قرأتُ له يُغازل معشوقته «في رحيق الليل نامي حبيبتي/ اشربي نشيد القمح، يطلع خصباً وسنابل»، ورُحتُ في خواطري، سرحتُ في تأملاتي، جاءني المتنبي «عيد بأي حال عدت يا عيد». شربتُ قهوة الصباح، لنقل أنها قهوة المساء، تماشياً مع رحيق ليل الأحبة، ونهارات صوم رمضان. تفجّرتْ مع القهوة السادة مشاعري، بحثتُ عن بياض القماش فوق حامل لوحاتي، لوّنتُ الأرض والسماء والطفلة الناعسة، رسمتُ قطة هاربة من شطط السيارات المسرعة قبيل أذان المغرب ومدفع الإفطار. رسمتني آكل قطايف أمي اللذيذة، يسألني الوالد المشاكس، كما هو ظاهر في اللوحة التي لا تنتهي، هل حقاً هذه القطائف لذيذة ؟ أحدق فيه متأملة، هكذا تسير خطوط فرشاتي، أمي حبيبة وعظيمة ورسولة عمري، والقطائف لذيذة، ليس لأنها لذيذة، ولكنها تعدها أمي.
قرأتُ له أيضاً وأيضاً «شرفةٌ واحدةٌ... بنتُ ليلٍ في الطريقِ/ شرفةٌ جاحدةٌ يا صديقي»، ذكرني ببعض ما أحب، رسمتُ شرفة تملأ معظم فضاء لوحتي، جعلتها مواربة، يفتحها من يشاء، ويغلقها من يريد. وقرأتُ له «يتدحرج صنمٌ آخر؛ ألهذا الحد كنا وثنيين؟!؟»، ألوذ بوطني حبيبي الوطن الأكبر، فلا أصنام فيه، ولا زوابع تقلع الحصون. هكذا أقرأ وهكذا أتواصل مع ما أقرأه بالرسم والتلوين. مساحات التعبير مفتوحة الآفاق، وغير محدودة الوسائل، وفي الهاجس الساكن قلب الإبداع والاختلاف والمغايرة، تتقاطع الأشياء والمعاني والقيم الجمالية الأخلاقية الخالدة.
«في طريق الليل/ ضاع الشارع الثاني، وضاعت وردة الساري، لا تسل عني لماذا جنتي في النار، جنتي في النار، والهوى أسرار» شيء من هذا القبيل قرأته لمظفر النواب قبل أعوام كثيرة، وفي كل مرة أبحث فيها عن قيثاراته، تطالعني وترياته، ورغم التشابه بالجانب الموسيقي بين القيثارات والوتريات، إلا أن فارقاً كبيراً بين الأخيرة الغارقة بالخطابة السياسية، وبين قيثاراته المبللة بقبس العشق الصوفي الجليل.
عيد فطر سعيد، يطل برأس أفراحه على صغار حارتنا، وصغار وطني كله، وفي وجدان كل منا أمنياته الخاصة بالعيد المقبل بعد أيام قليلة، فمن متضرعٍ أن يأتي وقد التمّ شمل الأحبة، ومن مُتطلعٍ أن يصبح العيد فلا ظلم ولا ظلمات ولا ظالمين. وأنا أصلي أن يجيء العيد وكل عيد وأمي بألف صحة وعافية وبركات الرب العظيم، ووالدي، وزوجي وولدي وابنتيّ وشقيقتي وأشقائي وأهلي أجمعين. وأن يمسي ويصبح الوطن بخير وأمن ووشائح محبة ووحدة وتضافر جهود بناء لا يكل ولا يمل ولا يخذل ثرى الوطن العظيم، في ظل قيادة محبة طيبة كريمة من نسل أكرام أبرار طاهرين.
أقرأ، أستمتع، وأتخيل كم هي جميلة حبيبته التي يدعوها لأن تنام في رحيق الليل، ويشربها في غبطة السهو نشيد القمح؟!
د.سلوى عمارين
رد مع اقتباس
المفضلات