[grade="00008b ff6347 008000 4b0082"]الكرك والأمراء الحرافشة
لم تكن الكرك مركزا علميا للمسلمين الشيعة وحسب، بل لعبت دورا سياسيا بالغ الاهمية من حيث كونها مقرا لولاية البقاع العزيزي الى جانب بعلبك، ومقرا لولاية البقاعالبعلبكي، واستفاد الامراء الحرافشة من موقع الكرك التي آلت اليهم سلطتها من اسرة آل الحنش، بعد معركة دير زيتون سنة 1003 هر1594 م.
كانت الكرك قلعة حصينة للحرافشة، وهي من المعاقل التي نما فيها نفوذهم وساعدهم على تسلم زمام الحكم في بعلبك، وكانت منطلق تحركاتهم نحو بعلبك شرقا، وباتجاهقب الياس ومشغرة غربا. اختارها الحرافشة لغلبة التشيع على سكانها منذ عهد مبكر، وكانت ملاذ رجال الشيعة لما يدهمهم خطر الحكام.
وحصل حريق الكرك بعد معركة شرسة داخل المزار وفي المئذنة التي كانت آخر مواقع الدفاع عن البلدة، حتى نفدت ذخيرة المدافعين عنها، فقام جند فخر الدين المعني بنهبالكرك واحراقها. قال الصفدي: ((وحرق العشير جميع البلد حتى لم يبقوا بها بيتا واحدا بلا حريق)).
لكن الكرك، وبعد هذه الماساة، ما لبثت ان نهضت من كبوتها، اذ جدد الحرافشة بناءها، بفضل موقعها المهم على حدود امارتهم، وظلت ملاذ امرائهم عند حلول الملمات، وكانتاحيانا تخرج من ايديهم، عندما تغضب عليهم السلطات التركية، وتوعز الى والي الشام ان يمنح حكم بلاد بعلبك والبقاع الى امراء محليين، او ولاة يدفعون مبالغ طائلة منالمال.
وفي سنة 1680 م.، تولى امير حاصبيا، فارس الشهابي، الملقب بالكبير، بلاد بعلبك والبقاع، لقاء رشوة قدمها لوالي دمشق.
فتوجه الشهابي بالفي فارس واحتل الكرك، ثم تقدمالى نيحا، واقام فيها، ما اغاظ الحرافشة، فاستنجد الامير عمر الحرفوش بآل حمادة الشيعة، فجمع رجالهم ودهم الامير فارس الشهابي ليلا في قرية نيحا بجوار الفرزل،وانجلت المعركة عن سقوط الامير فارس صريعا مع خمسين رجلا من جماعته.
وهكذا استعاد الحرافشة سلطتهم بالقوة على بلاد بعلبك والكرك. واستمر العداء مع السلطاتالتركية، ما حمل الامير عمر الحرفوش على مغادرة البقاع الى بلاد جبيل، اقام عند الحمادية الشيعة، وما لبث ان توفي هناك سنة 1683 م. ودفن في طرزيا، فعينت الدولةالعثمانية ابن صدقة على سنجقية بعلبك وتدمر ووادي التيم.
وعندما زار الرحالة الفرنسي جان دي لاروك بعلبك سنة 1689 م، اشاد بجهود الحرافشة في استغلال خيرات سهل البقاع وخصبه، ورغم هذا الازدهار كثرت مشاكلهم مع ولاةدمشق، ودبت الخلافات داخل الاسرة، التي تفاقمت مع ولاية الامير جهجاه الحرفوشي، الذي اضطر للتنازل عن الكرك ونواحيها الى الامير بشير الشهابي.
الكرك حاضرة علمية لقد تجمعت عناصر تاريخية عديدة، لتجعل من كرك نوح مكانا يفوح منه عبق التاريخ، وحاضرة علمية تخرج من مدرستها كثير من العلماء الشيعة في بلاد الشام. واذا كانتسير المدن تعرف باحوال علمائها، فان موعد الكرك الاخر مع التاريخ كان في السيرة العلمية والسياسية لهؤلاء العلماء، وتذكر كتب السير والتراجم ان اكثر من ثلاثين عالماكركيا درسوا في بلدتهم، ونالوا درجة عالية من الفقه والعلوم، ضاقت الكرك عن طموحاتهم فهاجروا الى ايران، ابان العصر الصفوي، واستقر المهاجرون الجدد في ايران، واخذواعلى عواتقهم تنظيم الدولة الجديدة على اسس الاسلام الحق. ونال علماء الكرك مراتب عالية في الدولة الصفوية، وتفصيل سيرهم، في تراجم الاعلام، يكشف بوضوح دورالكركيين الذين قادوا نهضة التشيع في ايران وحرسوا، الاسلام وناصروا مذهب اهل البيت(ع).[/grade]
المفضلات