عمان – سمر حدادين -لا يزال محمود يعاني – وهو اسم مستعار – من صدمة الإفراج بعد خروجه من السجن الذي قضى فيه عشر سنوات حكم بها، إذ اعتقد أن أبواب الدنيا ستفتح له وسيقابل بالصفح والغفران.
محمود لا ينكر أنه ارتكب خطأ أدى به خلف قضبان السجن رغم انه يحمل درجة بكالوريوس بالهندسة، لكنه أعلن توبته وأعاد النظر بسلوكه وساهم حسبما قال في بناء المجتمع عبر دروس محو الأمية التي كان يعطيها في السجن، وساعد عبرها نزلاء للحصول على الثانوية العامة.
الصدمة التي عاشها كانت جراء عدم قدرته على العمل والاندماج بالمجتمع الذي وصمه ولم يبرئه فكما تحدث عن وضعه أمس خلال حفل إشهار دراسة «صدمة الإفراج للسجناء وإدماجهم في المجتمع»، كان في السجن إنسان منتج ويساعد أسرته وبعد خروجه أصبح يشعر بأنه عالة على أهله وأسرته، ما دفعه للقول «أتمنى العودة إلى السجن أرحم».
ولخص أسباب شعوره بالصدمة والتهميش بقصور التشريعات وأهمها بما يعرف «بقانون رد الاعتبار» التي لا تساعد على التوبة والعودة إلى المجتمع من جديد وتحرمه من حقه بالعمل، ولا تمكنه من الحصول على عدم محكومية إلا بانقضاء ست سنوات باعتبار أن قضيته جنائية.
زميل محمود يعيش نفس المعاناة الذي خرج من السجن قبل سنة ونصف ولم يتمكن أيضا من الحصول على فرصة عمل تمكنه من العيش و بناء أسرة رغم أن كلاهما قد اشرفا على تعليم نحو 1100 نزيل وبشهادة ممثلي إدارة مراكز الإصلاح والتأهيل .
وبحسب ممثل مراكز الإصلاح والتأهيل مدير مركز سلحوب العقيد قسيم الابراهيم فان مراكز الإصلاح تبذل جهودا كبيرة في تهيئة النزلاء نفسيا واجتماعيا واقتصاديا وتقديم مختلف أشكال التدريب والتأهيل المهني .
وأعرب عن أمله بإعادة النظر في المواد التي تنظم «رد الاعتبار» للمفرج عنهم من ضمن قانون أصول المحاكمات الجزائية بما ينسجم مع متطلبات اندماج السجناء في المجتمع بشكل ايجابي.
وبينت الدراسة التي أعدها الباحثان عبدالله الناصر وحسين الرواشدة لجمعية معهد تضامن النساء الأردني ، بدعم من مؤسسة مبادرة الشراكة الشرق أوسطية، أن السجين المفرج عنه لا يستطيع الحصول على عمل نتيجة لعدم قدرته على الحصول على عدم محكومية، أو حسن سلوك قد نساعده بتقديم قرض ميسر لإقامة عمل خاص له تتوائم مع طبيعة المهنة التي تدرب عليها في السجن وبالتالي يعتبر إدامة وصيانة للبرامج التي قدمت له داخل السجن.
وعرفت الدراسة صدمة الإفراجِ بأنها مرحلة انتقالية حاسمة حيث تمثّل الصدمة الحالة النفسية والاجتماعية والاقتصادية التي يعيشها المفرج عنه خلال الأشهر الأولى لخروجه من المؤسسة العقابية، خاصة أن هناك العديد من الدراسات العلمية التي أثبتت أن أغلب الجرائم التي يرتكبها العائدون للجريمة مرة أخرى، إنما تقع في الأشهر الستة الأولى التالية للإفراج عنهم من السجون، وهذا يؤكد على ضرورة الاهتمام ببرامجِ الرعاية اللاحقة ما قبل وبعد الإفراج بمختلف أشكالها وأهميتها في حياة المفرج عنه.
وروت المحامية فاطمة الدباس قصة فتيات واجهن قضية عبر شرائهن أجهزة خلوي من زميل لهن تبين أنها مسروقة، ما جعلهن لا يحصلن على عدم محكومية إلا بعد ثلاث سنوات وأدى إلى تعقيد حياتهن اجتماعيا واقتصاديا.
وطالبت الدراسة وقانونيون بإعادة النظر بالتشريعات المتعلقة «برد الاعتبار» ، والحصول على عدم محكومية، خصوصا لمن ارتكب الجنحة أو الجرم لأول مرة، حتى تكون أمامه فرصة للتوبة والعودة إلى المجتمع.
وشددت على دراسة إمكانية إسقاط السابقة الأولى عن السجين الذي يرتكب الجنحة البسيطة لأول مرة، كي لا تقف عقبة في طريق إصلاحه وتوبته وإمكانية اندماجه في مجتمعه بعد الإفراج عنه.
واقترحت تبني (قانون الفرصة الثانية) الذي يهدف إلى تجاوز السابقة الأولى للسجين,كما تدعو الدراسة إلى إعادة النظر في المواد التي تنظم «رد الاعتبار» من ضمن قانون أصول المحاكمات الجزائية بما ينسجم مع متطلبات اندماج السجناء في المجتمع بشكل ايجابي.
ودعت الدراسة إلى توفير قروضِ بسيطة للنزيلِ ضمن برامجِ الرعاية اللاحقة لمساعدته على البدءِ بالدخولِ إلى المجتمع واستعادة دوره بكرامة داخلِ أسرته وأقربائه.
وجاء بالدراسة أن (3و50%) من السجناء يواجهون صعوبة بالغة في الحصول على عمل بعد خروجه من السجن.
ووفق الدراسة فإن ما يقارب أكثر من نصف العينة 2و65% أشار إلى عدم توفير برامج تهيئة للسجناء لمرحلة ما بعد الخروج من السجن، مما يشير إلى وجود مشكلة وقصور واضح في تلبية احتياجات هذه الفئة للتهيئة لمرحلة العودة للاندماج ثانية في المجتمع.
ومن المشاكل التي تواجه السجين بعد خروجه من السجن، تبيّن أن معظم أفراد العينة (70.7%) ليس لديهم مصدر مالي للإنفاق على الأسرة، وأن ثلث العينة تقريباً (29.9%) ليس لديها مكان للسكن بعد الخروج من السجن.
وأوصت بتنظيم مؤتمر وطني للرعاية اللاحقة: «للسجناء وأسرهم»، تشارك فيه كافة منظمات المجتمع المحلي بحضور دولي لدراسة الجوانب القانونية والاقتصادية والأبعاد الاجتماعية والنفسية للسجناء خلال قضائهم فترة العقوبة أو بعد الإفراج عنهم,علماً“ بأن ثمة مبادرة أطلقتها إدارة مراكز الإصلاح والتأهيل في هذا الاتجاه
وعلى الصعيد النفسي دعت إلى بتوفيرِ برامجِ الإرشاد النفسي إلى كُلّ سجين من خلال مرشد أساسي، وتفعيل دور القطاع الخاص في تأهيلهم، وتدريبهم أثناء وجودهم في المراكز .
وأوصت الدراسة بإنشاء وحدة خاصة بمتابعة أمورِ السجناءِ ما بعد الإفراجِ يطلق عليها «وحدة السجناء المفرج عنهم أو وحدة «الرعاية اللاحقة « بحيث تشرف عليها اللجنة العليا لمراكز الإصلاح والتأهيل وتتولى توثيق أسماء المفرج عنهم وأماكن سكنهم من أجل متابعة أحوالهم وتكوين قاعدة معلومات شاملة لمساعدتهم .
من ناحيتها قالت رئيسة جمعية معهد تضامن النساء الأردني أسمى خضر أن الدراسة تبنتها الجمعية لم لمسته من آثار سلبية على النساء ضحايا العنف والجريمة والنساء المتأثرات بتطبيق العقوبات السالبة للحرية التي توقع عليهن أو على احد أفراد آسرهن ما ترك آثارا وأضرار بليغة على حياتهن وحياة أطفالهن وأسرهن، وحد من خيارتهن وفرصهن بصورة كبيرة وقاسية.
وبينت أنه من خلال الدراسة أشاروا إلى الأثر المدمر في الكثير من الأحيان للعقوبات التي شرعت أساساً لحماية المجتمع وإصلاح وتأهيل المحكومين بسبب نظرة المجتمع واتجاهاته الثقافية السائدة بهذا الشأن، وبسبب الإجراءات التي ما زالت لا تسعف في التطبيق الكامل لفلسفة العقاب الجنائي الحديثة التي تبنتها المملكة، أي التركيز على منهج الإصلاح والتأهيل، وبسبب عدم الأخذ حتى الآن بالعقوبات البديله للسجن، وكنتيجة لغياب برامج المتابعة والرعاية اللاحقة للمفرج عنهم وعنهن وأسرهم.
وقالت أن استعادت النزلاء المفرج عنهم كأناس منتجين وعاديين تتطلب منا جهودا منهجية كبيرة وموارد وإمكانيات موجهة لهذه الغاية، وبغير ذلك فإن صدمة الإفراج وما تنطوي عليه من استمرار الإقصاء والتهميش والتشكيك والحرمان من الفرص، والحرمان من إمكانية إنتاج الدخل الكفيل بتلبية الاحتياجات الأساسية للفرد المفرج عنه وأسرته يمكن أن تبقيهن وتبقيهم سجناء خلف قضبان الوصمة الاجتماعية قد تدفع بهم وبهن مرة أخرى إلى مستنقعات الجريمة وبالتالي إلى غياهب السجن.
فيما قال الباحث عبدالله الناصر أن تجربة كانت مثيرة، معربا عن سعادته بتقديم خدمة لهؤلاء الذين ضلت بهم أقدامهم إلى السجن وكادت أن تنقطع علاقاتهم بالمجتمع ناهيك عن ثقتهم به.
ومن جانبه أبدى رئيس مؤسسة مبادرة الشراكة الشرق أوسطية جفري لوري إعجابه بجهود الأردن بالنهوض بأوضاع فئة نزلاء مراكز الإصلاح والتأهيل وتنفيذ برامج التهيئة والتأهيل داخل السجون، وقال أن إطلاق هذه الدراسة دلالة على وجود إرادة جادة على تهيئة السجناء.
رد مع اقتباس
المفضلات