافعًا لهم؛ فـ"الحكمة ضالَّة المؤمن أنَّى وجدها فهو أحق الناس بها"، وقد اقتبس المسلمون في عصر النبوة طريقةَ حفر الخندق حول المدينة، لتحصينها من غزو المشركين، وهي من طرق الفرس، واتخذ الرسول صلى الله عليه وسلم خاتمًا؛ حيث أشير عليه أن يفعل ذلك؛ فإن الملوك والأمراء في العالم لا يقبلون كتابًا إلا مختومًا، واقتبس الصحابة نظام الخراج من دولة الفرس العريقة في المدنية والتنظيم، واقتبسوا كذلك تدوين الدواوين، من دولة الروم؛ لما لها من عراقة في ذلك، وترجم المسلمون الكتب التي تتضمَّن (علوم الأوائل) أي الأمم المتقدمة، التي طوَّرها المسلمون وهذَّبوها وأضافوا إليها، وابتكروا فيها مثل: (علم الجبر) بشهادة المنصفين من مؤرِّخي العلم، ولم يعترضوا إلا على (الجانب الإلهي) في التراث اليوناني؛ لأن الله تعالى أغناهم بعقيدة الإسلام عن وثنية اليونان وما فيها من أساطير وأباطيل.

    ومن نظر إلى حياتنا المعاصرة في شتى المجالات وجد فيها كثيرًا جدًّا مما اقتبسناه من بلاد الغرب: في التعليم والإعلام والاقتصاد والإدارة والسياسة وغيرها؛ ففكرة الدستور، والانتخابات (بالصورة المعاصرة)، وفصل السلطات، وإنشاء الصحافة والإذاعة والتلفزة، بوصفها أدواتٍ للتعبير والتوجيه والترفيه، وإنجاز الشبكة الجبَّارة للمعلومات (الإنترنت)، والتعليم بمؤسساته وتقسيماته وترتيباته ومراحله وآلياته المعاصرة.. مقتبَسٌ في معظمه من الغرب.

    والشيخ رفاعة الطهطاوي، حين ذهب إلى باريس إمامًا للبعثة المصرية، ورأى من ألوان المدنية ما رأى، بهَرَتْه الحضارة الحديثة، وعاد لينبِّه قومَه إلى ضرورة الاقتباس مما سبق به الأوربيون، حتى لا يظلُّوا يتقدمون ونحن نتأخر، ومن يومها بدأ المصريون- وبدأ معهم كثيرٌ من العرب، وقبلهم بدأ العثمانيون- في اقتباس ما عند الغربيين.

    كلُّ هذه مقتبسات من الغرب الذي تفوَّق علينا وسبقَنا بها، ولم نجد بُدًّا من أن نأخذها عنه، ولم تجد نكيرًا من أحد من علماء الشرع ولا من غيرهم، فأقرَّها العرف العام، وقد أخذ الغرب عنا من قبل واقتبس منا وانتفع بعلومنا أوائل نهضته ﴿وَتِلْكَ الأيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ﴾ (آل عمران: من الآية 140).

    المهم أن نأخذ ما يلائم عقائدَنا وقيمَنا وشرائعَنا، دون ما يناقضها أو ينقضها؛ فالناقل هو الذي يأخذ من غيره ما ينفعه لا ما يضره، وأهم ما يأخذه المسلم من غيره ما كان متعلقًا بشئون الحياة المتطورة، وجلّه يتصل بالوسائل والآليات التي طابعها المرونة والتغيُّر، لا بالأهداف والمبادئ التي طابعها الثبات والبقاء.

    على أن ما ذكره السائل أو السائلون، من نسبة هذه المظاهرات أو المسيرات إلى الشيوعيين الملحدين غير صحيح؛ فالأنظمة الشيوعية لا تسمح بهذه المسيرات إطلاقًا؛ لأن هذه الأنظمة الشمولية القاهرة تقوم على كبت الحريات، وتكميم الأفواه، والخضوع المطلق لسلطان الحكم وجبروته.


    قاعدتان مهمتان
    وأود أن أقرِّر هنا قاعدتين في غاية الأهمية:
    1- قاعدة المصلحة المرسلة:
    الأولى هي قاعدة المصلحة المرسلة؛ فهذه الممارسات التي لم ترد في العهد النبوي، ولم تعرف في العهد الراشدي، ولم يعرفها المسلمون في عصورهم الأولى، وإنما هي من مستحدثات هذا العصر، إنما تدخل في دائرة (المصلحة المرسلة)، وهي التي لم يرد من الشرع دليلٌ باعتبارها ولا بإلغائها.

    وشرطها: أن لا تكون من أمور العبادات حتى لا تدخل في البدعة، وأن تكون من جنس المصالح التي أقرَّها الشرع، والتي إذا عُرضت على العقول تلقَّتها بالقبول، وألا تعارض نصًّا شرعيًّا ولا قاعدةً شرعيةً.

    وجمهور فقهاء المسلمين يعتبرون المصلحة دليلاً شرعيًّا يُبنَى عليها التشريع أو الفتوى أو القضاء، ومن قرأ كتب الفقه وجد مئات الأمثلة من الأحكام التي لا تعلّل إلا بمطلق مصلحة تُجلَب، أو ضرر يُدفع.

    وكان الصحابة- وهم أفقه الناس لهذه الشريعة- أكثر الناس استعمالاً للمصلحة واستنادًا إليها، وقد شاع أنَّ الاستدلال بالمصلحة المرسلة خاصٌّ بمذهب المالكية، ولكنَّ الإمام شهاب الدين القرافي المالكي (684هـ) يقول- ردًّا على من نقلوا اختصاصها بالمالكي-: "وإذا افتقدت المذاهب وجدتهم إذا قاسوا أو جمعوا أو فرقوا بين المسألتين، لا يطلبون شاهدًا بالاعتبار لذلك المعنى الذي جمعوا أو فرَّقوا، بل يكتفون بمطلق المناسبة، وهذا هو المصلحة المرسلة، فهي حينئذ في جميع المذاهب".

    2- للوسائل حكم المقاصد
    والقاعدة الثانية: هي أن للوسائل في شئون العادات حكم المقاصد؛ فإذا كان المقصد مشروعًا في هذه الأمور، فإن الوسائل إليه تأخذ حكمه، ولم تكن الوسيلة محرمةً في ذاتها؛ ولهذا حين ظهرت الوسائل الإعلامية الجديدة، مثل (التلفزيون) كثُر سؤال الناس عنها: أهي حلال أم حرام؟!

    وكان جواب أهل العلم: أن هذه الأشياء لا حُكمَ لها في نفسها، وإنما حكمُها بحسب ما تُستعمل له من غايات ومقاصد؛ فإذا سألت عن حكم (البندقية) قلنا: إنها في يد المجاهد عون على الجهاد ونصرة الحق ومقاومة الباطل، وهي في يد قاطع الطريق عون على الجريمة والإفساد في الأرض وترويع الخلق، وكذلك التلفزيون، من يستخدمه في معرفة الأخبار، ومتابعة البرامج النافعة ثقافيًّا وسياسيًّا واقتصاديًّا، بل والبرامج الترفيهية بشروط وضوابط معينة، فهذا لا شكَّ في إباحته ومشروعيته، بل قد يتحوَّل إلى قربة وعبادة بالنية الصالحة، بخلاف من يستخدمه للبحث عن الخلاعة والمجون وغيرها من الضلالات في الفكر والسلوك.

    وكذلك هذه المسيرات والتظاهرات، إن كان خروجها لتحقيق مقصد مشروع، كأن تنادي بتحكيم الشريعة، أو بإطلاق سراح المعتقلين بغير تهمة حقيقية، أو بإيقاف المحاكمات العسكرية للمدنيين، أو بإلغاء حالة الطوارئ التي تعطي للحكَّام سلطات مطلقة، أو بتحقيق مطالب عامة للناس؛ مثل: توفير الخبز أو الزيت أو السكر أو الدواء أو البنزين، أو غير ذلك من الأهداف التي لا شك في شرعيتها؛ فمثل هذا لا يرتاب فقيه في جوازه.

    وأذكر أني كنت في سنة 1989م في الجزائر، وقد شكا إليَّ بعض الأخوات من طالبات الجامعة من الملتزمات والمتدينات، من مجموعة من النساء العلمانيات أقمن مسيرةً من نحو خمسمائة امرأة، سارت في شوارع العاصمة، تطالب بمجموعة من المطالب تتعلق بالأسرة أو ما يسمَّى ( قانون الأحوال الشخصية) مثل: منع الطلاق، أو تعدد الزوجات، أو طلب التسوية بين الذكر والأنثى في الميراث، أو إباحة تزوُّج المسلمة من غير المسلم، ونحو ذلك.

    فقلت للطالبات اللائي سألنني عن ذلك: الرد على هذه المسيرة العلمانية أن تقود المسلمات الملتزمات مسيرةً مضادَّةً، من خمسمائة ألف امرأة! أي ضعف المسيرة الأولى ألف مرة! تنادي باحترام قواطع الشريعة الإسلامية، وفعلاً بعد أشهر قليلة أقيمت مسيرة مليونية، عامَّتها من النساء تؤيد الشريعة، وإن شارك فيها عدد محدود من الرجال؛ فهذه المسيرة- بحسب مقصدها- لا شك في شرعيتها، بخلاف المسيرة الأخرى المعارضة لأحكام الشريعة القطعية، لا يستطيع فقيه أن يفتي بجوازها.


    سد الذرائع
    أما ما قيل من منع المسيرات والتظاهرات السلمية؛ خشيةَ أن يتخذها بعض المخرِّبين أداةً لتدمير الممتلكات والمنشآت، وتعكير الأمن، وإثارة القلاقل؛ فمن المعروف أن قاعدة سد الذرائع لا يجوز التوسع فيها؛ حتى تكون وسيلةً للحرمان من كثير من المصالح المعتبرة.
    ويكفي أن نقول بجواز تسيير المسيرات إذا توافرت شروط معينة يترجَّح معها ضمان ألا تحدث التخريبات التي تحدث في بعض الأحيان، كأن تكون في حراسة الشرطة، أو أن يتعهد منظِّموها بأن يتولوا ضبطها؛ بحيث لا يقع اضطراب أو إخلال بالأمن فيها، وأن يتحملوا المسئولية عن ذلك، وهذا المعمول به في البلاد المتقدمة ماديًّا.


    في السنة دليل على شرعية المسيرات
    أعتقد أن فيما سقناه من الأدلة والاعتبارات الشرعية، ما يكفي لإجازة المسيرات السلمية إذا كانت تعبر عن مطالب فئوية أو جماهيرية مشروعة، وليس من الضروري أن يُطلَب دليلٌ شرعيٌّ خاصٌّ على ذلك، مثل نص قرآني أو نبوي، أو واقعة حدثت في عهد النبوة أو الخلافة الراشدة.

    ومع هذا، نتبرَّع بذكر واقعة دالة، حدثت في عهد النبوة، وذلك عندما أسلم عمر بن الخطاب رضي الله عنه؛ فبعد أن يسرد عمر- رضي الله عنه- قصة إسلامه، ولنستمع إلى عمر نفسه، وهو يقص علينا نبأ هذه المسيرة، حتى إذا دخل دار الأرقم بن أبي الأرقم معلنًا الشهادتين يقول: "فقلت: يا رسول الله، ألسنا على الحق إن متنا وإن حيينا؟ قال: "بلى، والذي نفسي بيده، إنكم على الحق إن متم وإن حييتم" قال: فقلت: ففيم الاختفاء؟ والذي بعثك بالحق لتخرجن، فأخرجناه في صفين: حمزة في أحدهما، وأنا في الآخر، له كديد ككديد الطحين، حتى دخلنا المسجد، قال: فنظرت إليَّ قريش وإلى حمزة، فأصابتهم كآبةٌ لم يصبهم مثلها، فسماني رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ الفاروق".

    ومن تتبَّع السيرة النبوية والسنة المحمدية لا يُعدَم أن يجد فيها أمثلة أخرى.
    والحمد لله رب العالمين.
    __________________
    عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله ، إمام عادل وشاب نشأ في عبادة الله ، ورجل قلبه معلق بالمساجد ، ورجلان تحابا في الله اجتمعا عليه وتفرقا عليه ، ورجل دعته امرأة ذات منصب وجمال فقال إني أخاف الله . ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه ، ورجل ذكر الله خالياً ففاضت عيناه " متفق عليه

  2. #2
    عضو
    تاريخ التسجيل
    Tue Apr 2009
    الدولة
    عرين الاردن
    المشاركات
    20,622
    معدل تقييم المستوى
    21474872
    الاخت مشاعر
    لم اقرا الموضوع ولكني اتفهم المضمون
    بالنسية للاخوان المسلمين في الاردن
    لو كان هناك مليون قرضاوي لن يغير الفكره السوداء
    الذي وضعها المذكورين في الاردن من صنع ايديهم وقبح تصرفاتهم
    ولعنة تصرفاتهم
    ولن يصفى لهم الوطن وابناء الوطن

  3. #3
    عضو
    تاريخ التسجيل
    Mon Mar 2009
    الدولة
    وراء عيوني المفمضه
    المشاركات
    6,527
    معدل تقييم المستوى
    5711677
    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة الطوالبه مشاهدة المشاركة
    الاخت مشاعر
    لم اقرا الموضوع ولكني اتفهم المضمون
    بالنسية للاخوان المسلمين في الاردن
    لو كان هناك مليون قرضاوي لن يغير الفكره السوداء
    الذي وضعها المذكورين في الاردن من صنع ايديهم وقبح تصرفاتهم
    ولعنة تصرفاتهم
    ولن يصفى لهم الوطن وابناء الوطن

    اخي طوالبه هي فتوى للقرضاوي رئيس علماء المسلمين

    ومن واجبي نشرها

    ولك الخيار في اتباع الفتوى او ضربها بعرض الحائط

  4. #4
    الاداره
    تاريخ التسجيل
    Tue May 2009
    الدولة
    الرايه الهاشميه حفظها الله
    المشاركات
    212,599
    معدل تقييم المستوى
    21475063
    الف شكر على ماقدمتي
    مع التحيه والاحترااااام
    ليس من الصعب ان تصنع الف صديق فى سنة
    لكن من الصعب ان تصنع صديقا لألف سنة
    يكفيني فخرا انني ابن الرايه الهاشميه

  5. #5
    عضو
    تاريخ التسجيل
    Tue Apr 2009
    الدولة
    عرين الاردن
    المشاركات
    20,622
    معدل تقييم المستوى
    21474872
    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة مشاعر عنيده مشاهدة المشاركة
    اخي طوالبه هي فتوى للقرضاوي رئيس علماء المسلمين

    ومن واجبي نشرها

    ولك الخيار في اتباع الفتوى او ضربها بعرض الحائط
    هو كذالك
    شكرا لك اختي مشاعر

  6. #6
    عضو
    تاريخ التسجيل
    Mon May 2011
    الدولة
    الأردن
    العمر
    54
    المشاركات
    12,037
    معدل تقييم المستوى
    21474862
    للعلم بس :

    " انتمى القرضاوي لجماعة الإخوان المسلمين وأصبح من قياداتها المعروفين

    ويعتبر الشيخ منظر الجماعة الأول

    كما عرض عليه تولي منصب المرشد عدة مرات لكنه رفض

    وكان يحضر لقاءات التنظيم العالمي للإخوان المسلمين كممثل للإخوان في قطر إلي أن استعفي من العمل التنظيمي في الإخوان

    وقام الدكتور القرضاوي بتأليف كتاب الإخوان المسلمون سبعون عاما في الدعوة والتربية والجهاد (كتاب) يتناول فيه تاريخ الجماعة منذ نشأتها إلى نهايات القرن العشرين ودورها الدعوي والثقافي والاجتماعي في مصر وسائر بلدان العالم التي يتواجد فيها الإخوان المسلمون .

    وأبدي القرضاوي ترحيبه بتولي الإخوان حكم مصر وأنهم " الجماعة الإسلامية الوسطية المنشودة " حسب وصفه ، وإعتبر مشروع الإمام حسن البنا هو " المشروع السني الذي يحتاج إلي تفعيل "

    ووصف الإخوان المسلمين بأنهم " أفضل مجموعات الشعب المصري بسلوكهم وأخلاقياتهم وفكرهم وأكثرهم استقامة ونقاء "

    بارك الله تعالفى فيكم


  7. #7
    عضو
    تاريخ التسجيل
    Sat May 2007
    الدولة
    أم الدنيا وارض الكنانه
    العمر
    39
    المشاركات
    120,668
    معدل تقييم المستوى
    21474973
    اشكرك على ما قدم
    وبارك الله فيكِ
    [IMG]http://dc03.***********/i/01751/u674s73prh3c.gif[/IMG]

  8. #8
    عضو
    تاريخ التسجيل
    Wed Jun 2008
    الدولة
    صانعة رجال البواسل رجال الهيه المملكة الهاشمية
    المشاركات
    146,552
    معدل تقييم المستوى
    11586669



    يعطيك الف الف عافية
    لاحرمنا نشاطك
    كل التقدير والاحترام

    اختكم بالله





  9. #9
    عضو
    تاريخ التسجيل
    Mon Mar 2009
    الدولة
    وراء عيوني المفمضه
    المشاركات
    6,527
    معدل تقييم المستوى
    5711677
    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة محمد الدراوشه مشاهدة المشاركة
    الف شكر على ماقدمتي
    مع التحيه والاحترااااام
    نورت اخوي دراوشه

    شكرا للمرور

  10. #10
    عضو
    تاريخ التسجيل
    Sat Jun 2008
    الدولة
    في عصر المتنبي
    المشاركات
    19,092
    معدل تقييم المستوى
    230634
    مشاعر عنيدة

    بارك الله فيكِ

    على هذا الطرح

    دمت بود

صفحة 1 من 2 12 الأخيرةالأخيرة

المواضيع المتشابهه

  1. امتحان علوم اسلامية نهائي الفصل الاول لصف التوجيهي 2018/2019 جاهز لطباعه
    بواسطة A D M I N في المنتدى اسئلة اختبارات تربية اسلامية لجميع الصفوف علوم اسلامية
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 11-12-2018, 12:09 PM
  2. مشاركات: 1
    آخر مشاركة: 08-06-2016, 07:09 AM
  3. رسالة من فوق الماء
    بواسطة ENG. OMAR في المنتدى عذب الاماكن والمشاعر
    مشاركات: 12
    آخر مشاركة: 09-02-2010, 09:58 PM
  4. كل شي لحلاقة الذقن
    بواسطة Full MooN في المنتدى منتدى الرجل ( ادم )
    مشاركات: 8
    آخر مشاركة: 12-04-2009, 11:31 PM

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

المفضلات

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •  
معجبوا منتدي احباب الاردن على الفايسبوك