أبو يزيد البسطامي الإمام المفترى عليه من ذويه [ الجزء الأول ]
منذ البداية أثرت الوسطية وإتباع الحق لا شيء إلا الحق ولكني وجدت في صمتي على ما ينسب لسلطان العارفين "أبو يزيد البسطامي" بالباطل ، أني شيطان أخرس ...
وإني العبد لله في الحقيقة لا ألوم علماء السلفية على نقلهم وتوثيقهم هذه الأباطيل فهم لم يتعمدوا ذلك ولكنهم نقلوها من كتب الصوفية وهنا بيت القصيد ...
فقد روى لي أحد الصادقين أنه شهد في ريف من أرياف بلاد الشام مظاهر تحضير لاحتفال وكان الحفل من أجل حضرة رفاعية ...
فوجد أنهم يزينون الحضرة بكتابات يذكر فيها الإمام الرفاعي في أوجه عده وصيغ متعددة ، لكنه لم يجد أي ذكر لرسول الله صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم ...
فسأل أحدهم عن هذا فكانت الصاعقة ...
حيث قال المسئول : لقد شهدنا الخير و الفضل من سيدي الرفاعي ولم نشهده من محمد ؟؟؟ !!! ...
لقد قالها مجردة من أي صفة لا سيدي و لا رسول الله ومن دونما صلاة عليه ...
وهذه هي الطامة ، المغالاة عند أمثال هذا الجاهل ، في تقديس الشيخ حتى تفوق مكانته عندهم مكانة الرسول وربما مرسله أيضاً ...
ومن هنا نفهم الحكمة الإلهية من قوله صلى الله علية وسلم : ( لا تطروني كما أطرت النصارى عيسى ابن مريم "فألهوه" فإنما أنا عبد الله ورسوله ) ، رواه أحمد شاكر في "مسنده" ، وابن تيمية في "مجموع الفتاوى" وفي "مجموع الرسائل و المسائل" ، و الألباني في "غاية المرام" ، كان الإجماع أنه صحيح ...
وكذا الأمر بمحبي ومريدي وتلاميذ سلطان العارفين "أبو يزيد البسطامي" طيب الله ثراه ، فقد غالوا في إطرائهم له فلفقوا عنه الأباطيل ...
ومما زاد الطينة بله أن كتاب الصوفية وثقوا ما نسبه له هؤلاء الغلاة فدونه دون أن يتحققوا مما نقل عنه وهم يعلمون أن أبو يزيد لم يدون في حياته شيء ...
فجعلوه بحبهم الأعمى يفوق منزلة النبي صلى الله عليه وسلم ، واشتد غلوهم إلى جعله يفوق مقام الربوبية ، بما أورده عنه بالباطل ...
يقول المصطفى صلى الله عليه وسلم : ( حبك الشيء يعمي ويصم ) ، رواه أبو داود في "سننه" ،و الغزي في "إتقان ما يحسن" ،والزرقاني في "مختصر المقاصد" ، و السفاريني في "شرح كتاب الشهاب" ، والسيوطي في "الجامع الصغير" ، وقالوا : حسن ، وقال ابن باز في "التحفة الكريمة" : معناه صحيح ...
يقول الله تعالى : ( وَمِنَ النَّاسِ مَن يَتَّخِذُ مِن دُونِ اللّهِ أَندَاداً يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللّهِ وَالَّذِينَ آمَنُواْ أَشَدُّ حُبّاً لِّلّهِ وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُواْ إِذْ يَرَوْنَ الْعَذَابَ أَنَّ الْقُوَّةَ لِلّهِ جَمِيعاً وَأَنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعَذَابِ ) [البقرة : 165] ...
فقد روا عنه بالباطل أنه قال : ( لأن تراني مرة خير من أن ترى ربك ألف مرة ) ...
وهذا القول باطل في كل أشكاله ...
إلا أن الصواب ما ورد عن وريثة بالهداية ، العارف بالله " أبو حسن الخرقاني" طيب الله ثراه ...
أن السلطان محمود الغازي ، وهو أحد الفاتحين في ذاك الزمان ، قال لشيخه الخرقاني أخبرني عن شيخك أبو يزيد ...
فقال : من اتبعه اهتدى ، ومن رآه نعم بسعادة لا تخفى ...
فقال له الغازي : كيف ذلك يا شيخي ، وأبو جهل رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولم يخرج عن شقاوته ...
فقال الخرقاني : إن أبى جهل رأى محمد بن عبد الله ، ولو رآه رسول الله لما شقي ، لقوله تعالى : ( وَإِن تَدْعُوهُمْ إِلَى الْهُدَى لاَ يَسْمَعُواْ وَتَرَاهُمْ يَنظُرُونَ إِلَيْكَ وَهُمْ لاَ يُبْصِرُونَ ) [الأعراف : 198] ...
فالرؤيا هنا تأتي من صدق التبعية وشهود الفضل و الصدق في الولي المرشد المربي ، بما ينعكس في قلب المتعلم أو المتبع من الإيمان ، والمغفرة من الله ...
يقول الله تعالى : ( قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ) [آل عمران : 31] ...
وقوله تعالى : ( وَالَّذِي جَاء بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُوْلَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ ) [الزمر : 33] ...
فالذي يتحقق بصدق قول المرشد ، وتصديقه لما يقول بالعمل والاستقامة ...
يكون ذلك ظفراً له بسعادة الإيمان الحقيقي ...
فإن صح ذلك عنه من باب الافتراض ، فسوف يحاسب من قبل السلطان ، و القاضي المشرع كما حدث مع الحلاج ...
فقد حوسب على ذلك من كان له عند السلطان شأن أكبر من شأنه ، من قال أقل من ذلك بكثير ...
فيروى عن الإمام الرباني المجددي "أحمد الفاروقي السرهندي" ، أنه قال في أحد مجالسة الإرشادية ، بلغت اليوم حال من الصدق لم يبلغه إلا الصديق الأكبر وكان يقصد أبو بكر الصديق رضي الله عنه ...
فوصل الأمر إلى السلطان المغولي "نور الدين جهانكير" فاستدعاه على الفور ...
فلما حضر قال له : أحقاً ما يقولون ؟!!! ...
فقال : نعم ، إلا أن ذلك بطريق التبعية لا الأصالة ...
كأن تستدعي خادماً مخلصاً عندك وتفضي له بسر من سرك ، فترقيه بشرف هذا السر إلى مراتب الأمراء ، ثم يعود بعد ذلك إلى مكانه الأول مع الخدم !!! ...
ففهم السلطان حسن مقصده ، لكنه ورغم جلال قدره عنده ، ورغم تبعية ابنه "الشاه جهان" للإمام ، لم يستطع أن يمنع حكم عبد الرحمن المفتي بسجنه ثلاثة سنين ...
هذا القضاء كان في القرن العاشر الهجري ، وليس في أوج العصر العباسي في القرن الثالث الهجري ...
وكان الحكم بالسجن لأنه قارن نفسه بمقام صحابي جليل من أجل الصحابة ، لوهلة من الزمن أي حال آني وبالتبعية على الأثر في زمان يعد فاسد إذا ما قورن بزمن الرسول الكريم صلى عليه وسلم ، و صحابته الكرام ...
يقول المصطفى صلى الله عليه وسلم : ( خير أمتي قرني ، ثم الذين يلونهم ، ثم الذين يلونهم - قال عمران : فلا أدري أذكر بعد قرنه قرنين أو ثلاثا - ثم إن بعدكم قوما يشهدون ولا يستشهدون ، ويخونون ولا يؤتمنون ، وينذرون ولا يوفون ، ويظهر فيهم السمن ) ، رواه البخاري في "صحيحة" ...
وليس بالمقام الذي يفوق الله ورسوله ... و العياذ بالله ...
فهذا لا يصح عن البسطامي أيضاً ...
لأن من شب على شيء شاب عليه ...
فمن المعروف أن سلطان العارفين حفظ كتاب الله وهو في السابعة من عمره ...
وتهجد وقام الليل وهو ابن ثمانية سنوات ، أي أنه قد تعشق التقوى من نعومة أظفاره ...
كما ورد عن ابن ظفر المكي في "أنباء نجباء الأبناء" : ( كان أبا يزيد طيفور بن عيسى البسطامي رضي الله عنه لما حفظ : " يا أيها المزمل . قم الليل إلا قليلا " قال لأبيه : يا أبت من الذي قال له الله تعالى هذا ؟ قال: يا بني ذلك النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال : يا أبت فمالك لا تقوم الليل كما صنع النبي صلى الله عليه وسلم ؟ فقال : يا بني لأن قيام الليل خُص به النبي صلى الله عليه وسلم دون أمته !! فسكت الغلام ...
فلما حفظ قوله سبحانه وتعالى " إن ربك يعلم أنك تقوم أدنى من ثلثي الليل ونصفه وثلثه وطائفة من الذين معك " قال : يا أبت أسمع أن طائفة كانت تقوم الليل فمن هي ؟ قال : يا بني هؤلاء الصحابة !! ...
فقال: يا أبت فأي خير في ترك ما عمله النبي صلى الله عليه وسلم وصحابته !! ...
فقال : صدقت ، فكان أبوه بعد ذلك يقوم الليل ...
فاستيقظ أبو يزيد ليلة فوجد أبوه يصلي فقال : يا أبت علمني كيف أتطهر وأصلي معك !!
فقال: يا بني أرقد فإنك صغير بعد .. فقال: يا أبت إذا كان يوم يصدر الناس أشتاتا ليرو أعمالهم فسألني ربي أقول له : قلت لأبي علمني كيف أتطهر لأصلي معك فقال لي أرقد فإنك صغير بعد !!
فقال له أبوه : لا والله يا بني لا أحب هذا وعلمه فكان بعد ذلك يصلي معه ) ...
نهاية الجزء الأول ...
رد مع اقتباس
المفضلات