رغم التحديات المتمثلة بشح الموارد، إلاّ أنّ الله تعالى أنعم على هذا البلد من كرمه وبركاته ما لم يتوفر لبلدانٍ كثيرةٍ غابت عنها نعمة الأمن والأمان وأعوزتها نسمة الحرية، والحكم الرشيد، فالشكر له جلت قدرته أن أشبعنا بالقناعة، وأروانا من رأس ا لنبع الهاشمي السلسال ،وغمر قلوبنا بالطمأنينة واليقين ،فكان لنا من عظم القيادة وصدق الريادة، ورفعة المنزلة ما جعل منّا شعباً أكثر بكثير من ملايينه الستة ،وحبانا من كرم الخلق وعزّة النفس ،وفيض المحبة ما جعل بلدنا في عيون الآخرين قيمة إنسانية ،وقامة حضارية تجاوزنا بهما حدودنا الجغرافية ،ومع ذلك فإنّ المشهد العام لا يخلو في بعض الأحيان من منغّصاتٍ،لو لم تكن موجودةٍ لنزعت من نفوسنا روح التحدي ،ولرفعنا أيدينا عن الدفّة لا سمح الله وقلنا :» دعوا السفينة تجري في مجاريها ،فوحدها الريح تجريها وترسيها ،» لكن حرصنا على سفينتنا والجهد الكبير والمسافة الطويلة التي قطعتها وتخطّت فيها أمواجاً وأهوالا ما كان لربان غير ربانها الهاشمي أن يقدر عليها ويلوي ذراعها ،كل ذلك يوجب علينا أن نظلّ دوما نربط بقلوبنا على قلب الوطن ونذوّ ب من نفوسنا
ما نجلو به الهموم التي تعتور مسيرتنا في بعض الأحيان جرّاء اجتهادات غير ناضجة لبعض أبنائنا الذين رغم اعتزازنا بمساهماتهم الوطنية فإننا لا نعدم حالات بعينها نجدهم فيها فجأة يغرّد ون خارج السرب عندما يديرون ظهورهم لحراك وطني هام مثل الحراك الأخير ،وليتهم يدركون ولو بعد فوات الأوان بأنّ الوطن إلى وجودهم أحوج ما يكون،وقد نجد من بيننا أيضاً من يغلّب مصلحته الخاصة على المصلحة العامة منطلقاً من فهمه الخاطئ للعبة الديمقراطية وشطارته المتناهية في الالتفاف على القوانين والأنظمة ،وقد نعثر أحيانا على من يرى في المال وسيلة مشروعة للوصول إلى مبتغاه حتى لو كان في ذلك شراء الذمم وإفساد للضمائر ،واستغلال مشين لحالات البائسين.
ومع ذلك كله فإنّ ثمة أملا بأن كلّ شيءٍ سيتغير ،فنحن على أبواب مرحلة جديدة ،وعقد جديد ،ومجلس وزراء ومجلس أُمّة جديدين ،صحيح أنّ التجارب علمتنا أن لا نرفع سلفاً من سقف توقعاتنا بشأنهما وان نؤجل ذلك حتى نلامس النتائج بكل حواسنا،لكن يبقى لنا الرجاء والدعاء بأن لا يضيّع الله جهودنا ،ولا يخيّب ظننا ،وبخاصة أننا نملك ما نملأ أيدينا به ،ونغرف بحفناتنا من يقينه وهو» الحلم الأردني الساكن» في قلب كل واحدٍ من أبناء هذا البلد الطيّب ،الحلم الذي به تكتمل الصورة الجميلة للوطن الجميل والتي ما غابت يوماً عن عيون ووِجْدان ملوكنا الهاشميين من عبد الله الأول إلى عبد الله الثاني ،إنه الحلم المدعّم بالتفاؤل واليقين والأمل في اقتصاد قوي وتنمية مستدامةٍ ورعاية صحية واجتماعية دائمة ،وفرص عمل وفيرة وتعليم متميز ،وشبكاتٍ كثيفة للطرق والماء والكهرباء والاتصالات وتكنولوجيا المعلومات ،وأن تكون لنا البيئة النظيفة المتنوّعة والطاقة المتجدّدة ،وقبل ذلك وبعده تمكين المرأة ، وحما ية الأسرة ،وإطلاق يد الشباب ،وتعزيز القيم العظيمة التي نملكها في الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان ،والوسطية ونعمة الأمن والعدالة وتكافؤ الفرص وبقية الثوابت الأردنية التي سيظل سبيلنا إليها مرتبطاً برؤية سيدنا وعزيمته المردوفة بعزم الجميع وروح الجماعة .
هاشم القضاة
المفضلات