نظرتْ نظرة أخيرة إلى الغرفة بكل تفاصيلها ..
الشراشف و الوسادات الجديدة ..
الأرضية , الستائر ..
كل شيء ممتاز ..
ابتسمتْ برضا , ثم انتقلتْ للغرفة الأخرى ..
تفحّصتْ كل شيء ..
أسرّة الأولاد ..
بعض الألعاب التي اشترتها خصيصاً لهم , بل حتى صورهم بمراحل مختلفة و التي اشترت لها إطارات جذابة و علّقتها على الجدران .
تمتمتْ لنفسها :
- كل شيء على افضل ما يرام ..
توجّهتْ إلى المطبخ ..أضافت بعض اللمسات على الأطباق العديدة التي قضت الأيام الثلاثة الماضية في إعدادها ..
بقي ساعتان على موعد طيارته ..ابنها الأصغر ,
تمتلئ عيناها بالدموع و هي تتذكر..عامان كاملان لم تره ..
تلتقي عيناها بعيني زوجها ..يضم يدها بحنان و يقول :
-صلي على النبي حجة ..سترينه بعد قليل ..
- أمي , زوجتي ستقضي الليلة في بيت أهلها , ستكون مرتاحة أكثر , تعرفين عناء السفر ..
- تقبرني , ليس هناك أحدٌ في المنزل سوى أنا و والدك ..جهزتُ لكما غرفة , و للأولاد غرفة ..
يضع العقدة و هو يقول :
- أمي ..أنا متعب , أرجوكِ , سنبدأ شغل الحموات من أولها ؟؟
تقتربُ الساعة من الرابعة صباحاً , لم يرجع بعد , تركته في المطار , كي يوصل زوجته إلى بيت أهلها و يرجع ..
توضأت و صلّت ْ الصبح ..
استيقظت لتجد نفسها على سجادة الصلاة , يبدو أن النعاس قد غلبها ..
دخلت إلى غرفته ,يبدو أنه نام عند أهل زوجته ..
اتصلت عند الظهر به :
- تقبرني , أنا أيضاً لي حصة بك و بأولادك ..
أجاب بتبرّم :
- حصة ؟؟, هل نحنُ ميراث ؟!!..طيب , طيب , سنكون عندك في الثالثة ..
تروحُ و ترجعُ هي العجوز التي قاربت السبعين ..تضع صحناً و تهرول إلى المطبخ لتحضرَ غيره ..
تجلسُ كنتها في الغرفة كالضيفة , تقول في نفسها :
- لا بأس , ربما تشعر بالخجل ..
تنظرُ نظرةً أخيرةً إلى المائدة , كل شيء على أصوله , تقول بسرور :
- تفضلوا ..
ينتقلون جميعاً إلى غرفة الطعام , تجلس كنتها بعيداً عن المائدة
- تفضلي حبيبتي ..
- شكراً ..
يقول ابنها و هو يسكبُ صحن ( كبسة ) , طبقه المفضّل :
- زوجتي و الأولاد أكلوا , لقد اشتهوا الشاورما , فاشتريتُ لهم ..
ترقرقت الدمعة في عينها , أرادت أن تقول شيئاً , لكن سرعان ما قاطعها ابنها و قد ارتسم تعبير اشمئزاز على وجهه :
- يا إلهي , كم هو دسم أكلك يا أمي ..هذا لا يجوز من أجل الصحة ..
استمرتْ زيارته حوالي الساعتين , كالغريب كان , تساءلت في قلبها عشرات المرات كلما انتقد شيئاً :
- أهذا ولدي الذي ربيته ..
ذهب كي يوصل زوجته إلى بيت أهلها , فهناك ترتاح أكثر !! ,
أنهت صلاة العشاء , استلقت في سريرها ببطء كي لا توقظ زوجها تعلم أن ابنها لن يسهر هنا , هي العجوز المتهالكة لن يعجبه السهر معها ..
بكت بحسرة في الظلام ..
أمسك زوجها بيدها ..وضعتْ رأسها على صدره و بكتْ بصمت ..
- صلّي على النبي حجة ... ليس شيئاً جديداً , في كل عام تنتظرين قدومه و أولاده بفارغ الصبر , و لكنه هكذا ..الله ...
مدّت يدها بسرعة إلى فمه لتسكته , و قالت بصوت مرتجف :
- الله يرضى عليه , و يسامحه ..
المفضلات