كتبت – سمر حدادين- قرار إنشاء هيئة مستقلة لإدارة الانتخابات النيابية يعني أن الدولة بجميع مكوناتها تقف عند منعطف تاريخي وهو انه لن يكون هناك تدخل سلبي من قبل الحكومة في سير الانتخابات، بل ستعكس الانتخابات ونتائجها الحالة الأردنية السياسية والاجتماعية والسياسية والاقتصادية السائدة.
هذه النزاهة المأمولة لا تعني بالضرورة تغيير المنتج الانتخابي، إذا ما ظلت العلاقات بين مكونات المجتمع الأردني هي ذاتها التي حكمته في انتخابات 2007 أو 2010.
تنعكس جودة الإدارة الانتخابية على مصداقية العملية الانتخابية برمتها، فطالما لم يثق كافة الشركاء في العملية الانتخابية، بمن فيهم الأحزاب، والناخبين، بأن الإدارة الانتخابية محمية من أي تأثير أو سيطرة من قبل الحكومة، وبأن كافة فعالياتها ونشاطاتها تستند إلى مبادئ الحياد والمهنية، فسيضع هؤلاء قرارات الإدارة الانتخابية موضع الشك وقد تنعدم ثقتهم بالانتخابات.
هيأت التعديلات الدستورية، التي ستقر قريبا، الطريق أمام خروج الهيئة إلى النورـ بالنص على إنشائها، دون أن تحدد شكلها ومن يديرها وماهية صلاحياتها وتركت الأمر للقانون الذي أوصت اللجنة النيابية به، ومن المفترض أن تتقدم الحكومة به إلى البرلمان حال تقديمها لقانون انتخاب جديد.
لكن إبقاء النص الدستوري على ما هو عليه لن يفرز الهيئة التي ينشدها الكثيرون ،فينبغي وفق النائب المخضرم بسام حدادين أن يوضع بالدستور اختصاصاتها، حتى لا تصبح الحكومة الجهة التي تحدد اختصاصاتها، فتفقدها من مضمونها.
وهو ما دعا إليه الخبير القانوني في إدارة الانتخابات الدكتور علي الدباس مساعد المفوض العام في المركز الوطني لحقوق الإنسان، مشددا على ضرورة أن ينص الدستور «صراحة بأن الهيئة هي لإدارة العملية الانتخابية بمراحلها كافة، حتى لا تأتي جهة معينة تقول في المستقبل أن دورها إشرافي وليس إدارة».
يعد تأسيس الهيئة أحد متطلبات الشراكة بين الاتحاد الأوروبي والأردن، إذ كانت الهيئة إحدى تعهدات الأردن حتى نحصل على (وضع متقدم) بالشراكة لدى الاتحاد الأوروبي.
وتُعرّف الإدارة الانتخابية على أنها المؤسسة أو الهيئة المسؤولة قانونياً، والتي يتحدد الهدف من قيامها بإدارة بعض أو كافة الجوانب الأساسية لتنفيذ العمليات الانتخابية والاستفتاءات على مختلف أشكالها.
وتشمل الجوانب الأساسية تحديد أصحاب حق الاقتراع؛ استقبال واعتماد طلبات الترشيح للانتخابات من قبل الأحزاب السياسية و/أو المرشحين؛ تنظيم وتنفيذ عمليات الاقتراع؛ عدّ وفرز الأصوات؛ تجميع وإعداد نتائج الانتخابات.
يمكن للإدارة الانتخابية أن تقوم بمهام أخرى تسهم في تنظيم الانتخابات والاستفتاءات، كالقيام بتسجيل الناخبين، أو ترسيم الدوائر الانتخابية، أو تنفيذ حملات التوعية الانتخابية، أو متابعة نشاطات وسائل الإعلام المتعلقة بالعملية الانتخابية أو النظر في النزاعات الانتخابية وحلها.
وكانت إحدى مطالبات التحالف الوطني الأردني لإصلاح الإطار القانوني الناظم للعملية الانتخابية الذي يقوده المركز الوطني لحقوق الإنسان الأساسية، إنشاء هيئة وطنية عليا مستقلة ودائمة، تتمتع بالحياد والنزاهة للإشراف على كافة مراحل العملية الانتخابية، على أن يكون للسلطة القضائية الدور الأكبر في إدارتها. وهذا ما أكد عليه النائب حدادين الذي شدد على أنه سيسعى عند عرض التعديلات الدستورية ومشروع قانون الانتخاب ومشروع قانون هيئة إدارة الانتخابات- إذا استجابت الحكومة لتوصية اللجنة القانونية النيابية- أن يتم النص على صلاحياتها بالإشراف وإدارة العملية الانتخابية من ألفها إلى يائها.
وشدد في حديثه لـ»الرأي» على ضرورة وضع إمكانيات الدولة تحت تصرف الهيئة وحق طلب الدعم من الأجهزة الأمنية المختصة والإدارة العامة على أن تتمتع بصلاحيات الضابطة العدلية، مشيرا إلى أنه في الهند يحق لهذه الهيئة أن تطلب الجيش بالتدخل.
على صعيد متصل يرى الدباس صاحب كتاب ( السلطة التشريعية وضمانات استقلالها في النظم الديمقراطية النيابية- دراسة مقارنة )، أنه في ظل التوجه نحو الديمقراطية وتمثيل الأفراد من خلال المجالس النيابية، ينبغي أن تتوفر في الهيئة المستقلة لإدارة الانتخابات ثلاث صفات أساسية لتحظى بثقة مكونات المجتمع بتعدد أطيافه.
وبين أنه ينبغي أن تتمتع بالاستقلالية عن الحكومة والأحزاب والقوى السياسية المشاركة بالانتخابات، إلى جانب الحيادية بحيث لا تتبنى موقفا سياسيا لطرف عن آخر، على أن تكون محترفة تعي المتطلبات الإدارية الانتخابية.
غير أن الدباس يرى أن الإشكالية تكمن بتشكيل الهيئة بما يضمن استقلاليتها، مشددا على أنه ينبغي أن يبين القانون كيفية تشكيلها، وأن لا يترك للحكومة الأمر، لافتا إلى أن هذا يتطلب من واضعي القانون أن «يبحثوا عن مقاربة مختلفة لتشكيل الهيئة (الحكومة تنسب وتصدر الإرادة الملكية السامية)»، بحيث يتم التشاور مع البرلمان والمجتمع المدني، تأكيدا على عدم تبعيتها لأي جهة بل تصبح مؤسسة وطنية تعبر عن الوطن الأردني، قادرة على التعامل بحيادية.
هذه الأمور الأساسية إذا توفرت، بحسب الدباس، ستقدم خدمة كبيرة للمجتمع الأردني، وصولا إلى برلمان يمثل المجتمع بكل مكوناته.
النائب حدادين وإن كان يرى في وجود هذه الهيئة ضمانة للنزاهة والحياد، لا يعتقد أن وجودها سيفرز مجلس نواب يمثل المجتمع، وإنما ما يضمن أن يكون مجلس نيابي فاعل وممثل هو قانون الانتخاب.
وتصنف الهيئة المستقلة للانتخابات وفق الكتاب الصادر عن المؤسسة الدولية للديمقراطية والانتخابات تحت عنوان (أشكال الإدارة الانتخابية)، في ثلاثة أشكال أساسية هي: الإدارة الانتخابية المستقلة، الإدارة الانتخابية الحكومية، الإدارة الانتخابية المختلطة. والإدارة المستقلة: تتشكل من ( المحكمة الانتخابية أو لجنة الانتخابات المركزية)، مستقلة ماليا وتنظيمياً عن السلطة التنفيذية ومهمتها تنظيمية وتنفيذية كاملة لا تكون مسؤولة أمام السلطة التنفيذية، بل أمام السلطة التشريعية، أو القضاء أو رأس الدولة.
أما الإدارة الحكومية وهي هيئة انتخابية حكومية تتبع تنظيمياً لإحدى الوزارات أو الدوائر الحكومية تخضع لتوجيهات الحكومة في تنظيم وتنفيذ الانتخابات، تكون مسؤولة كلياً أمام السلطة التنفيذية.
فيما الإدارة الانتخابية المختلطة تضم مكونين رئيسيين يشكلان تركيبة مزدوجة للإدارة الانتخابية: وهي هيئة مستقلة عن السلطة التنفيذية تعنى بوضع السياسات الانتخابية العامة والإشراف على الانتخابات (كالهيئة الانتخابية العاملة في ظل الإدارة المستقلة)، وبموازاة ذلك هيئة انتخابية تنفيذية تعنى بتنظيم الانتخابات وإدارة الفعاليات الانتخابية وتتبع لإحدى الوزارات (كما هي الحال في الإدارة الحكومية). وفي ظل هذا الشكل تقوم الإدارة الحكومية بتنظيم وتنفيذ العمليات الانتخابية، وذلك بإشراف من قبل الإدارة المستقلة.
ويعتقد النائب حدادين أنه ينبغي أن يكون شكل الهيئة(مستقلة)، على أن يستبعد القضاء منها، لأن وظيفته فض النزاعات، بالمقابل أن تشكل من قضاة سابقين وشخصيات سياسية عامة، وحقوقيين وقانونيين، على أن تحدد التفاصيل بقانون.
ويتوافق الدباس مع ما ذهب إليه النائب حدادين لجهة (الإدارة الانتخابية المستقلة)، إن كنا بالفعل نمضي بالديمقراطية والإصلاح السياسي بصورة حقيقية، كي نحمي الهيئة بحسب الدباس من أي انتقاد أو رفض من أي قوى في المجتمع.
ويتفق مدير مركز عدالة لدراسات حقوق الإنسان المحامي عاصم ربابعة مع ضرورة «توفر عناصر الحياد وتعطى الضمانات الكافية للاستقلالية بعيدا عن أي تأثيرات حكومية أو خارجية، مطالبا أن تكون الهيئة تتمتع بشخصية اعتبارية مستقلة من مقر خاص بها وموازنة محددة لها، ويتمتع الأشخاص بها بالحصانة. وشدد ربابعة في حديثه لـ»الرأي» على ضرورة أن تكون دائمة وولايتها القانونية تستمر لمدة خمس سنوات، بحيث تبدأ أعمالها قبل الانتخابات بعام لتهيئة الوضع قبل الانتخابات وتشرف على سير الانتخابات، لافتا إلى أنه يميل إلى الإدارة المختلطة بحيث تتشكل من «القضاة وممثلين عن كل من الحكومة والمجتمع المدني، على أن تكون الغلبة للقضاء».
وقد أظهر الاستطلاع الذي قامت به المؤسسة الدولية للديمقراطية والانتخابات سنة 2006م في 214بلداً والأقاليم التابعة لها، بأن 55 % منها تعتمد الإدارة الانتخابية المستقلة بينما تعمل 26 % بالإدارة الانتخابية الحكومية و15 % بالإدارة الانتخابية المختلطة. أما بقية البلدان والأقاليم التي تبلغ نسبتها 4 % فهي لا تنظم انتخابات على المستوى الوطني.
ويبقى القول أن الهيئة المستقلة لإدارة الانتخابات إن تشكلت بشفافية ستعطي للانتخابات النيابية (شهادة بنزاهتها وحياديتها)، لكن هل ستفرز منتجا برلمانيا يرضي الأردنيين.
رد مع اقتباس
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة رمز الوفاء
المفضلات