الفرق بين الديك والدجاجة ، ان الأول يصيح ويملأ الفضاء صياحا ، في أي وقت يحلو له ، أما الثانية ، فإنها لا ترفع صوتا بقرق ولا قرار ، ولا تعترض على طريقة ديوكها ولا شكل الطريق ، كل ما هنالك ، إنها تأكل ما يرمى لها من بقايا وجبات الجماعة ، وإن لم يتذكروها فتطفق تبحث عن دود الأرض وحصيات الأرض ، وتدغدغ بأظفار أرجلها تراب الأرض ، وتعفر فيها بحثا عن كنز غير معروف ، ووهمّ قد لا يتحقق ولا تستفيق منه إلا عندما تجلس تلك الدجاجة بكل معاليها وكبرياء حريتها على مائدة سيدة المنزل ، أو في صحن "شوربة " يرتشفه السيد الأنيق ، ويبقى النصر للديك الذي يصيح مليون مرة في السنة ولا يبيض بيضة واحدة ، واذا ما هرم ، يصبح طريدة للثعالب .
الطفل عندما يولد ، يصرخ ، و صرخته تكون سببا في فرح الكبار ، وتزغرد نساء القوم فرحا بقدوم مولود تحيته صراخ ، ولم ينتهي كل علماء النفس والطب والعلوم الدينية حتى اليوم الى الخروج بسبب مقنع لصراخ الضيف الجديد على هذا العالم ، غير ان أهل الأدب والفلسفة ، قرنوه بخوفه من هذه الحياة الجديدة ، ولكن ديكا يصرخ أحيانا ، برر صيحة الطفل على انها اعتراض ،، اعتراض !!
أخلق الإنسان كي يعترض ، لا أدري ولكن حتما يجب أن يعترض على الأخطاء التي يرتكبها كبار الديكة ، الذين يملئون الدنيا صراخا ، دون أن يبيضوا ، و الضحية دائما .. دجاجة ، فهي المنتجة وهي الصامتة ، وهي معشوقة آكلي " الفرايد تشيكن " .
ومع إنني أحد تلك الديكة " الصغار " التي تحصر مهمتها بالوقوف على رؤوس الأشجار ، لتراقب الحقل ، كي تصرخ حينما ترى الثعالب تداهم المرج باتجاه قرية الدجاج ، وتصيح حينما ترى الفئران تعمل قوارضها في سنابل العطاء ، فإنني اقترح على أهل المدينة أن يتم القاء القبض علينا ، وبيعنا الى سلسلة المطاعم ، فلم يعد فينا مُطاعن ، وليهنأ عشاق "الفرايدتشكن " بلحوم الدجاج الأبيض من البراءة !
في إحدى ليالي كانون الماطرة ، طلبت السيدة دجاجة ، من سيدها الديك ، أن يحكي لها قصة قبل النوم ، فقال لها : يا كرموشتي ، غالية والطلب جاهز :
يحكى أن تاجرا كان يجول في إحدى القرى الوادعة ، قادما من إحدى المدن الرادعة ، يقود عربة " مزنزنة " بقفص كبير ، ويقود العربة حمار ، والتاجر ينادي ، ها قد جئت لكم بما يسليكم ، هذا ما سيزيح الهم عن قضيضكم ، لن يقض البؤس والحزن والتفكير " مهاجعكم " من كافة الفئات .
فخرج مختار القرية ، لأنه هو الذكي الوحيد والغني الأكيد فيها ، ونادى على التاجر السعيد ، ماذا حملت عربتك لنا اليوم يا قوس قزح قريتنا :
فرد التاجر : أبشروا ، وليبشر أطفالكم ، ونساءكم وعائلاتكم وأجيال قريتكم والأغصان الكثيفة في أشجار عشائركم ، فبضاعتي هي قرود ، قرود لا يهدأ لها بال ، وستسعدوا بها جميعا .
فما كان من المختار ، بعد ان تهلهلت أساريره فرحا ، إلا أن طلب من التاجر أن يفتح قفصه ، ويعرض قروده ، حتى يختار المختار قردا ليشتريه .
فما كان من التاجر المتعب بمطالب الزبائن التي لا تنتهي إلا أن رد بجفاف لسانه راعدا :
يا رجل أيش تختار ؟ أي ما أولهم قرد ، وآخرهم قرد !
أنهى عمنا الديك ، القصة والتفت الى دجاجة خانوم ، فوجدها وقد وضعت رأسها تحت جناحها ، وذهبت في نوم غطيط ، فهي متشوقة الى حلم تأكل فيه حفنة من حبوب الأرز والعدس والبقوليات ، و تزورها إبرة طبيب بيطري ، يكتشف فيها ابتلاء الله لمخلوقاته ، فما كان من الديك إلا أن تنهد بعمق ، وتمتم عن قول :
يا للخسارة ، كنت متلهفاً الى أن أقول للمدام كل عام وأنت بخير بالعام الجديد ، ولكن يبدو أنه لم يعد هناك فرق ، سنبقى دجاج ، وسيبقون قرود ، و ... وستبقى السنين تعدنا ونحن نعدها ، ويبقى الحسيب حي لا يموت !
كل عام و .. أنتم بخير
فايز الفايز
المفضلات