القول المفقود في حقيقة [ وحدة الوجود] وعين الشهودإن ما تتداوله أوساط علم الخلاف الكلامي في العقيدة حول مفهوم [ وحد الوجود ] ، هو محصور حول المفهوم الإلحادي و المفهوم الوثني الحلولي ؟؟؟ !!! ...
ولم يتطرق أحد الباحثين عن الحقيقية إلى المفهوم الحقيقي لعين الوحدة أو وحدة الوجود ...
فالمفهوم الأول الخاطئ هو المفهوم الإلحادي والذي ينادي بمفهوم وحدة المادة أي أن الكون كله مادة واحدة بجزئياتها وكليتها وأن مفهوم الإله فيها هو القوة الكامنة فيها دون كنه أوصفات أو معاني أو تمايز إنما هو طاقة كطاقة الكهرباء تتحول من شكل إلى أخر ولكن تبقى طاقة ؟؟؟ !!! ... و العياذ بالله ...
وهذا يسمى المفهوم الإلحادي المادي العلماني لوحدة الوجود ...
أما المفهوم الثاني فهو المفهوم الوثني الحلولي وهو اليوم موجود عند التيارات الدينية الباطنية الرافضية و بعض أدعياء المتصوفة الضالين الزنادقة ...
ومفهومه أن الكون مكان حلول الإله ولكن بدرجات متفاوتة مركزية هذا الحلول الإلهي هي الإنسان ولكن تنحسر بالخصوصية بالمركز عند المختار في كل زمان ...
وهذه الحقيقة لا تتوافق من الله العظيم الذي لا يحده زمان و لا مكان وكان ولا شيء كان ، وهو على ما عليه كان دون أن يكون قبله ما يمكن أن يكون ، والذي لا كيف ولا أين له وهو فوق الفوق و لا فوق له ، وهو الذي يدرك الحواس و لا تدركه الحواس ولا يقاس بالخلق بما فيهم الناس ولا يقاس بالقياس سبحانه وتعالى عما يصفون ...
أما حقيقة وحدة الوجود هي أن الكون موجود بأمر الله ويتغير و يتبدل بأمره سبحانه فالإيجاد و الذي يعني الإحداث من العدم و الإعدام و الذي يعني الإعادة إلى العدم ، هما في النتيجة و الخلاصة من أمر الله سبحانه لا شريك له ...
لقوله تعالى : ( إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ ) [يس : 82] ...
وهي كن لا زمانية و لا مكانية لا يسبق فيها الكاف النون و النون الكاف تليق بجهة الآمر سبحانه مالك الملك ..
أما حقيقة وحدة الوجود فهي ارتباط الكل بالأصل بالملكية و المرجعية لقوله تعالى في كتابه العزيز :
بسم الله الرحمن الرحيم : (الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُواْ إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّـا إِلَيْهِ رَاجِعونَ ) [البقرة : 156] ...
فالحاكم المتحكم الموجد و المتصرف و المسير و الفعال هو الله سبحانه وكل ما دونه سراب باطل معدوم إن لم يرتبط بالملكية و المرجعية بالله العلي القدير من حيث قدرته سبحانه على الإيجاد و التبديل و التغيير و التجديد و الإبقاء و الإفناء و الإمداد و الخلق و التصوير .... الخ ...
فلا وجود دون الواجد الموجود بالتبعية و ليس بالأصلة أو الجزئية ...
يقول الله تعالى : ( َلَا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ لَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ) [القصص : 88] ...
وقوله عز من قائل : ( كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ ۞ وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ ) [الرحمن :26-27] ...
وقوله صلى الله عليه وآله وسلم : ( ألا كل شيء ما خلا الله باطل ) ، رواه الشيخان في الصحيح ...
وهنا يشير سيد المرسلين صلى الله عليه وآله وسلم إلى بطلان كل موجود دون سيد الوجود سبحانه و تعالى ، أي كل موجود وجوده مبني على نفاذ أمر الله ووجود هذه الإرادة ، في إيجاد الموجودات ، بالعلم و القدرة منه سبحانه بنفاذية هذه القوة العلية و القهر المديد في الكون ...
لا تبديل لأمره أي ليس لأحد حاكميه بذلك إلا لهو وهو الفرد الصمد سبحانه وتعالى عما يصفون ...
يقول شيخ الإسلام "أبو العباس أحمد بن تيمية الحراني" رحمه الله : ( حقيقة قول هؤلاء: أن وجود الكائنات هو عين وجود الله تعالى ليس وجودها غيره ولا شيء سواه البتة ، ولهذا من سماهم حلولية أو قال : هم قائلون بالحلول رأوه محجوبًا عن معرفة قولهم ، خارجا عن الدخول إلى باطن أمرهم ؛ لأن من قال : إن الله يحل في المخلوقات ، فقد قال بأن المحل غير الحال، وهذا تثنية عندهم وإثبات لوجوديين :
أحدهما : وجود الحق الحال ...
والثاني : وجود المخلوق المحل، وهم لا يقرون بإثبات وجوديين البتة ...
ولا ريب أن هذا القول أقل كفرًا من قولهم ، وهو قول كثير من الجهمية الذين كان السلف يردون قولهم، وهم الذين يزعمون أن الله بذاته في كل مكان. وقد ذكره جماعات من الأئمة والسلف عن الجهمية وكفروهم به، بل جعلهم خلق من الأئمة كابن المبارك ويوسف بن أسباط وطائفة من أهل العلم والحديث من أصحاب أحمد وغيره خارجين بذلك عن لاثنتين والسبعين فرقة. وهو قول بعض متكلمة الجهمية وكثير من متعبديهم ....
ولا ريب أن إلحاد هؤلاء المتأخرين وتجهمهم وزندقتهم تفريع وتكميل لإلحاد هذه الجهمية الأولى وتجهمها وزندقتها ) ، ورد في "مجموع الفتاوى" لابن تيمية { ج 2 / ص : 140 } ...
أما ما يتداوله كبار الصوفية فهو ليس وحدة الوجود بل وحدة الشهود أو عين الشهود أو عين الوحدة ، و هو الفناء بالله أو الجمع بين الفناء بالله و البقاء به بعد فناء حظ النفس ...
يقول ابن عجيبة في عين الشهود : ( إن الفناء هو أن تبدو لك العظمة ، فتنسيك كلَّ شيء ، وتغيِّبك عن كلِّ شيء، سوى الواحد الذي "ليس كمثله شيء"، وليس معه شيء . أو تقول : هو شهود حقٍّ بلا خلق ، كما أن البقاء هو شهود خلق بحق… فمن عرف الحقَّ شهده في كلِّ شيء ، ولم يرَ معه شيئًا ، لنفوذ بصيرته من شهود عالم الأشباح إلى شهود عالم الأرواح، ومن شهود عالم المُلك إلى شهود فضاء الملكوت . ومن فَنِيَ به وانجذب إلى حضرته غاب في شهود نوره عن كلِّ شيء ولم يُثبِتْ مع الله شيئًا ) ورد في "إيقاظ الهمم في شرح الحكم" لابن عجيبة { ص : 296 } ...
والفناء أو عين الشهود هو باختصار " شهود الحق بلا خلق " أي مشاهدة قلبية مجردة من الأغيار ، أي التفرد بالمؤثر الأزلي عن الأثر المحدث ، وهو فناء عن حظ الذات بتجلي معاني رب الأسماء و الصفات ...
ويكون ذلك بتعشق معاني الفضل و الرحمة الربانية و التحلي بها ثم الاصطباغ ليصبح وارث رباني أي خليفة ؟؟؟ !!! ...
ويكون هذا المقام بكثرة ذكر وتذكر أي دوام حضور العقل و المشاعر مع الله من فرط المعرفة لمعاني الربوبية و الإلوهية ...
فيذهل الذاكر المفرد عن كل شيء إلا الله تولهاً بعظمة المحبوب الأكبر عز و جل ...
فيصبح من أولي الألباب المفردين لأن لب الشيء قلبه أو جوهره وجوهر النفس الإنسانية معاني كمال جمال أخلاق الربوبية و الفضل فيها وهي الرحمة و الرأفة و الرفق و الإحسان و الود و اللطف و الشكر و الحمد والكرم ....... الخ ...
يقول الله تعالى في أولي الألباب : ( الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَىَ جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ ) [ آل عمران : 191] ...
ومن الآية نفهم أن وقتهم كله مع الله ذكراً وتذكراً و استذكارا ؟؟ !!! ...
من وله المحبة و الوعي العقلي المفتوح للمعشوق الأكبر سبحانه لا نحصي ثناء عليه ...
فيصبح عبداً كاملاً إرادته و هواه هي إرادة الله الجليل سبحانه ...
فحقيقة العبودية هي : ( فناء المريد و ما يريد في المراد و ما أراد ) ...
وهذا الفناء هو عين البقاء و العصمة بالله ، وهو عين الوحدة و الجمع لأن الجمع هو :
قال د. عبد المنعم حنفي : ( الجمع : إزالة الشعث والتفرقة بين القدم والحدث [ المؤثر و الأثر ] لأنه لما انجذبت بصيرة الروح إلى مشاهدة جمال الذات ، استنارت بنور العقل بزوال الفارق بين الأشياء في غلبة نور الذات القديمة [ الأزلية ] وارتفع التمييز بين القدم والحدث [ الغرق بعين الوحدة هياماً بالأحد ] لزهوق الباطل عند مجيء الحق ، وتسمى هذه الحالة جمعا ) ، ورد في "مصطلحات الصوفية" ، { ص : 66 } ...
و الجمع هو التراحم بالله أي انغمار المرحوم برحمة الله التي تعني الحشر بالرعاية و العناية و الحفظ الإلهي ومن هنا جاء الرحم لأنه يحشر الجنين بالحفظ و الرعاية و العناية ....
يقول أبو العلا عفيفي : ( والتوحيد عند الصوفية معرفةُ وحدانيَّته الثابتة له في الأزل والأبد ، وذلك بألا يحضر في شهوده غير الواحد جلَّ جلاله … فيرى صاحب هذا التوحيد كلَّ الذوات والصفات والأفعال متلاشية في أشعة ذاته العلية وصفاته وأفعاله ، ويجد نفسَه في جميع المخلوقات كأنها مدبِّرة لها ، وهي أعضاؤها ) ، ورد في "الثورة الروحية بالإسلام" للعفيفي ، { ص : 151 } ...
و هو العودة إلى حال الشهود الأزلي يوم أشهد الله خلقه بربوبيته بالحق ...
يقول الله تعالى : ( وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُواْ بَلَى شَهِدْنَا أَن تَقُولُواْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ ) [الأعراف : 172] ...
أما سبب تورع الصحابة الكرام رضوان الله عليهم بالتكلم عن هذه المقامات الشهودية ، فمن باب التأدب مع الرسول الكريم صلوات الله وسلامه عليه ، وحرصاً على الترغيب في دخول الإسلام بما تطيقه العقول المحدودة مع تفاوتها ...
وكان من ورعهم أيضاً عدم الخوض في معاني الصفات الإلهية كصفة اليد و العين و الأصابع ...... الخ ...
ولكن هناك من أشار من الصحابة إلى هذا ومنهم أبو هريرة رضوان الله عليه ...
يقول سيدنا أبو هريرة رضي الله عنه : ( أخذت عن رسول الله وعاءين ، وعاء بثثته ، ووعاء لو بثثته لقطع عني الحلقوم ) ، رواه البخاري في الصحيح ...
وأكثر من خاض في هذا المخاض باب مدينة العلم و دار الحكمة سيدنا ذو السبطين كرم الله وجهه حيث يقول : ( ما رأيت شيئاً إلا و رأيت الله قبله وبعده ومعه ) ...
ويقول أيضاً حين سأله اليماني الحديث الإسلام تعنتاً هل تعبد رباً تراه أما لا تراه ...
فقال كرم الله وجهه : ( لا أعبد رباً لا أراه ) ؟؟؟ !!!! ...
وقد كان التكلم في هذه الحقائق الكبرى زمن الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم ، يودي بالرأس أي بقطع الحلقوم ، أم في زمن تابعين التابعين و بعد فقد أصبح الأمر اتهام بالزندقة فقط لشيوع علم الكلام و التكلم في العقيدة بما تورع عن الخوض به الصحابة الكرام رضوان الله عليهم ...
وهو أمر لم يكن مقبول في زمن الصحابة الكرام الذين بلغوا درجات غير مسبوقة بالزهد والورع كما يخبرنا الإمام الحسن البصري رحمه الله : ( أدركت سبعين بدرياً لباسهم الصوف ، ولو رأيتموهم ، قلتم مجانين ؟ !!! ، ولو رأوا خياركم قالوا : ما لهؤلاء من خلاق ، و لو رأوا شراركم قالوا : ما يؤمن هؤلاء بيوم الحساب ) ، ورد في "الحدائق الوردية" للخاني { ص : 240 } ...
فالأمر الثابت عند الصوفية هو عين الوحدة أو عين الشهود أو التفريد أو وحدة الشهود أو عين الجمع ، أما وحدة الوجود ، فسرها من خصوصيات الله سبحانه كما يخبرنا البسطامي رحمه الله ، أو عند الرسول الأعظم صلوات الله وسلامه عليه ، كما يخبرنا بذلك الحلاج رحمه الله تعالى ...
يقول الإمام الرباني الوارث "أبو يزيد البسطامي" : ( المعرفة معرفتان : معرفة الحقيقة ومعرفة الحق ، فأما معرفة الحق فقد عرفها المؤمنون بنور الإيمان و الإيقان ، و أما معرفة الحقيقة فلا سبيل لها ، قال تعالى ( وَلَا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْماً ) [طه : 110] ) ، ورد في " الحدائق الوردية " للخاني { ص : 324} ...
عن أحمد بن عبد الله قال : سمعت الحلاج وقد سئل عن التوحيد فقال : ( هو تمييز الحدث [الخلق] عن القدم [الخالق] ، ثم الإعراض عن الحدث و الإقبال على القدم ، وهذا حشو التوحيد [ أي النفي " لا إله " والإثبات " إلا الله " ] ، وأما محضه [ وحدة الشهود "التفريد" ] ، فالفناء بالقدم عن الحدث ، وأما حقيقة التوحيد [ وحدة الوجود ] فليس لأحد إليها سبيل إلا لرسول الله صلى الله عليه وسلم ) ، ورد في "أخبار الحلاج" للساعي { ص :89 } ...
رد مع اقتباس
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة الاسطورة
المفضلات