* بتكلفة مليون و140 ألف دينار سنويا
صلاح العبّادي
أنس العمور (25 سنة)، أحد الشباب الذين انفقوا وهم يجلسون على مقاعد دراسة الطب في أوكرانيا ما يزيد على 40 الف دينار، وهو الآن في السنة الأخيرة من دراسته.
يترقب ذووه أن يعود إليهم الصيف المقبل حاملاً معه شهادة البكالوريوس في الطب، وبذلك فإنهم «يأخذون» نفساً بعد سنوات من الحوالات المالية التي كانوا يرسلونها إلى ابنهم.
أنس هو حكاية ما يقارب 19 الف طالبة وطالبة يلتحقون في جامعات عربية وأجنبية، نحو 80 بالمائة منهم يدرسون الطب والهندسة، وفقاً للأرقم الرسمية التي بينها أمين عام وزارة التعليم العالي الدكتور مصطفى العدوان.
ليث أحمد ابو رديني هو الآخر عاد من أوكرانيا بعد دراسته للطب، مبيناً أن دراسته كلفته نحو 50 ألف دينار، في الوقت الذي يشير إلى أن الطالب الذي يتجه الآن لدراسة الطب سيتكبد ما يزيد على 70 الف دينار نظراً لارتفاع تكاليف الدراسة والمعيشة على ما كنت عليه.
ويرى أن «انفاق هذه المبالغ على الدراسة في الجامعات الرسمية أولى من الذهاب إلى الخارج»، داعياً الجامعات الرسمية ومجلس التعليم العالي للنظر بذلك، من خلال زيادة أعداد الطلبة الدارسين في تخصصات الطب والهندسة على نظام الموازي، وكذلك اتاحة المجال أمام جامعات خاصة لتدريس الطب.
ويأخذ ابو رديني والذي كان يشغل رئيس الجالية الاردنية لمدة اربع سنوات ورئيس مجلس الطلبة المغتربين في مدينة «دانيسك» الأوكرانية على وزارة التعليم العالي عدم وجود جسور تواصل مع الطلبة في الخارج.
ويتمنى سعد الرواحنة أن يعود فلذة كبده من اوكرانيا حيث يجلس على مقاعد الدراسة في تخصص الطب بمستوى السنة الأولى، مبدياً استعداده تحمل ضعف تكاليف دراسته في الخارج في حال أتيح له المجال للدراسة في أي من الجامعات الاردنية في التخصص ذاته.
ويتذكر السعادة التي يفتقدها في بيته، بعد أن سافر ابنه «الوحيد» للدراسة في الخارج، رغم أنه حصل على معدل 89 في الثانوية العامة، وهو لم يؤهله لتحقيق ما يصبو اليه.
وعبر عن تخوفه من المستقبل الذي ينتظر ابنه أثناء دراسته في المهجر، وهو يشاهد ما تعرضه بعض وسائل الاعلام من مشاكل الانحراف التي تعترض الشباب.
ويبدي خالد عبد اللطيف تخوفه على ابنه، لافتاً إلى أنه «اعتاد على السفر إلى اوكرانيا كل ثلاثة أشهر بهدف متابعة ابنه عن كثب والاطلاع على واقعه»، وهو ما اعتبره تكلفة مضافة على دراسته، خصوصاً وأنه يجد نفسه مضطراً لهذا السفر.
وعودة إلى د. العدوان؛ إذ قدر التكلفة المالية لدراسة الطالب في السنة الواحدة بين الـ5-6 آلاف دينار، لافتاً إلى أن الوزارة تحرص على تمكين الطلبة من الدراسة في الجامعات الاردنية.
ويرى أن التوجه الاجتماعي السائد لدى كثير من الأسر الأردنية يتجه نحو تدريس ابنائهم الطب والهندسة في الخارج، في حال عدم تمكنهم من الالتحاق في الجامعات الأردنية.
وضرب على سبيل المثال أن» 1350 طالباً وطالبة من الذين يدرسون في الجمهورية العربية اليمنية يلتحقون في تخصصات الطب والهندسة باستثناء 16 طالباً وطالبة».
وأشار إلى أن الجامعات وفي اطار حرصها على الحفاظ على التنوعية المتميزة للتعليم، لا يمكنها قبول المزيد من الطلبة في هذه التخصصات.
وبين أن مجلس التعليم العالي اتخذ قراره مؤخراً برفع الحد الأدنى في الثانوية العامة بالنسبة للطلبة الذين يدرسون في الخارج إلى 70 بهدف الحد من اعداد الطلبة الذين يتجهون إلى الدراسة في الخارج.
وزير الاشغال العامة والاسكان السابق، والمتخصص في الشأن التربوي د. محمد طالب عبيدات رأى أن «ثقافة السفر بدافع الدراسة تشكل إحدى أذرع الثقافات الضرورية التي يجب على الشباب امتلاكها في هذا الزمان لغايات الانفتاح على العالم والشباب أين كانوا والثقافات الأخرى وإدماج الشباب في مسألة التعايش مع الآخر» وتفعيل لغة الحوار مع الحضارات الأخرى للوصول إلى نقطة تجسير الهوة بين الثقافات المختلفة لتفهم بعضنا بعضا، وللوصول إلى لغة عالمية مشتركة في الوسطية والاعتدال والتسامح على اختلاف العرق أو الدين أو المذهب أو الجنس أو غير ذلك. ولذلك فان السفر يشكل بابا لمختلف العلوم والتجارب في الحياة».
واعتبر أن» ثقافة السفر حتما تساهم في تمكين الشباب إضافة إلى تشكيل وتطوير شخصية الشباب وامتلاكهم لمهارات مختلفة مكتسبة نتيجة السفر مثل مهارات الاتصال والحوار والقيادة واللغات، والاستقلالية في اتخاذ القرار والتعايش مع الآخر وتنظيم وإدارة الوقت والمرونة، وتحمل المسؤولية والاطلاع على مسألة تنوع الثقافات لغايات قبول الآخر والتعايش معه وفراسة معرفة الناس وغيرها».
ولفت إلى أن السفر بدافع الدراسة يتيح للشباب وسيلة لطرح أفكارهم التطويرية أو الخدمية أو نقل بعض الأفكار أو تعديل بعض السلوكيات الخاطئة لديهم؛ وبذلك يكون الشباب سفراء حقيقيين لوطنهم ويسجل ذلك في ميزان حسناتهم ووطنيتهم من خلال إظهار صورة مشرقة للوطن في الخارج.
وأشار إلى أن ثقافة السفر جزء لا يتجزأ من منظومة ثقافات يجب على الشباب ولوجها أو امتلاكها كثقافة المواطنة وثقافات اللباس والحديث وتناول الطعام وحب الوطن والتعايش مع الآخر وحب الخير للناس وثقافة الابتسامة والتواصل والحكمة والصبر وغيرها.
وقال إن ثقافة السفر تسفر عن بناء جيل شبابي مبتسم للحياة ومحب لها، جيل شبابي مطلع على الثقافات المختلفة ويعتبر تنوعها مصدر اثراء، جيل منفتح ومطلع وواع، وقادر على العطاء والمساهمة في مرحلة البناء.
الدكتور إبراهيم بدران الخبير في شؤون التعليم دعا ابناء المجتمع للتخفيف من الاندفاع العاطفي والمجتمعي نحو الشهادة الجامعية.
وأشار إلى أن كلفة الدراسة في الخارج يتحملها الاقتصاد الوطني، مؤكداً أن المشكلة تكمن في نوعية التعليم الذي يتحصل عليه الطالب، إذا ما أخذ بالاعتبار أن طلبة يذهبون إلى جامعات حديثة العهد، غير ملتزمة في معايير الاعتماد كما في الأردن، وأن مستواها العلمي ضعيف أو تدرس في لغات لا يتقنها الطالب، وهو أمر ينعكس سلباً على نوعية التعليم الذي يعود به الطالب إلى الأردن.
ورأى أن عدم حصول خريجين على الوظيفة يعود في بعض الأحيان إلى نوعية التعليم الذي حصلوا عليه، وهو ما يحول دون إيجاد مواقع عمل يمكن أن يعملوا بها.
وقال إن رؤيته نحو الدراسة في الخارج لا تعني الانغلاق أو عدم الدراسة في الخارج، خصوصاً إذا كانت تلك الدراسة ستضيف شيئا جديداً للعلم والمعرفة الوطنية.
وأكد أن ما يجب تجنبه هو انسياق طلبة وراء الرغبة في الحصول على الشهادة الجامعية من أي جامعة دون الالتفات إلى مستواها الأكاديمي وأساليب تدريسها وجديتها في التعامل مع الطلبة، محذراً من الضرر المترتب على الطلبة أنفسهم بعد التخرج والمجتمع الذي سيستقبلهم لشغل وظائف لها خصوصيتها.
وبيّن أن المطلوب من وزارة التعليم العالي أن تشرف اشرافاً استراتيجياً على مسيرة التعليم العالي والبحث العلمي، دون التدخل في تفاصيل الإدارة اليومية للجامعات.
ورأى أن الوزارة تقع عليها مسؤوليات وضع معايير الجودة والتفوق والتميز، وأن تعتبرها دليل إرشاد للجامعات لتتشجع على الالتزام بها.
وذكر أنه من الضروري أن يناط الاعتماد بهيئة مستقلة تتعاون مع الجامعات لرفع مستوى التعليم دون تحديد ما يجب أن يدرسه الطلبة أو لا يدرسوه.
ودعا المعنيين في وزارة التعليم العالي للسعي إلى البحث في مفاصل الضعف وأن تتعاون مع الجامعات لتقوية هذه المفاصل لتقوية مواقع الضعف أينما وجدت. مؤكداً أهمية التخفيف من الاندفاع العاطفي والمجتمعي نحو الشهادة الجامعية؛ إذ من غير المعقول أن نتوقع أن يذهب كل طالب خريج ثانوية عامة إلى الجامعة، وأن يغفل التعليم المهني والتطبيقي؛ خصوصاً وأن له أهمية موازية لأهمية التعليم الأكاديمي.
وفي معرض رده حول ارتفاع أعداد الطلبة الدارسين لتخصص الطب في الخارج، قال إن هذا التخصص له تكلفة مالية مقارنة بالتخصصات الأخرى، عدا عن كونه يتطلب مؤهلات نفسية وعلمية يجب توافرها لدى الطالب، الأمر الذي ليس من الخطأ السماح للجامعات الخاصة باستحداث كليات طب، لاستيعاب الطلبة الراغبين بدراسة هذا التخصص بدلاً من السفر للخارج، مادامت الجامعات معنية بالالتزام بمعايير الاعتماد، لمعرفة مدى الالتزام بتقديم نوعية جيدة من التعليم.
يشار إلى أن قبول 34 ألفاً و409 طلاب لهذا العام في الجامعات الرسمية من اصل 47 الفاً و915 طلبا تقدم لوحدة القبول الموحد من كافة فئات الطلبة؛ يرجح أن يسهم بزيادة أعداد الطلبة المتجهين للدراسة في الخارج، لاسيما وأن التقديرات تشير إلى أن ما يقارب 15 ألف طالب ممن حصلوا على معدل 65% الى 78% لم يحالفهم الحظ في الحصول على مقعد جامعي.
رد مع اقتباس
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة رمز الوفاء
المفضلات