عمان - بترا – بشار الحنيطي واخلاص القاضي - « لا بد من الاتفاق على ان الشعور والقناعة بالانتماء لهذا الوطن هو الذي يحدد الهوية الوطنية للانسان , ويحدد حقوق المواطنة وواجباتها , بغض النظر عن خصوصية المنابت والاصول , او المعتقدات الدينية , او التوجهات الفكرية والسياسية « ..
بهذه الكلمات اختصر جلالة الملك عبدالله الثاني مفهوم المواطنة بابعادها الاجتماعية والسياسية خلال خطابه الذي وجهه جلالته الى الشعب امس الاحد بمناسبة احتفالات المملكة بالاعياد الوطنية .
وقد عكست تصورات جلالة الملك حول ذلك المفهوم حداثة الفكر المستند الى اسس عصرية ومتقدمة , اذ لم يعد بالامكان بناء فكرة الدولة الحديثة والنهوض بعمليات الاصلاح الشامل الذي يمأسس الدولة ويعزز الحاكمية الرشيدة والشفافية الا بالابتعاد عن اي انتماءات ضيقة.
مفكرون واكاديميون قالوا لوكالة الانباء الاردنية ( بترا ) ان ما جاء في خطاب جلالته حول مفهوم المواطنة عزز ايمان الاردنيين بان مواطنتهم الحقيقية مرتبطة بالدرجة الاولى بمقدار ما يقدمون للوطن بصرف النظر عن أي اعتبارات جهوية او فئوية في طرح فكري متقدم يمهد لانطلاقة جديدة في منظومة الاصلاح السياسي المنشود .
واشاروا الى ان الفهم المشترك للمواطنة بين صانع القرار والمواطن ساعد وفي هذه المرحلة بالذات على ايجاد مرونة فكرية استوعبت حق المواطنين في التعبير عن آرائهم منوهين الى ان عملية تطوير مفهوم المواطنة تتعزز من خلال الضمير الجمعي للامة ومدى اهمية القناعة بتفعيل التشاركية وتفهم الاخر المتمم وليس النقيض على ارضية مشتركة من التكامل الحضاري والامن الاجتماعي والسياسي .
يقول النائب الدكتور عبدالله النسور ان خطاب جلالة الملك اشتمل على اركان ومحاور عدة حيث كانت المواطنة احدى التوجيهات الهامة في الخطاب , اذ قال جلالته ان مسؤوليتي وواجبي تفرض علي ان اقف على مسافة واحدة من الجميع .
ويضيف النسور الذي شغل منصب نائب رئيس الوزراء سابقا ان جلالة الملك اشار خلال خطابه كذلك الى ان المواطنة الحقيقية تكون بمقدار ما يعطي المرء للوطن وان النهوض بالوطن والحفاظ عليه ليس مسؤولية طرف دون اخر بل انها واجبات الجميع ما يؤكد ان الحقوق هي من حق الجميع , ما دامت المسؤولية تقع على الجميع. ولفت الى ان جلالته تحدث عن العدالة وتساوي الفرص والاسهام في العمل الديمقراطي ليكون فرض عين على الجميع كمؤشرات تكرس مضامين المواطنة وتعزز الوحدة الوطنية باعتبارها الركن الاهم في تماسك الوطن وتقدمه ونجاحه .
ويقول رئيس قسم العلوم السياسية في جامعة اليرموك الدكتور خالد الدباس ان مفهوم المواطنة يمثل المنطلق الذي نشأت على اساسه الدولة المدنية الحديثة , وبالتالي فانها الاصل في بناء المجتمع المدني المعاصر الذي ينأى عن الانتماءات الضيقة ويعتمد مفهوم المشاركة الواسعة والمساواة بين المواطنين .
ويضيف : تنطلق اهمية التركيز على مفهوم المواطنة باعتباره العامل الرئيس الذي يلغي فكرة الولاءات الفرعية من جهوية وطائفية وقبلية والقاعدة التي يمكن من خلالها بناء الدولة المدنية الحديثة عبر تطوير فكرة المواطنة في ذهن المواطن .
ويشير الدكتور الدباس الى ان جلالة الملك عبدالله الثاني ربط في خطابه الذي وجهه يوم امس الى الشعب الاردني مفهوم المواطنة بمدى مستوى الانتاجية وخدمة الوطن انطلاقا من الدافعية الذاتية والانتماء للوطن الامر الذي يتوافق فكريا مع النظرية ( البراغماتية ) الحديثة للدولة المدنية والتي تخلص الى ان الاشياء تقاس بنتائجها .
ويوضح ان تلك النتائج تشكل بدورها المقياس الحقيقي لمدى ترجمة مفهوم المواطنة الى فعل ايجابي يسهم في نماء الوطن وتقدمه موضحا ان المواطنة مرتبطة بالدرجة الاولى بمقدار ما يقدم للوطن , بصرف النظر عن أي اعتبارات جهوية او فئوية باتت مرفوضة بكل اشكالها لما تمثله من قوى شد عكسي وسلبي بحق المواطنة الحقيقية .
ويقول « ووفقا للمفكر العربي محمد عابد الجابري فان المواطنة هي مقدار المساهمة في ادارة شؤون الدولة « موضحا ان هذا الطرح يلتقي تماما مع طروحات جلالة الملك حول مفهوم المواطنة الفاعلة ,غير ان تصورات جلالة الملك حول ذلك المفهوم تميزت بالحداثة المستندة الى اسس عصرية ومتقدمة . ويقول استاذ علم الاجتماع الدكتور حسين محادين ان القوانين تعتبر متطلبا تنظيميا لسلوكات المواطنة بالمعنيين القانوني والدستوري , بيد ان البعد المضاف لهذا المفهوم يتجلى بثقافة الاشخاص وانماط تنشئتهم السياسية والاجتماعية بدءا من الاسرة وليس انتهاء بمؤسسات المجتمع المدني لافتا الى ان التدرب المسبق على الاعتزاز بوجود التنوع الاجتماعي من جهة واهمية تنمية هذا التنوع من جهة اخرى يعد سلوكا ذهنيا وثقافيا لمن يترجمون مفهوم المواطنة على الواقع الفعلي . ويشير الى ان المواطنة الحقة هي تلك التي تنعكس سلوكا انتاجيا يعبر عنه باشكال وانماط مختلفة تحت مظلة القانون وفي اطار من التوسع وتعميق قيم التعددية على اساس التنوع والتكامل والالتقاء مع الهوية الوطنية . ويوضح الدكتور محادين ان عملية تطوير مفهوم المواطنة تعزز من خلال الضمير الجمعي للامة ومدى اهمية القناعة بتفعيل التشاركية وتفهم الاخر المتمم وليس النقيض على ارضية مشتركة من التكامل الحضاري والامن الاجتماعي والسياسي .
وينوه الى ان ترجمة التشاركية الى عمل سياسي يوسع دائرة القرار هو امر متاح في الاردن الذي استشعر اهمية وضع قوانين ناظمة للتعددية الحزبية والسياسية منذ البدايات بعيدا عن الافاق الضيقة التي من شانها ان تعسكر المواطنين ضمن فئات ومجموعات .
ويؤكد ان المواطنة الحقيقية هي الضمانة التي توفر مظلة الامن المجتمعي والتي يمكن من خلالها استيعاب جميع الاجتهادات والاراء على اختلافها ما يعزز القدرة على التعامل مع شتى الطروحات والمطالب من منطلق اهمية المحافظة على مقومات الوطن ومكتسباته كعنوان جامع لمختلف الشرائح ذات القضايا المطلبية والتي تعبر عن مطالبها من خلال التجمعات والمسيرات السلمية التي كفل قانون الاجتماعات العامة حق تنفيذها .
ويبين ان الفهم المشترك للمواطنة بين صانع القرار والمواطن ساعد على ايجاد مرونة فكرية استوعبت حق المواطنين في تنفيذ جميع اجراءات التعبير عن مطالبهم كالاعتصامات والمسيرات السلمية والتي تعاملت معها السلطات المعنية بمنتهى التفهم والديمقراطية .
رد مع اقتباس
المفضلات