احباب الاردن التعليمي

النتائج 1 إلى 3 من 3

الموضوع: التأهيل .. أساس التنمية والإصلاح السياسي

  1. #1
    الاداره
    تاريخ التسجيل
    Tue May 2009
    الدولة
    الرايه الهاشميه حفظها الله
    المشاركات
    212,599
    معدل تقييم المستوى
    21475063

    التأهيل .. أساس التنمية والإصلاح السياسي

    شوكت سعدون- استجابة لما يجري في وطننا العزيز ومنطقتنا العربية ونظراً للحوارات الجارية في الأردن أقدم هذه الورقة مساهمة في هذا الحوار.
    وقد يرى البعض أن هذه الورقة طويلة ويعزف عن قراءتها ولكن علينا التنبه أن ما يحدث الآن هو حقبة تاريخية جديدة فهل نبخل على فهمها بقراءة عدة صفحات!!
    وتشتمل على المحاور التالية:
    أ- البعد التاريخي:
    1- البعد الدولي.
    2- البعد القومي والإقليمي.
    3- البعد الوطني.
    ب- البعد الجيواستراتيجي والاستراتيجي:
    1- الوطن العربي في الاستراتيجيات العالمية.
    ج- البعد السياسي والحقوقي.
    1- الديمقراقية وحقوق الإنسان
    د- البعد الاقتصادي – الاجتماعي:
    1- السياسة الليبرالية الجديدة وبرامج الإصلاح الاقتصادي.
    2- السياسات المالية والنقدية.
    3- البعد الطبقي.
    هـ- الأمن الوطني والقومي:
    1- مدارس الأمن.
    2- نطاقات الأمن.
    3- التدابير الأمنية.
    4- الأمن والتنمية.
    5- الفرد والأمن الوطني.

    الاصلاح المنشود
    و- الإصلاح والتأهيل السياسي:
    1- ما هو الإصلاح المنشود.
    2- علاقة الإصلاح السياسي بالتأهيل السياسي.
    3- الإصلاح السياسي والتأهيل السياسي والأمن الوطني.
    وباعتقادنا أن هذه المحاور بقدر ما هي محاولة للتفسير والفهم، فهي أيضاً تشكل مساهمة للحوار الوطني حول الإصلاح المنشود وعلى قاعدة تشكيل توافق وطني يتعلق بالمسائل المطروحة.
    وإسهاماً منا في محاولة الوصول إلى تحقيق أماني شعبنا الأردني العزيز وعلى قاعدة الحوار للتوافق الوطني على شكل ومضمون الإصلاح المتوافق مع معطيات الواقع المعاش.
    وبداية هذا يتطلب فهم كيف وصلنا إلى وضعنا الراهن وأن نكون أمينين في النقد العلمي البناء الهادف لتلافي ما هو سلبي لتجاوزه وتقديم البدائل المناسبة وتعظيم ما هو إيجابي والبناء عليه لتطويره.
    وهذا الفهم بالطبع يتطلب تناول ما هو تاريخي لأهميته ليس في التفسير فقط وإنما المراجعة بهدف الإصلاح.

    أ- البعد التاريخي:
    وفي محاولة للفهم والتفسير فإنه يجدر بنا طرح الأسئلة المناسبة للإجابة عليها وهذه أول خطوة لذلك فهل هناك جديد في المنطقة وهل هذا الجديد وليد اللحظة وما هي دوافعه وهل هو تقليعه سرعان ما تنتهي، وما هي آفاقه وهل هو مفاجئ؟
    كل هذه الأسئلة خاضعة من الفها إلى يائها إلى قانون (التراكمات من حيث الكم تؤدي إلى تغير في النوع، الكيف) ومنطقتنا ابتداءً وبحكم أهمية موقعها فهي جزء مهم جداً من العالم وليست معزولة عنه فهي منبع المؤثرات العالمية ومصب التفاعلات الدولية.
    والتراكمات المتعلقة في منطقتنا بهذا الجانب بدأت منذ لحظة وضع الحرب العالمية الثانية أوزارها وصعود قطبين جديدين وتراجع قطبين عجوزين، بريطانيا وفرنسا، مع بقاء النظام العالمي قائم على نظام (القطبية الثنائية) وبداية هذه التراكمات برقية (جورج كينان) والتي أرست الأساس للبدء فوراً بتطبيق (استراتيجية الاحتواء)، احتواء الاتحاد السوفياتي، وكما هو معروف فإن هذه الاستراتيجية تقوم على تطويقه بدول حليفة للولايات المتحدة وترافق ذلك بتطبيق استراتيجية أخرى هي استراتيجية (ملء الفراغ) الناجم عن تراجع النفوذ البريطاني والفرنسي وعلى مستوى الكوكب عن مناطق نفوذهما التقليدية وعلى الولايات المتحدة تعبئة فراغ القوة خوفاً من تمدد الاتحاد السوفياتي وبالطبع كان الوطن العربي ركيزة هاتين الاستراتيجيتين وهكذا بدأت الحقبة التاريخية المعروفة (بالحرب الباردة).
    وكانت اسرائيل أولى الدول التي تم إيجادها للبدء بتطبيق الاحتواء وملء الفراغ وتلاحقت بعدها الانقلابات العسكرية وحكم العسكر في مختلف دول العالم وصار للعديد منها وظائف وأدوار تتحدد بمدى اقتراب أو ابتعاد هذا النظام أو ذاك من المحددات السائدة في الحرب الباردة (من ليس معي فهو ضدي).
    والاحتواء بدأ في أذهان قوتين في الولايات المتحدة واحدة سياسية هي الحزب الجمهوري وأخرى احتكاره اقتصادية هي (المجمع الصناعي العسكري) وبالطبع فإن القوة الثانية تجارتها الحروب والرد النووي الشامل وتوازن الرعب النووي ومكافحة الشيوعية طيلة فترة الحرب الباردة، أما الحزب الجمهوري ولتعميق التحالف مع المجمع الصناعي العسكري فقد عمل طيلة تلك الفترة على تنفيذ السياسة الخارجية والعلاقات الدولية وتحقيق المصالح القومية للولايات المتحدة باستخدام ما يسمى بالقوة الصلبة (Hard Power) وما تعنيه من استخدام القوة العسكرية سواء بشكل مباشر أو التلويح بها للإقناع بردع حقيقي وربط القوة العسكرية بالقوة الاقتصادية واستخدام تكتيكات الحصار الاقتصادي والبحري والجوي وسياسات مالية ونقدية تقوم على المَنح المشروط للمساعدات المالية والنقدية وبشكل مقيد وموجه وبما يؤدي لتنفيذ تلك الاستراتيجيات.
    وهكذا صار هناك داخل الولايات المتحدة (الدولة) مركز قوة ممثلاً بالقوتين المشار إليهما مما أدى إلى (أمريكا الحزب الجمهوري والمجمع الصناعي العسكري) وأخذ هذا المركز يقرر ويصنع وينفذ ويوجه السياسات والاستراتيجيات والتكتيكات وبما يلائم مصالحه سواء في داخل الدولة أو خارجها بما في ذلك التحالفات وعلى مستوى الكوكب لتحقيق المصالح القومية والتي هي مصالح مركز القوة ذاك.
    وترافقت تلك المرحلة بحروب اقليمية وإجراءات وتدابير لتحقيق الهدف الاستراتيجي وهو (استقرار الأنظمة الحليفة)، وخضعت منطقتنا لهذا بشكل أو بآخر وبمستويات متفاوتة الشدة، وبات الاستقرار يعني الأمن وتنحية الديمقراطية والتنمية جانباً.
    وفي فترة الستينات بدأت بالظهور في الولايات المتحدة تنظيرات أكاديمية منبعها جامعة شيكاغو وتمثلت ببعد ايديولوجي عبر عنه (بالمحافظين) وهذا شكل الأساس الإيديولوجي لظهور مركز قوة ايديولوجي جديد.

    قوة ايديولوجية جديدة للمحافظين الجدد
    وأتت ثالثه الأثافي في ثمانينات القرن الماضي في عهد (ريغان) الذي زرع ما عرف (بالمحافظين الجدد) في مختلف المواقع الحساسة من خلال التعيين وليس الانتخاب وهم في جانب كبير وعلى الصعيد الأيديولوجي قريبين من فكر المحافظين، وركزوا على استخدام القوة العسكرية في تنفيذ السياسة الخارجية وعمقوا من تحالفهم مع الحزب الجمهوري الذي أتى بهم إلى المواقع التنفيذية على الصعيد الداخلي ومع المجمع الصناعي العسكري على الصعيد الاقتصادي بوصفه المورد الرئيسي للسلاح لاستخدامه في تنفيذ السياسة الخارجية وبيعه لتطبيق وصفة (الاستقرار) للأنظمة الحليفة في الخارج وبمئات المليارات وبما يتوافق مع الاحتواء وملء الفراغ وبما يكفل استمرارية تشغيل الشركات العملاقة التابعة للمجمع الصناعي العسكري.
    وعلى الصعيد الفكري والايديولوجي فقد تحالف الجمهوريون والمحافظون الجدد مع اليمين المسيحي الأمريكي وتحالفاته الصهيونية مما عمق التحالف بينهم جميعاً واسرائيل وأمتد هذا التحالف ليخلق ويشمل العديد من الحركات الأصولية ومن طوائف ومذاهب دينية مختلفة كحلفاء ايديولوجيين ومعبئين تنظيماً وتسليحاً وتدريباً لتنفيذ مهام عديدة تتوافق ومصالح هذا التحالف الواسع وعلى مستوى الكوكب. وبدأوا بالعمل على إنشاء نظام عالمي احادي القطبية تقوده أمريكا (التحالف الواسع) الجاري ذكره.
    أما على الصعيد الاقتصادي فقد ابتدع هذا التحالف الواسع وفي القلب منه المحافظون الجدد ما عُرف (السياسة الليبرالية الجديدة) في مجال التنظير الاقتصادي وفي التطبيق فهي تقوم على حرية الأسواق وتخلي الدولة عن دورها في الرعاية وتحقيق الرفاه لكافة مواطنيها وفي مجال السياسة الضريبية تم الانحياز الضريبي لأغنى 5% من السكان، وأول الدول التي طبقت ذلك هي دول أمريكا اللاتينية وفي مدة عقدين تقريباً كانت النتائج الكارثية بفشل هذه السياسة وخلق التراكمات الكمية التي أفضت إلى تغير في النوع تمثل بظهور عدة (شافيزات) منتخبون بدلاً من حكومات (رجال الأعمال المعنيون) حسب الوصفة الليبرالية الجديدة نتيجة تنامي الفقر والبطالة وسوء توزيع الدخل والثروة والخدمات، وعادت تلك الدول إلى سياسات التأميم بدلاً من الخصخصة وبيع أصول الدولة والامتناع عن سداد الديون التي غرقت بها نتيجة تطبيق ما عرف ببرامج الإصلاح الاقتصادي.
    وأثر انتهاء الحرب الباردة فقد المجمع الصناعي العسكري مبرر وجوده المادي والآيديولوجي وسقط معها مبرر استخدام (القوة الصلبة) لتنفيذ السياسة الخارجية وبانت بشاعة استخدام القوة العسكرية على المستوى الإنساني في أفغانستان والعراق ولبنان وفلسطين والصومال وما جلب ذلك من تشويه للسمعة الأمريكية (كدولة) وليس التحالف العريض المشار إليه داخل وخارج أمريكا (الدولة) وبقي العالم رهن التعنت الإسرائيلي وتحالفاته داخل الولايات المتحدة وخارجها وهكذا أخذ نهج المحافظين الجدد والحزب الجمهوري ومختلف مكونات ذلك التحالف بما فيه إسرائيل يضر أمريكا كدولة وبمصالحها القومية وليس مصالح التحالف إياه.
    إن انتهاء الحرب الباردة أوجد واقعاً جديداً تمثل (بضرورة تاريخية) فرضت فرضاً منطقياً وتطبيقياً لطي صفحتها وما تحويه من تحالفات واصطفافات دول وحركات يمينية وأصولية وأمتد ذلك لسقوط استراتيجية الاحتواء وما حوته من أدوار لدول كان لها وظائف تتناسب وتنفيذ تلك الاستراتيجية وسقط معها حلم عالم القطب الواحد بقيادة التحالف الواسع المار ذكره وما صاحب ذلك من فشل السياسة الليبرالية الجديدة.
    كل هذه المتغيرات رافقت صعود الحزب الديمقراطي للسلطة ليجد هذه التركة الثقيلة من الواقع السابق وايضاً ممارسات الحليف الإسرائيلي (المقدس) وارتفعت الأصوات بالتغيير وفي مقدمتهم (اوباما) حيث شن الديمقراطيون حملتهم الانتخابية تحت عنوان (التغيير).

    تداعيات الحرب الباردة على المنطقة
    والمنطقة العربية هي الأكثر تضرراً في العالم من نهج الحرب الباردة وتداعياتها الماثلة أمامنا وأصبح الواقع الجديد يملي الضرورة التاريخية لتغيير كل ما أصاب المنطقة من ممارسات التحالف إياه الذي كان يقود الولايات المتحدة وارتباطاته الخارجية ما قبل مجيء الديمقراطيين أو (أمريكا الحزب الديمقراطي). أي الديمقراطية وحقوق الإنسان.
    إن ما أشرنا إليه في البعد التاريخي نعتقد أنه يشكل أرضية لفهم وتفسير ما كان سائداً ويشكل ايضاً مدخلاً للحوار لتقييم ما مر بهدف إعادة النظر والتقويم وإسهاماً منا في تقديم رؤية تخدم توافقاً وطنياً لتكوين رؤية للعالم وإقليم نحن جزء منهما لنرى ذاتنا وأين نحن من عالم ما بعد الحرب الباردة والمرحلة الرمادية التي سادت العالم خلال العقدين الماضيين.
    وعودة إلى الأسئلة المطروحة في بداية ما أشرنا إليه عن (البعد التاريخي) فإننا نقول نعم هناك جديد في المنطقة وهو ليس وليد اللحظة وأجبنا على جزء من دوافعه وسنتابع بقية الإجابة فيما سنستمر بتوضيحه وهذا يرتبط بالإجابة عن آفاق ما هو جديد. أما من حيث هل هو مفاجئ؟ فالإجابة بالنفي لأن ارهاصاته بدأت هنا في الأردن ومنذ نيسان 1989 وقبل تلك المرحلة الرمادية المشار إليها آنفاً. وكانت تصدر هنا وهناك إشارات ومقالات وأبحاث كان مصيرها إما التجاهل أو الإقصاء والتهميش أو عدم الانتباه وهذا يعيدنا لضرورة الإنتباه لكل ظاهرة وان كانت صغيرة أو منعزلة. للمناقشة العلمية للآراء حتى وإن كانت مغايرة لما هو سائد.

    ب- البعد الجيواستراتيجي والاستراتيجي:
    وفي هذا المجال وعلى صعيد الكوكب فإن هناك تغييرات جذرية عميقة جرت وتجري وأهم ملامحها ما يلي:
    1- خلخلة نظرية الأمن القومي الأمريكي والتي تقوم على أنها محمية بأكبر محيطين في العالم (الهادي والأطلسي) ومع أنها استطاعت تأمين الهيمنة عليهما طيلة الفترة السابقة وتجسير الفجوة بينهما والمتمثلة بالمحيط الهندي، ولكن بعد عودة الفدرالية الروسية للتمدد في محيطها السابق فهي تطل على شمال المحيط الهادي ومن مضيق (برنغ) وحتى حدود الصين التي تشاطيء هذا المحيط وحتى الحدود الكورية وما يحويه هذا الجزء من قوة اقتصادية إقليمية متمثلة بكوريا الجنوبية وقوة صاروخية نووية متمثلة بكوريا الشمالية وهناك اليابان مع ما تعنيه وهكذا أصبح المحيط الهادي خارجاً عن نظرية الأمن القومي الأمريكي فهو لم يعد فضاءً جيواستراتيجياً أمريكياً، هناك أقطاب عالمية أخرى تقاسمها النفوذ فيه.
    2- سقوط مبدأ (مونرو) والمتمثل بهيمنة الولايات المتحدة على أمريكا اللاتينية التي شبت على الطوق ولم تعد الحديقة الخلفية للولايات المتحدة إضافة إلى سقوط السياسة الليبرالية الجديدة في تلك القارة وبداية تغلغل الاستثمارات الصينية والروسية فيها.
    3- عودة الفدرالية الروسية لملء الفراغ في آسيا الوسطى الذي نشأ عقب انتهاء الحرب الباردة وصعودها الاقتصادي والعسكري المتنامي ودورها المرتقب كمهيمن على إمدادات الطاقة لأوروبا ولا ننسى بعدها النووي.
    4- بسبب تنامي دور الهند فإن الدور الأمريكي لم يعد هو المقرر بشأن المحيط الهندي فقد صار للهند النووية الفضائية التكنولوجية وسوقها الضخم دور في تقرير شأن (محيطها) ولا ننسى تحالفاتها مع الصين وروسيا.
    5- وفي أفريقيا فإن التنافس الصيني الأمريكي بادياً للعيان واستطاعت الصين تثبيت أقدامها باستخدام القوة الناعمة من خلال إنشاء المشاريع والتدريب والتعليم والمساعدات المالية والاقتصادية بعكس الدور الأمريكي المعروف.
    6- تراجع القدرة الأمريكية على نشر القوة على مساحة الكوكب بسبب تراجع وانهيار التحالفات وتفسخها بفعل انتهاء الحرب الباردة والأزمة الاقتصادية التي تمر بها.
    إذن في المجال الجيواستراتيجي فإن ثوابت أكثر من نصف قرن متمثلة بتحالف المجمع الصناعي العسكري، الحزب الجمهوري، المحافظين الجدد، اليمين المسيحي وتحالفاته الصهيونية فإنها جميعاً فقدت مبرر وجودها وأصبح الواقع والضرورة التاريخية تملي التخلي عنها وإيجاد البدائل لذلك، وشئنا أم أبينا فإن منطقتنا العربية باتت هي الإقليم الجيواسترايجي الأخير في الكوكب الذي بدأت تهب عليه رياح التغيير، ولنلاحظ أن التغييرات في أقاليم جيواسترايجية أخرى متمثلة بأوروبا والصين والهند والفدرالية الروسية كلها توجهت للتغيير واسمحوا لنا هنا أن نستخدم مصطلح (التطوير والتحديث الناعم) وملامحه تتمثل بما يلي:
    1- النزوع وبمستويات مختلفة نحو إصلاحات سياسية وديمقراطية واقتصادية واجتماعية وهو بهذا المعنى هو الإصلاح الحقيقي.
    2- عدم التورط بسياسات اقتصادية بعيدة عن معطيات علم الاقتصاد الاجتماعي.
    3- إن مختلف الإجراءات تمثلت بإصلاحات موجهة من الأعلى نحو الأسفل بشكل ممنهج ومسيطر عليه وعلى قاعدة التوافقات القومية.
    4- ملاحظة ان أول دول الإقليم التي أخذت بالتطوير والتحديث الناعم هي تركيا.
    5- إن التطوير والتحديث الناعم ووفق الصورة المشار إليها هو نتاج استراتيجيات وطنية مبنية على أساس وضوح الأهداف والتناسب بين الإمكانات والوسائل. أي أنه استند على أسس إستراتيجية وليس تكتيكية، بمعنى أنه لم يتم التطوير والتحديث الناعم من خلال اللعب بالتكتيكي والتضحية بالاستراتيجي وباتفاقنا على أن التطوير والتحديث الناعم هو الإصلاح الحقيقي فإنه لن يتم إلا بتغليب الاستراتيجي على التكتيكي. وأمام التغيرات الجيواستراتيجية التي أشرنا إليها والتي ألمت بالأقاليم الجيواستراتيجية الأخرى فهل تستطيع المنطقة العربية كآخر إقليم جيواستراتيجي تهب عليه رياح التغيير والذي بدأ بتركيا والتي كانت أهم معاقل الاحتواء، الأخذ بذلك وهذا سؤال مطروح للحوار الوطني بوصفنا جزء من هذا الإقليم

    جـ- البعد السياسي والحقوقي:
    عندما تناولنا البعد التاريخي طرحنا عدة أسئلة منها هل هناك جديد في المنطقة وفي جزء من الإجابة على هذا السؤال نقول نعم ولكن كيف؟ الجواب هو الديمقراطية وحقوق الإنسان، ولكن كيف للجديد أن يكون بالديمقراطية؟ لأنها مليئة بالإمكانات والقدرات الكامنة والظاهرة وفي مقدمتها النضال السلمي اللاعنفي ولعل (حركة الحقوق المدنية للسود) في أمريكا أسطع مثال على ذلك، وإمكاناتها الهائلة هي الجواب على سؤال ما هي دوافع هذا الجديد، ولنلاحظ أن حركة الاحتجاجات في البلدين الشقيقين تونس ومصر وما تبعهما من دول أخرى بدأت بدوافع مطلبية واقتصادية/ طبقية ولكن بخبرة أيام قليلة أكتشف الشباب أن الجواب على حركاتهم الاحتجاجية المطلبية الاقتصادية هو الديمقراطية وتحول الطبقي إلى وطني وأخذ يمتد لبعد قومي ذو منحيين الأول اكتشاف اللاحقين من السابقين إمكانات الديمقراطية والنضال السلمي والثاني تضامني بين أبناء القومية الواحدة، وبذلك صارت الديمقراطية إحدى روافع القومية بل وتعدى ذلك إلى بعد عالمي سواء بالتأكيد على ضرورة تطبيق الديمقراطية أو بالبعد التضامني. وهكذا فإن الديمقراطية والمطالبة بها أعادت للبعد القومي مكانه تحت الشمس وأمام أمم العالم وربما يكون ذلك مدخلاً لمراجعة لاحقة لمسألة القومية والفكر القومي. فقومية ركوب الدبابة واحتلال الإذاعة وإذاعة البيان الأول هي من نتاجات ومخلفات الحرب الباردة وهذا ما نلحظ نتائجه اليوم والمثال الليبي واضح لا لبس فيه.
    مسألة أخرى ينبغي ملاحظتها أن المطالب الديمقراطية السلمية اللاعنفية التي كانت تملأ حناجر الشباب الهاتفين بها سرعان ما وصلت إلى أهم وسائل الديمقراطية ألا وهو البعد القانوني المعبر عنه بالدساتير بوصفها منبع القوانين، هذا ما تعلمه المحتجون وهم في نسبة كبيرة منهم متعلمون في الجامعات نظريا، إلا أنهم اكتشفوا قيمته التطبيقية والتنظيمية في الشارع والتنظيمات الشبكية التي توظف تكنولوجيا المعلومات واكتشفوا أيضاً الإمكانات الكامنة بالديمقراطية والنضال السلمي ببعده القانوني الدستوري.
    وهكذا عاد للقانون الدستوري مكانته الهامة على الصعيد السياسي والتنظيمي وحقوق الإنسان وأصبحت الحوارات الوطنية الهادفة لتحقيق توافق وطني حول الدساتير، تتم من خلال لجان الحوار والأطر التنظيمية المختلفة، صحيح أن الشارع فجر ذلك لكن الشباب الثائر اكتشف وبالممارسة أن حوارات التوافق الوطني حول الدساتير لا يتم إلا من خلال الحوار المنظم الممنهج والموجه ضمن أطر جرى عليها التوافق وليس في الشارع.
    وباعتقادنا أننا في الأردن نستطيع تطبيق ذلك ونمتلك الخبرة في هذا المجال ولدينا العديد من الأطر التي يمكن التحاور من خلالها وأننا نعتبر أن ورقتنا هذه جزءاً من هذا الحوار بل ونعتبرها أرضية لهذا الحوار بشأن التوافق الوطني المتعلق بالقانون الدستوري والثوابت الوطنية وفي مقدمتها مصالح الشعب الأردني وسلامة حدوده السياسية والاستمرار بالحفاظ على نظام الحكم الملكي والإنجازات التي حققها الأردنيون بجهدهم وكدهم وعقلهم.
    د- البعد الاقتصادي – الاجتماعي:
    وهذا البعد في جانبه النظري يرتبط بحقل (السياسات العامة) كحقل معرفي وهو يشمل السياسات الاقتصادية والاجتماعية والتعليمية والصحية والسكانية وبذلك فهو يترابط ويتداخل مع علوم مختلفة.
    وأشرنا في أكثر من موقع إلى السياسة الليبرالية الجديدة وهي سياسة اقتصادية بدأ التنظير لها في جامعة شيكاغو ثم تلقفها البنك الدولي والتقت مع سياسات ريغان وتاتشر في بريطانيا وتقوم على (الداروينية الاجتماعية) وتخلي الدولة عن دورها الرعوي وتأمين الرفاه لمواطنيها والخصخصة والانحياز الضريبي لأغنى 5% من السكان وعدم وجود أي ضابط للسوق والأسعار والأجور وتعدت إلى التخلي عن التأمين الصحي والنقل العام وتهديد سيادة الدول بدعوى حرية السوق.
    وفي المجال المالي والنقدي كان هناك توسع في مجال الإقراض وبدون ضوابط مما زاد من مخاطر السيطرة على الإقراض والرهن، ورافق ذلك التراجع في مجال اقتصاد إنتاج السلع إلى اقتصاد الخدمات وسوق الأسهم والبورصات وحركة غير مضبوطة لرؤوس الأموال.
    أما في مجال الخصخصة وخصوصاً في الدول النامية فقد تحولت المسألة من تحويل مؤسسات القطاع العام إلى مؤسسات ربحية من خلال تطوير أدائها إلى بيع أصول الدول للإنفاق على ما تبقى من أجهزتها البيروقراطية المتضخمة والمحتقنة بالبطالة المقنعة.
    أما السياسات الضريبية فبانحيازها لأغنى فئة من السكان من خلال الاعفاءات وفرض الضرائب على الأغلبية وهذا أدى لزيادة الفقر وساد الاعتقاد أن الإعفاءات الضريبية سوف تجعل أصحاب رؤوس الأموال يقبلون على إيجاد الوظائف وفرص العمل إلا أن هذا لم يتحقق بل زاد التهرب الضريبي وبعض الدول خرقت دساتيرها فيما يتعلق بالعدالة الضريبية.
    وفتحت حرية الأسواق الباب على مصراعيه أمام انفلات الأسعار من عقالها مما فاقم من ضعف القدرة الشرائية وتدني سعر صرف العملات أمام العملات الرئيسية وتراجع المدخرات. وزاد مع ذلك أيضاً كلف التعليم والصحة، كل ذلك أدى إلى تعمق الانقسام الطبقي في المجتمعات وتراجع التنمية.
    وعلى خلفية هذه الصورة تعمق انقسام المجتمع وأخذت الطبقة الوسطى تواجه تهديدات وتحديات وجودية وأخذت فئات طفيلية في المجتمع تطفو على السطح وصارت هناك تحالفات طبقية حاكمة من الطفيليين وسواهم، كل هذه التراكمات الكمية أدت لتغيرات كيفية أثرت في البنية الطبقية للمجتمعات وصارت هذه المتغيرات وبغياب التنمية من أهم مهددات الأمن الوطني.
    وبذلك صارت الدول التي خضعت لبرامج الإصلاح الاقتصادي وبتسمياتها المختلفة إلا أنها في جوهرها واحد هو السياسة الليبرالية الجديدة. وانسجاماً مع ذاتنا وبدافع حرصنا على أمن الأردن الوطني فإننا نعتبر الحوار الوطني وعلى هذه الخلفية من أهم مداخل الحوار حول السياسة الاقتصادية وتأثيراتها الاجتماعية والأمنية، ونرى في هذا المجال أن عودة الدولة لسياسات اقتصادية مبنية على مفاهيم إعادة وعدالة توزيع الدخل وانقاذ ما تبقى من الطبقة الوسطى وإعادة توسيعها لأنها من أهم مرتكزات الأمن الوطني، والتخلي عن خصخصة ما تبقى بل والحوار حول السياسة الاقتصادية برمتها كل ذلك يعتبر مدخلاً واسعاً للإصلاح الاقتصادي وتعميق ارتباطه بالسياسي والاجتماعي، لأن عقوداً مرت بعد الإجراءات القسرية لفصل الاقتصادي عن السياسي والاجتماعي.
    الأمن الوطني في بداياته كان شعاراً ترفعه الدول حين شعورها بالتهديد الخارجي فكان هذا الشعار بمثابة وسيلة لجمع كلمة الشعوب والدول في مجابهة التهديدات التي كانت عموماً مهددات خارجية.
    ونتيجة لعوامل عديدة منها الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية ومسائل الهجرات القسرية والتركيبات العرقية والطائفية والمذهبية وتذبذب المسائل المتعلقة بحقوق الإنسان ومدى سعة أو ضيق تطبيق الديمقراطية النسبي بدأت تبرز مهددات داخلية فصار هناك نطاقين للأمن داخلي وخارجي.
    وبفعل السلطة السياسية المطلقة المدعومة من الأمن بدأت تنشأ الأحزاب الحاكمة المتفردة في السلطة وتداخلت وتماهت تلك الفئات مع الحاكم وأسرته ومحاسيبه وقيادات حزبه الحاكم مع أجهزة الأمن بحيث صارت أجهزة الأمن هي الحزب وهي الحاكم بصورة أدت إلى سهولة تزوير الانتخابات والفوز بأغلبية برلمانية شكلية اندمجت عضوياً بالنظام وأصبح الفساد عموداً من أعمدة الحكم وهكذا بدأت المسألة.
    وسبقها هجوم ممنهج ومنظم على المعارضين جماعات بل وأفراد وبما يتوافق مع استراتيجية الاحتواء السالفة الذكر مما أفرغ ساحات تلك الدول من القوى الفاعلة وشكل هذا بداية سقوط استراتيجية (ملء الفراغ) فصارت الأنظمة المتوافقة مع هذه الاستراتيجية فارغة من المحتوى السياسي والفكري والثقافي وأخذت تسود ثقافة (البزنس) والتزلف للحاكم مع وجود احتياطي للتبرير الايديولوجي لهذه الممارسات وبذلك تغلغل فكر وممارســــة (الزبانة السياسية) .
    هذه التراكمات الكمية أدت لتغيرات كيفية فمع كثرة الأمن وتعدد أجهزته وضجيج حركتها وتحولها من جهاز لجمع المعلومات (فقط) وتقديمها للمستوى السياسي ليستخدمها كقاعدة بيانات للمساعدة في اتخاذ القرارات والتخطيط، إلى جهاز مراقبة أخذ يتوسع ويتوسع سواء باستخدام عدد كبير من الأفراد أو باستخدام أحدث أساليب تكنولوجيا المعلومات المكلفة جداً ولم يتم الاكتفاء بذلك بل تم ابتلاع الحزب الحاكم الأوحد أو صاحب الأغلبية البرلمانية الديكورية وصار البرلمان بصورته تلك هو الذي يشرع وبأمر من الأجهزة وبذلك توسعت سلطاتها فأخذت بصنع السياسات والقوانين وتنفيذها وبما يتوافق ومصالحها هي.
    وفتحت الأجهزة الأبواب على اتساعها لاغتيال سمعة وشخصية المعارضين وقادة الرأي ما أدى في كثير من الأحيان إلى (انتحارهم السياسي) أو إبقائهم قيد الاعتقال الإداري ولسنوات طويلة وتم تطبيق شعار (من ليس معي فهو عدوي) وينبغي قتله حيثما ثقفوه حسب التبرير المعروف كل ذلك كان يتم بطريقة ممنهجة طويلة النفس، وعبر عقود الحرب الباردة وأدى إلى كبت ما في العقول والصدور والأقلام وساد معها وهم العيش بالاستقرار الأمني الشامل، وبسبب كثرة ضجيج أجهزة الأمن فإنها لم تسمع الأصوات العالية المطالبة بالتغيير التي فجرها الشباب التونسي والمصري قد سبقها ارهاصات كثيرة وإشارات واضحة ومنذ سنوات فكانت النتائج النوعية الي نراها الآن حقيقة واقعة وليست تقليعه من تقليعات الشباب. ونتيجة كل ذلك ساد الشك وفقد الأمن هيبته وها نحن نرى وعبر وسائل الإعلام البدء بإجراءات إعادة بناء الثقة على المستوى الوطني في مصر وتونس بين الدولة وأجهزة الأمن والشعب والمعارضة.
    إن ما حدث ويحدث الأن ليس مفاجئاً إلا للذين عاشوا تحت وهم الاستقرار ممن لم يقرأوا الواقع جيداً ولم يتحسسوا إيقاع التراكمات الكمية الكامنة في نفوس الشباب في البلدين، وفي الحالتين فإن الأول فهم متأخراً جداً مع أنه انحدر من صلب جهازه الأمني الذي صنعه بيديه، أما الثاني صم أذنيه وبعناد ولم يرد أن يسمع فكانت النتيجة فقدانهما الدفة بل وإلقائهما من السفينة وهذه نتيجة اللعب بالتكتيك على حساب الاستراتيجي. ان التكتيكي لم يجد نفعاً بإفراغ الساحة من قوى سياسية فاعلة ومنظمة أدت إلى الخروج إلى الشارع بهذا الزخم وبدون أطر توجه وتقود.
    إن غياب التنمية التي هي جوهر الأمن وتطبيق السياسات الاقتصادية أدى لتهميش الشباب وإقصائهم وصار (الاستبعاد الاجتماعي) لطبقات مهمة في المجتمع سياسة اجتماعية عامة مما قاد إلى انتشار البطالة في منطقة تعد رابع أكبر سوق في العالم بعد الصين والهند وأوروبا فمنطقتنا تعد 400 مليون نسمة وبها نسبة عالية من الشباب تصل إلى نمو 70% من عدد السكان ونسبة مئوية عالية منهم مؤهلون أكاديمياً وبذلك صار كل فرد منهم خزان احتياطي للغضب والسخط.
    والأنكى من ذلك أن هناك احتياطات نقدية هائلة سواء بأيدي الفئات الحاكمة أو في الصناديق السيادية للدول إلا أنها مجمدة على شكل ودائع وغير داخلة في دورة رأس المال والاستثمار وصارت عبئاً على الاقتصاد العالمي نتيجة للمدفوعات الهائلة التي تدفعها البنوك على شكل فوائد لهذه الودائع التريليونية.
    إن الواقع صار يفرض ضرورة تاريخية مفادها أن على هذه الأرصدة الخيالية أن تخرج إلى العلن وأن تستثمر في رابع أكبر سوق في العالم والذي جله من الشباب الساخطين وعلى التنمية أن تصل إلى كل فرد وعليه أن يشعر بها فلو أن (البوعزيزي) كان هدفاً للتنمية وأحس بنتائجها لما أشعل ثورة في ا لمنطقة عندما أقدم على إشعال نفسه، والفرد عندما تطاله إنجازات التنمية سيصبح أهم حارس للأمن الوطني.
    إن سياسات التجويع سقطت الآن ولم تعد فزاعه تستخدمها بعض الأنظمة كوسيلة عقاب استباقية للفرد ولشعوب بأكملها فشباب تونس ومصر صحيح أنهم خرجوا بدوافع مطلبية ولكنهم بأيام قليلة اكتشفوا بأن المسألة ليست خبزاً بل مسألة ديمقراطية وحقوق إنسان وكرامة إنسانية وحرية وعدالة. وهذا يعيدنا لمدارس الأمن ولنرى الواقع الحالي إن الأمن ببعده العسكري القسري كمفهوم وممارسة وكأحد معطيات الحرب الباردة انتهى وهذا أيضاً أحد المعطيات التي يجب أن تنتهي بانتهائها كضرورة تاريخية.
    ولكننا ذوي إدراك عميق بأهمية الأمن الوطني وأنه لا ولم ولن توجد دولة بدون أمن إلا أن المقاربات القديمة ما عادت وسيلة لتدعيم الأمن الوطني، فقد بدأت تظهر في تسعينات القرن الماضي مدرسة جديدة للأمن الوطني/ القومي وهي تركز على البعد المعنوي غير المادي بمضامينه الحضارية والثقافية وترى أن الأمن هو نتاج تراكم حضاري وتاريخي وجغرافي قائم على إدراك تهديد البعد الاجتماعي والذي يتحدد بعاملي الثقافة السياسية والهوية الوطنية، القومية.
    إن إدراك الفرد للواقع الجغرافي وربطة بالبعد التاريخي الذي يعني البعد الحضاري وربط ذلك بإدراك الفرد للواقع الجغرافي السياسي للدولة التي تعيش بها كل ذلك يشكل مجموعة من المدارك تستند إلى أنه مسؤول عن سلامة حدود دولته وعلاقتها بجيرانها وأيضاً مسؤوليته عن حماية المنجزات التاريخية والحضارية، ولهذا حمى الشباب المصريون المتحف المصري كمنجز حضاري ولم تحمه قوات الأمن والشباب عندما شكلوا لجاناً لتنظيم المرور وحماية المؤسسات والإحياء كانوا يمارسون أعلى درجات الوعي بالأمن الوطني وهؤلاء الشباب عندما لم يناقشوا معاهدة (كامب ديفيد) كانوا على سوية عالية من فهمهم للموقع الجغرافي السياسي لمصر. ومع فهمهم ذاك إلا انهم كانوا عرضة لقمع الأمن
    وبذلك فإن الأمن الوطني وربطه بالثقافة السياسية وفي مقدمتها ثقافة الديمقراطية والنضال السلمي والتأكيد على دور الدساتير كل ذلك يقدم لنا مقاربة جديدة لمفهوم الأمن الوطني رأيناه أمام أعيننا ورأينا تطبيقاته خلال أيام معدودات، لذا صار مفهوم الأمن الوطني ينطلق ابتداءً من الفرد وصار جزءاً من مكوناته الإدراكية والنفسية وهويته السياسية الوطنية.
    إن النقاش والحوار حول الأمن الوطني بإبعاده المشار إليها أصبحت واقعاً منطقياً علمياً تفرضه ضرورة تاريخية وليس من التابوهات والمحرمات فالأمن الوطني بقدر ما هو مظهر سيادي لأي دولة ينبغي احترامه وتقديره فإنه ضرورة وجودية لأي دولة ولكل فرد يعيش فيها.

    و- الإصلاح والتأهيل السياسي:
    بداية نؤكد على أن مفهوم الإصلاح هو مفهوم التحديث والتطوير ومع تأكيدنا على هذا المفهوم فإننا نرى أن نغادر صيغ الإنشاء المتعلقة بالإصلاح وإننا إذ نعتبر هذه الورقة قاعدة ومنطلقاً وأرضية للحوار فلا بد أن نحدد ما هو الإصلاح الذي نريده وما هي عناصره وكيف نصل إليه وهل أصبح ضرورة وهذه الأسئلة مطروحة أيضاً للحوار والتوافق الوطني في الإجابة عليها.
    ولنبدأ بالإجابة على السؤال الأخير وهي نعم، إن جملة ما أشرنا إليه فيما سبق كلها مسائل تؤكد أن جملة الممارسات المشار إليها في العالم والمنطقة ونحن جزءاً منها باتت تفرض ضرورة استراتيجية بل وتتعداها إلى ضرورة وجودية.
    أما ما الإصلاح الذي نريده والإجابة على هذا السؤال تـفترض طرح أسئلة أخرى، إن الإقرار بضرورة الإصلاح تعني أن هناك خللاً ما ينبغي معالجته وهل الخلل الموجود هو خلل وظيفي وإذا أقررنا بوجود هذا الخلل الوظيفي فإنه يقودنا إلى مسألة ينبغي عدم التغاضي عنها وهي أن الخلل الوظيفي في المفهوم والتعريف يعني وجود أزمة وأول خطوة في معالجة وحل الأزمات تبدأ بالعمل على منع وقوعها وفق تدابير وإجراءات وبدائل فإذا لم نستطع ذلك فلا بد من إجراءات لحلها وأولى هذه الإجراءات هي إتخاذ القرار بحلها ثم تشخيصها وتعريفها ثم استخدام الأدوات اللازمة لحلها وهذا هو المنهج العلمي لحل الأزمات ومعالجتها وعدم الاكتفاء بإدارتها وتدويرها وترحيلها.
    والتعلم من أزمات الآخرين من أهم وسائل منع وقوع الأزمات والأزمات عديدة ولننظر إلى المثلين التونسي والمصري وبعمومية مع اختلاف الظروف.

    والأزمات التي واجهتها الدولتين تتمثل بالتالي:
    1- أزمة التوزيع:
    وهذه متعلقة بالبعد الاقتصادي فالسياسات الاقتصادية أدت إلى سوء توزيع الدخل والثروة والخدمات وهذه السياسات وسبق الإشارة إليها حدثت فيها تراكمات كمية أدت لتغير كيفي ولم يجر رصد هذه التراكمات ولم تتخذ الإجراءات المناسبة لمنع وقوعها مع أنه كان هناك الكثير من الإرهاصات والمؤشرات والمعايير التي يمكن الاستنتاج والاستدلال الدقيقين تشير إلى أين تسير الأمور، مع عدم اغفال حجم الفساد ونتائجه الكارثية على الاقتصاد الوطني.
    2- أزمة الانتقال:
    وهذه الأزمة ذات ثلاثة أبعاد:
    الأول: ويتعلق بعدم إدراك انتقال العالم من عالم الحرب الباردة وتحالفاته واستراتيجياته المشار إليها إلى عالم ما بعد الحرب الباردة.
    الثاني: ويتعلق بالانتقال من الحزب الحاكم ذو الأغلبية الساحقة والبرلمانات الديكورية والفهم الأمني المنغلق إلى التعددية السياسية الحقيقية والديمقراطية وحقوق الإنسان.
    الثالث: ويتعلق بانتقال المجتمع من الهرم السكاني الشاب إلى الهرم السكاني الكهل وهذا يحتاج إلى فترة جيلين لهذا الانتقال فلم يتم فهم ما يريده جيل الشباب.
    3- أزمة الشرعية:
    ونبعت هذه الأزمة من أن الرئيسين أتيا من المؤسسة العسكرية وبفعل الممارسات وعبر عقود طويلة من الممارسات الاقتصادية والاجتماعية والأمنية وممارسات الحزب الحاكم والديمقراطية الديكورية قادت إلى أن الشعبين ما عادا يقبلان بالطريقة التي يتم حكمهما فيها، إذن فالشرعية هي مدى قبول أو عدم قبول المحكومين بالطريقة التي يحكمهم فيها الحكام، وهي هنا تجلت بعدم القبول بطريقة الحكم وجرى التعبير عن ذلك بتعبيرات شتى.
    4- أزمة الثقة:
    وهذه تتجلى بعدم الثقة بين الحكام والمحكومين وهذه الأزمة تنحل بإسقاط شعار من ليس معي فهو عدوي وإحلال شعار الإيمان بالتعددية في إطار الوحدة الوطنية وقبول وتفهم الأخر وقد أشرنا لذلك عند مناقشة بعد الأمن الوطني.
    5- أزمة التداخل:
    وهذه الأزمة يتداخل فيها جميع ما ذكر سابقاً فتحولت كل تلك الأزمات إلى أزمة عامة أدت لإنهاء حكمهما.
    أما في الأردن وفيما يتعلق بالشرعية فليس هناك خلاف على أن نظام الحكم الملكي محل إجماع وطني وبذلك فإن هذه المسألة ليست مطروحة للنقاش.
    ولكن وعلى قاعدة الحوار للوصول إلى توافق وطني فإن السياسات الاقتصادية والاجتماعية والجوانب التشريعية المتعلقة بالحياة السياسية فهي مطروحة للنقاش وقد بادر جلالة الملك إلى الإعلان على الملأ (أريد إصلاحاً حقيقياً) وبعد سنوات من تطبيق سياسات اقتصادية وتهميش السياسي قاد إلى جملة أوضاع نبهت الجميع إلى المبادرة بمسألة طرح الإصلاح السياسي والاقتصادي بشكل متوازي ومتزامن.
    وعليه فإن الإصلاح المنشود هو إصلاح مركب سياسي واقتصادي واجتماعي وتعليمي ولعل جملة ما أشرنا إليه يصلح لأن يكون قاعدة للحوار للوصول إلى توافق وطني ذو صلة بجملة المواضيع المطروحة.

    الإصلاح السياسي المنشود
    إن الإصلاح أصبح ضرورة وملامحه آخذة بالتبلور شيئاً فشيئاً والحوار الوطني المؤسسي المؤطر يساهم كثيراً في بلورته أكثر فأكثر وحتى لا نقع بمحذور عدم وجود الأطر التي توجه وتقود نتيجة فراغ الساحة.
    أما ما يخص الإصلاح السياسي فإن هناك حواراً يدار حول الجوانب التشريعية المتعلقة بالقوانين والأنظمة الناظمة للحياة السياسية كقانون الانتخاب وقانون الأحزاب ونحن على استعداد للمساهمة فيها وما ورقتنا هذه الا وتشكل مدخلاً للحوار واعتبارنا جزءاً منه، وكلنا نود أن نعود إلى مسألة (التأهيل) ونحن نعتبرها مسألة ضرورية ملازمة للعملية التشريعية المتعلقة بالحياة السياسية وبذلك فإننا نرى أن التأهيل يجب أن يأخذ تحديداً أدق ونعتبره هنا (التأهيل السياسي)، فلا إصلاح سياسي بدون تأهيل سياسي.
    التشريعات والقوانين لها دورها السياسي في البعدين القانوني والتنظيمي أما التأهيل السياسي فهو يقوم على نشر الثقافة السياسية بشكل ممنهج ووفق آليات وخطوات ويكون هدفها الفرد وإذا كانت التنمية الاقتصادية هدفها الفرد كما أشرنا سابقاً فإن التأهيل السياسي للفرد يقود إلى التنمية السياسية على المستوى الكلي (Macro) وإلى بناء (نحن وطني أعلى) ومغادرة مرحلة (الآنا) الذاتية، المبنية على ولاءات ما قبل الشعب والوطن والدولة ونظام الحكم.
    والأفراد المستهدفون بالتأهيل السياسي وبحكم واقع مجتمعنا فإن ما يقارب 70% هم من الطلاب والشباب وهذا يتساوق مع مطلب (التأهيل) الذي نادى به جلالة الملك في كتاب التكليف السامي وتأهيل الأفراد سياسياً هو جوهر التنمية السياسية والإصلاح السياسي وإذا كانت التنمية هي جوهر الأمن الوطني فإن التنمية هنا تأخذ بعداً آخر غير البعد الاقتصادي وبهذا نرى أن التأهيل السياسي هو الشق السياسي التوأم لجوهر الأمن الوطني ووفق المدرسة الحديثة للأمن الوطني المشار إليها سابقاً.
    وعلى قاعدة التعلم من الآخرين مع فهم خصوصيتنا وعلى قاعدة الحوار للوصول إلى توافق وطني حول مسألة الإصلاح الذي نريد فإننا نرى أن (التطوير والتحديث الناعم) المشار إليه عند مناقشة البعد (الجيواستراتيجي والاستراتيجي) وبمضمونه القائم على الإصلاح وعلى مفهوم أن الإصلاح هو التطوير والتحديث فإننا نطرحه مساهمة منا للحوار الوطني.
    ونرى أن من يحسن إدارة دفة (التطوير والتحديث الناعم) الممنهج القادم من الأعلى والموجه للقاعدة العريضة والمسيطر عليه بعيداً عن استخدام القوة الصلبة وبما يوافق فهماً جديداً للواقع بعيداً عن المفاهيم القديمة وهذا بسيط ومتاح للكثيرين ممن يمتلكون القدرة على الإصغاء الجيد والفهم العميق لما يجري وممن يدركون أن في كل أزمة فرصة يستطيعون تحويلها لعنصر نجاح وقوة وهذا يشكل ضمانة تكفل الاستمرارية.

    تأهيل الشعب.. ليكون مصدراً للسلطات
    هؤلاء يستطيعون السيطرة على صنع الجديد بأيديهم (لا بيد عمرو) مثل أولئك هم من يستطيعون إجراء الإصلاح المنشود الذي أشرنا لملامحه الاستراتيجية، رغم العواصف فالجديد لا تتم مواجهته باللعب بالتكتيك ونحن واثقون بعبور المرحلة بثقتنا بثوابتنا الوطنية المشار إليها وشبابنا الذين هم جزء هام من هذه الثوابت.
    وحتى يكون الشعب مصدر السلطات وهذه أهم ركيزة للديمقراطية لا بد من تأهيله سياسياً وقانونياً وتنظيمياً وإننا نعتبر هذه الإشارة هي استجابة منا لمطلب جلالة الملك بالإصلاح السياسي الحقيقي والتأهيل.
    بقي أن نشير إلى أن الإشارات التاريخية ما كانت إلا من باب الربط للوصول إلى استنتاجات نراها مهمة وضرورية للسياق العام لهذه الورقة.
    إن الحرب الباردة واستراتيجياتها استمرت أكثر من نصف قرن وما نراه اليوم هو تجاوزها وطي ملفاتها وهو أيضاً معبراً لمرحلة جديدة ربما ستستمر لعقود مقبلة.
    ليس من الصعب ان تصنع الف صديق فى سنة
    لكن من الصعب ان تصنع صديقا لألف سنة
    يكفيني فخرا انني ابن الرايه الهاشميه

  2. #2
    عضو
    تاريخ التسجيل
    Wed Jun 2008
    الدولة
    صانعة رجال البواسل رجال الهيه المملكة الهاشمية
    المشاركات
    146,552
    معدل تقييم المستوى
    11586669



    شكرا لكل جديد
    سلمت الايادي المعطائه

    اختكم بالله


  3. #3
    الاداره
    تاريخ التسجيل
    Tue May 2009
    الدولة
    الرايه الهاشميه حفظها الله
    المشاركات
    212,599
    معدل تقييم المستوى
    21475063
    ليس من الصعب ان تصنع الف صديق فى سنة
    لكن من الصعب ان تصنع صديقا لألف سنة
    يكفيني فخرا انني ابن الرايه الهاشميه

المواضيع المتشابهه

  1. القدس .. بقلوبنا ... الى الابد
    بواسطة سمير محمود ابوزيد في المنتدى منتدى , صور , فوتغرافيات
    مشاركات: 5
    آخر مشاركة: 16-06-2014, 10:53 PM
  2. إغلاق نهائي لفضائيات عربية بينها فضائية أردنية
    بواسطة محمد الدراوشه في المنتدى منتدى الاخبار العربية والمحلية
    مشاركات: 4
    آخر مشاركة: 03-09-2013, 04:31 PM
  3. عطية : حكومة النسور في مأزق وغياب النواب عن الجلسات معضلة كبيرة
    بواسطة محمد الدراوشه في المنتدى اخبار الاردن
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 11-04-2013, 05:35 PM
  4. مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 11-07-2012, 08:06 AM
  5. سؤال وجواب
    بواسطة عمر محمود في المنتدى المنتدى الاسلامي العام
    مشاركات: 13
    آخر مشاركة: 12-02-2010, 09:42 PM

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

المفضلات

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •  
معجبوا منتدي احباب الاردن على الفايسبوك