عمان - رهام فاخوري
قالت سفيرة التنمية البشرية لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي الأميرة بسمة بنت طلال أن إطلاق تقرير التنمية البشرية الوطني الثالث هذا العام تناول موضوعا ذا أهمية متناهية للأردن لارتباطه بالتحولات الحالية التي نواجهها على المستويات المختلفة.
وأوضحت خلال رعايتها إطلاق التقرير أمس ان مفهوم التنمية البشرية منذ اكثر من عشرين عاما أصبح متجذرا من حيث النظرية والفهم، لكننا لا نزال نسعى لترجمته الى واقع عملي، وهذا ما تحققه تقارير التنمية البشرية العالمية والإقليمية بشكل عام والوطنية بشكل خاص وهو مفهوم ذو رؤية شمولية متعددة الابعاد ويضع الناس في صلب اهتمام التنمية, ليكونوا فاعلين ومؤثرين فيها ومنتفعين منها.
وبينت أن التنمية البشرية تخطت النمو الاقتصادي والدخل أساسا رئيسا للتنمية, وامتدت لتشمل تنامي القدرات البشرية وازدهارها من حيث توسيع الفرص والخيارات امام الناس وبناء قدراتهم ومقدراتهم لقيادة حياة صحية ومنتجة والتمتع بمستوى معيشة لائق.
وبينت ان المشاريع الصغيرة والمتوسطة تعتبر من اهم محركات النمو الاقتصادي في العديد من الاقتصادات والاكثر انتشارا كقوة اقتصادية عالمية حيث تساهم في توفير فرص العمل وتحفيز الابداع وتعزيز التنافسية وتكون احيانا حاضنة ونقطة انطلاق لمشاريع كبيرة ذات قيمة اضافية عالية.
واشارت إلى ان خيارات التنمية المطروحة امام الاردن تعاني من القيود التي تفرضها عليها قاعدة الموارد الطبيعية المحدودة، وما زال الفقر يحول دون استثمار الطاقات الكامنة لشريحة واسعة من الناس على الوجه الاكمل. ويمثل تشجيع المشاريع الصغيرة في الاردن لزيادة دخل الاسر اساسا لمكافحة الفقر.
واستشهدت بخطاب العرش لجلالة الملك امام مجلس الامة حين قال « ان الانسان الاردني هو ثروتنا الاولى, وهو غاية التنمية وهو وسيلتها، ولذلك يجب ان تضمن الدولة تحقيق العدالة والمساواة الاقتصادية والاجتماعية وتكافؤ الفرص واعتماد سياسات اقتصادية ناجعة تحقق طموحاتنا في توفير العيش الافضل لمواطنينا وفتح افاق الانجاز امامهم»، مشيرة إلى تركيزه باستمرار على اهمية الربط بين مفهوم النمو الاقتصادي والتنمية البشرية.
وأشار التحليل الذي اعتمده التقرير لبيان مدى تحقيق المشاريع لمبادئ التنمية البشرية حيث يعتبر نقطة انطلاق رئيسية لفهم هذا الربط وتناميه والبناء عليه, خصوصا من حيث توزيع اكثر عدالة للمنافع وتمكين الناس وتعزيز مشاركتهم الاجتماعية والسياسية والمحافظة على الموارد البيئية وتخطي المعيقات الاجتماعية والثقافية التي تحد من مشاركة شرائح المجتمع المختلفة في عملية التنمية.
وبين التقرير ان المشاريع الصغيرة تعمل على توفير العمالة والدخل وخاصة للنساء والشباب في المناطق المختلفة وتشكل الفرصة المناسبة التي تتوافق مع سياقهم الخاص ولكنها ما زالت لا تتمتع بشكل كاف بمستويات الابداع والنوعية المطلوبة والاستدامة, وان المشاريع المتوسطة هي الاكثر تحقيقا لبعض عناصر التنمية البشرية ولكنها الاقل كما.
واشار التقرير الوطني الثاني للتنمية البشرية عام 2004 حول سبل المعيشة المستدامة والذي نفذه الصندوق الاردني الهاشمي للتنمية البشرية, الى التحديات التي تواجه قطاع المشاريع الصغيرة خاصة تلك التي يديرها الفقراء حيث وصفها بانشطة «الدخول السهل والخروج السهل» والاكثر عرضة للتأثر بتغيرات البيئة الخارجية، واوصى باهمية دراستها وتحليلها بشكل معمق وتوفير البيئة الداعمة لتفعيلها.
وركزت سموها على ضرورة تبني مبادئ التنمية البشرية وخاصة في القضايا المرتبطة بسبل معيشة الناس، ودعت المؤسسات من القطاعات المختلفة لاعتماد هذا النهج ونقله من النظرية الى التطبيق بشكل عملي ومستمر والبناء على نتائج هذا التقرير لان مسعانا الاساسي وكما يؤكد جلالة الملك دائما, هو رفع مستوى معيشة المواطن اينما كان للعيش بكرامة وممارسة حقوقه وواجباته بحرية تامة.
وكان التقرير العالمي للتنمية البشرية الصادر في نهاية عام 2010 أظهر ان الأردن في الموقع (82) من بين 169 دولة، كما أظهر التقرير العالمي انتقال تصنيف الاردن من الدول ذات التنصيف المتوسط إلى التصنيف المرتفع في التنمية البشرية.
واظهر التقرير أن الاردن يحتل المرتبة 8 من بين (17) دولة عربية تم قياس هذا المؤشر لها، وبلغ مؤشر الفقر البشري في الأردن ما نسبته (6.6%)، ما يضعه في المرتبة (29) بين 135 دولة تم حساب مؤشرات الفقر البشري لها، في عام 2009.
وقال المنسق المقيم للأمم المتحدة والممثل المقيم لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي لوك ستيفنز، أعطى تقرير التنمية البشرية الذي أطلق في العام1990 صياغة واضحة وأساسية لمفهوم التنمية البشرية، إذ يفتتح الفصل الأول من هذا التقرير والمعنون بـ «تحديد وقياس التنمية البشرية «، بالجملة المشهورة: البشر هم الثروة الحقيقية للأمم، إن جملة كهذه تذكرنا أن الهدف الحقيقي والأسمى من الحراك التنموي هو تهيئة بيئة مؤاتية للبشر ليعيشوا حياة طويلة وصحية وخلاقة، وعلى الرغم من بديهية هذه الحقيقة إلا أنها كثيرا ما تُنسى مع القلق الدائم من تراكم السلع والثروة المالية.
واوضح ان البرنامج ووزارة التخطيط والتعاون الدولي أصدرا سابقا تقريرين وطنيين للتنمية البشرية:هما «التقرير الأردني الأول للتنمية البشرية في العام 2000» والذي ركز على حالة ودور الشباب في البلاد، وتناول حياتهم وتطلعاتهم في ثلاثة مجالات رئيسية هي التعليم والعمالة والاندماج الاجتماعي، وقد خلص التقرير حينها إلى أنه وعلى الرغم من أن التقدم الكبير الذي حققه الأردن في بناء القدرات البشرية، إلا أن هناك مجالا واسعا لم يزل متاحا للتقدم في جوانب المساواة بين الجنسين، والعمالة والدخل ونوعية وأهمية التعليم.
واطلق التقرير الثاني في العام 2004، وبعنوان «بناء سبل المعيشة المستدامة»، وسلط الضوء على فئة الفقراء والمهمشين في الأردن وكيفية تحقيق نتائج إيجابية وسبل عيش مستدامة، كما وركز حينها على ضرورة الحفاظ على الإنجازات التي تحققت في نمو الاقتصاد الكلي والتنمية البشرية، مع إيلاء الاهتمام للتداخلات الإضافية اللازمة لضمان تمتع مشاركة جميع الناس في عملية التنمية الوطنية.
أما في العام 2010 فقد أطلقت الأمم المتحدة مع الحكومة تقرير الأهداف الإنمائية للألفية الثاني للأردن، والذي أظهر التقدم الذي أحرزه الأردن نحو تحقيق الأهداف الثمانية، وهذه الأهداف توفر اللبنات الأساسية للتنمية البشرية واتصالها بالأبعاد الأساسية لهذه العملية، وبالتالي يمكن أن ينظر إليه كأداة لتحقيق التنمية البشرية. وأظهر التقرير أن الأردن قد حقق بالفعل بعض هذه الأهداف، لكنه يحتاج إلى مزيد من العمل من أجل تحقيق الأهداف الأخرى.
وقال ستيفنز « رغم الإنجازات الكبيرة، فإن التحديات التي يواجهها الأردن لم تزل قائمة، ولعل من أهمها محدودية الموارد المائية، عدم المرونة المالية، الديون الخارجية، ضعف مشاركة المرأة في سوق العمل، عدم المساواة في الدخل، والتأثير السلبي للأزمة المالية والأمن الغذائي والفقر والبطالة».
واضاف «درس تقرير التنمية البشرية الأردني للعام الحالي دور المؤسسات متناهية الصغر والصغيرة والمتوسطة كعامل للتنمية البشرية المستدامة في الأردن، كما وحلل دور المؤسسات المذكورة ومساهمتها في التنمية البشرية باستخدام أربع ركائز رئيسية للتنمية البشرية، وهي: النمو الاقتصادي الذي هو عادل وداعم للفقراء والتقدم الاجتماعي والمشاركة والتمكين من خلال التمويل الصغير والاستدامة البيئية».
وتظهر نتائج التقرير أنه رغم أن هذه المؤسسات تساهم في تطوير الأردن من حيث ايجاد فرص العمل والتمكين، إلا أنه يجدر توسيع نطاق مساهمتها لجني الفوائد المحتملة من هذه الوحدات الإنتاجية، وركز التقرير على التحسين الشامل لبيئة الأعمال، والتركيز على تحسين سياسات هذه المؤسسات كشرطين أساسين لتحقيق هذه الغاية.
وقال ستيفنز ان التقرير قدم أمثلة عملية، عبر مقابلة أصحاب المؤسسات متناهية الصغر والصغيرة والمتوسطة الحجم وأفراد المجتمع والمؤسسات الحكومية والمنظمات غير الحكومية في جميع محافظات المملكة، وتمكن القائمون على التقرير من تكوين فهم أفضل من خلال روايات أصحاب المؤسسات، وتحديدا آثار هذه المؤسسات على محرك التنمية البشرية، ويشمل التقرير قصص نجاح وفشل لبعض هذه المؤسسات، كما يكشف سبلا لتعزيز دور المؤسسات المذكورة في التنمية البشرية في الأردن.
واشار الى ان هذه المؤسسات توفر مصدرا ً متزايداً لدخل المواطنين من خلال انتشارها في جميع أنحاء الأردن وصولا إلى المناطق الأقل حظاً؛ لذلك يمكن أن تكون الأداة التي توفر وتمكن الفقراء من دخول العجلة الإنتاجية، كما انها أداة لتخفيف من حدة الفقر ووصول الفقراء إلى الطبقة المتوسطة. وبالإضافة إلى ذلك، يُشهد للمؤسسات المذكورة دورها في تمكين المرأة وأثرها الفعّال في تطوير قاعدة واسعة من المشاريع والأعمال الحرة.
وقال ستيفنز ان البرنامج يعمل على تعزيز الاتفاق العالمي والمسؤوليات الاجتماعية للشركات من خلال تعزيز شبكة برنامج الأمم المتحدة الإنمائي المنشأة محلياً والتي تعمل من أجل تنفيذ مشاريع الشراكة بين القطاعين العام والخاص على مستوى المجتمع المحلي.
ودعا الى ضرورة التنسيق المؤسسي بين مختلف القطاعات التي تخدم المؤسسات المذكورة، لضمان حسن توزيع الموارد، مشيرا الى ان ما اظهره التقرير حول المشاريع الصغيرة، المتوسطة، والمتناهية الصغر ليس لديها امكانيات التصدير التي تملكها الشركات الكبرى، مطالبا الحكومة بتشجيع نموها، وتشجيع نمو الجمعيات المهنية بين رجال الأعمال، وتشجيع التعاون ما بين هذه المؤسسات نفسها، وهذا السعي يتطلب اعتماد معايير لضمان الجودة لزيادة قدرات هذه المؤسسات التصديرية.
وقال وزير التخطيط والتعاون الدولي الدكتور جعفر حسان «تلعب المؤسسات الصغيرة والمتوسطة في عالم اليوم دوراً محورياً في عملية التنمية المستدامة، فمن الناحية الاقتصادية لها دور بارز في تعزيز النمو والتصدير والاستثمار، ومن الناحية الاجتماعية تعمل على توفير فرص العمل وخفض معدلات البطالة وزيادة الدخل بهدف رفع مستويات المعيشة ومكافحة الفقر وتوسعة الطبقة الوسطى».
واشار الى ان النسب العالمية لهذه المؤسسات تساهم بما نسبته (50) إلى (70%) من الناتج المحلي الإجمالي المتحقق في الدول النامية، أما محلياً فتساهم هذه المؤسسات بحوالي (40%) من النمو الاقتصادي المتحقق، كما أنها تساهم في توفير حوالي (70%) من فرص العمل المستحدثة في الاقتصاد، علماً بأنها تشكل ما نسبته (99.6%) من إجمالي المنشأت الاقتصادية العاملة في المملكة وحوالي نصف فرص العمل الموجودة في القطاع الخاص.
واوضح انه رغم الدور الذي تلعبه المؤسسات الصغيرة والمتوسطة الحجم في عملية التوظيف وايجاد فرص العمل إلا أن معدلات التوظيف في صفوف المرأة ما زالت دون الطموح، حيث لا تتجاوز نسبة مساهمة المرأة في الأيدي العاملة أكثر من (15%) مقارنة مع المعدل الدولي بأكثر من 43% والمعدل في للمنطقة بحوالي 28% أي ثلث المعدل الدولي ونصف المعدل للمنطقة، الأمر الذي انعكس على معدلات البطالة والفقر، كما أن تملك النساء لهذه المؤسسات لا يتجاوز ما نسبته (5.3%) من إجمالي عددها.
رد مع اقتباس
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة رمز الوفاء
المفضلات