فرضت احتجاجات مصر إيقاعها على العالم، وجعلت الجميع ينصت لمطالب الشعب المصري القديمة الجديدة، ولأنّ المثقف ملتصق أكثر بكل ما يحدث فقد ارتفع صوته هو الآخر داعما لهذه الانتفاضة. وأبدى مبدعون عرب تفاؤلهم حيال الصيرورة التاريخية الجارية في أرض الكنانة هذه الأيام.
حديث الفنان المصري هشام سليم إلى الجزيرة نت كان مكثفا ومتقطعا، ذلك أنّ بطل مسلسل "حرب الجواسيس" كان منشغلا هو وجيرانه بحراسة المجمع الذي يقطنونه، حيث أعرب عن اعتزازه بما يقوم به شباب مصر اليوم.
وقال سليم إن الطلبات التي يعلنها المحتجون "هي صرخات ليست جديدة في محتواها.. فمنذ 30 سنة وهناك دعوات للمطالبة بالتغيير، وأخيرا حان وقت نهاية المشوار، لأن الناس صاروا يرغبون في العيش بكرامة وأمل.. وقد قلنا هذا الكلام من قبل ولا نزال نكرره".
وبنَشوةٍ عارمة يصف الفنان هذه الثورة بثورة الشباب "لم يجد نفعا صوت المثقفين منذ 30 سنة.. إنها ثورة الشباب وأنا سعيد لهذه الرغبة الكبيرة في التغيير. صحيح أن الجميع متوجس وأنا متخوف لأنّ لمصر قيمة كبيرة وهناك مشاكل كبيرة تحوم حولها، هناك فلسطين وإسرائيل ومشاكل أخرى كثيرة.. فمصر هي رمانة الميزان في المنطقة وهي تعيش في هذه اللحظات مرحلة جد خطرة".
هشام سليم: لم يجد نفعا صوت المثقفين منذ 30 سنة.. إنها ثورة الشباب (الأوروبية- أرشيف)
لكن نسبة التفاؤل الكبيرة القابعة بنفس الفنان قال إنها تغطي على المخاوف الأخرى "وما دام هناك شباب بمثل هذا العنفوان والصدق، وما ما دامت هناك هذه الروح الجميلة وبعيدا عن التخريب والنهب، فنحن قادرون على التفاؤل وتحقيق ما نصبوا إليه".
إحراق الشعوب
ومن بيروت تصف الكاتبة اللبنانية علوية صبح ما يحدث في مصر بالثورة الحقيقية التي قلبت المشهد والصورة. وتنفي أن يكون الصراع الدائر غرائزيا أو انتحارياً أو تفتيتا للمجتمع "بالعكس تماما، الصورة الآن هي للمواطنة، وصورة المواطن الذي لا تقوده الغريزة وإنما وعيه لأبسط حقوقه الوطنية والإنسانية، إنها صورة الشعب وليس الطوائف التي تنقاد كالغنم، صورة تقول إن هناك شعباً يرفض أي استهانة بكرامته وعقله ووعيه".
كل هذه الجزئيات المميزة لهذه الثورة جعلت مؤلفة "اسمه الغرام" تتحدث عن حجم الثقة التي عادت للناس وللإنسان العربي بفعل ما يحدث في مصر راهنا، "ثورة تنسب على ما يبدو للناس العفويين الذين أغلى ما عندهم الكرامة وعزة النفس. ولا شك أنّ الأطراف السياسية والمثقفين والمبدعين يشاركون فيها أو يؤيدونها، إلا أنّ الناس العاديين هم عصبها ونهرها المتدفق".
وبالنسبة للكاتبة فإنّ ثورة المصريين وثورة التونسيين، وبغض النظر عن الشرارة التي أشعلتها، ثورة على الأنظمة الاستبدادية القمعية التي "لا عمل لها سوى إحراق شعوبها بسياسات التجهيل والظلم والفقر وتشويه الوعي وكبت الحريات والفساد المطلق الذي لم يعد يقف عند حدود. سياسات تحويل الناس إلى عبيد جياع لقيادتهم بما يحفظ لهم أبدية الكراسي، ومن دون أن يتورّعوا عن أي شيء يحفظ السلطة والمال لهم حتى ولو دفعوا البشر إلى الانقياد لغرائزهم وإلى تناحرات عشائرية ومذهبية وطائفية..".
الروائية علوية صبح: هناك شعب يرفض أي استهانة بكرامته وعقله (الجزيرة نت)
هاجس التوريث
ومن العاصمة السعودية الرياض، ينفي الكاتب والروائي السعودي محمد حسن علوان أن تعود أسباب الثورة المصرية الحالية بالضرورة إلى الجوع نظرا للمسار الاقتصادي الصاعد لها، ويلصق الكاتب بالثورات معادلة سياسية اجتماعية.
كما يفسّر الروائي سبب خروج هذا العدد الهائل من المصريين إلى الشارع بقوله "إنهم يشعرون بالظلم المقيم بسبب تزايد الفارق الاقتصادي بين الطبقات، ومتضايقون من التهميش السياسي، لا سيما بعد أن عمّق هاجس التوريث هذا الشعور، وظلّت الأنشطة المريبة للحزب الحاكم في تهيئتها الشارع لاحتمالية التوريث تزيد من شعور الشارع بأنّه يوشك أن يؤخذ على حين غرة".
الوعي الشعبي
ثلاثة عناصر ساقها صاحب "سقف الكفاية" واعتبرها جوهرية في معادلة الثورة: "الظلم، والتهميش، والقوميّة الجريحة"، مضيفا إليها أسبابا أخرى كطبيعة البلد الثورية، والتداعيات المشجعة لأحداث تونس، وعليه يرى أن ما حدث في مصر "يكاد يكون متوقعا من حيث الحتمية، وربما مفاجئا من حيث التوقيت".
يشيد الكاتب بأهمية دور المثقف التنويريّ الذي يأتي ليؤطر "السيل الجارف من العاطفة المتفجرة بالغضب واليأس والجموح، وليقف حائلا دون تصريف هذه المشاعر في مسارات خاطئة كالعنف والانتقام والطائفية..".
يبوح الروائي بتفاؤله رغم كل التفاصيل التي قد تدعو للتشاؤم كإمكانية الصدام الشعبي والتدخلات الدولية الإقليمية في شؤون مصر، وحاجتها إلى سنوات طويلة لإعادة التأهيل تنمويا.. إلا أنّ منبع التفاؤل عند الروائي علوان يعود إلى الوعيّ الشعبي المتصاعد، "فالناس تعلم تماما لماذا هي في الشارع الآن.. وبغض النظر عن سقوط النظام أو بقائه، سيحقق نتائج إيجابية للمواطن المصري، وقد حقق بعضها، انخفاض احتمالات التوريث إلى الحد الأدنى، وإجبار الحكومة على التفكير بجدية في الإصلاح الدستوري، وغيرها..".
الروائي السعودي علوان: الناس تعلم تماما لماذا هي في الشارع الآن (الجزيرة نت)
الحق في التغيير
ومن منطلق الصيرورة التاريخية، أكدت لنا المخرجة المغربية بشرى إيجورك التي تؤمن بأن "لا وضع يظل على حاله وهناك تطور دائم، والشعوب تتطور بصورة متجددة لكن قلما تواكب الحكومات والأنظمة المستبدة رغباتها وطموحاتها وتطلعاتها، لذلك فلا بد يوما أن تعلن الثورة بأي شكل من الأشكال..".
وترى المخرجة أنّ ما يحدث في مصر "دليل قاطع على أن للخوف نهاية وللترهيب نهاية وللاستعباد، مهما طال، نهاية. فقد صمدت شعوبنا العربية طويلا، وعشرون سنة أو ثلاثون عمر طويل".
تنتقد مخرجة "الخبز الحافي" طغيان "الأنظمة التي ارتاحت فوق كراسيها الوثيرة ولم تعد تستمع لصوت آخر غير جشعها وأنانيتها وجبروتها، ولم تنتبه لأصوات يومية تعلو مطالبة بالحق في الحياة والتنقل والصحة والتربية والمواطنة الحقّّة.. وأمام تجاهل كبير مثل هذا تولد الثورة..".
تتساءل المخرجة إيجورك "هل من الكثير على شعوبنا العربية أن يكونوا مواطنين وليس قطيعا.. أن يروا أبناءهم يكبرون ويتعلمون ويلعبون، أن يجدوا من يخاطبهم ويسمعهم ويحاورهم ويخدمهم في إطار ديمقراطية شفافة وواضحة، ألا نستحق ذلك؟".
المصدر: الجزيرة
رد مع اقتباس
المفضلات