كتب - حاتم العبادي - وجهت الرسالة الملكية التي بعث بها جلالة الملك عبدالله الثاني الى رئيس الوزراء الدكتور معروف البخيت اول من أمس، المتعلقة بمكافحة الفساد وخطر الارتكاز على شجب الفساد كمدخل لاغتيال الشخصيات والنيل من سمعة الإفراد والمؤسسات «البوصلة» في اتجاهها الصحيح للقضاء على هذه الظاهرة.
وتكمن أهمية مضامين الرسالة الملكية، بحسب ما يصفها سياسيون واقتصاديون وأكاديميون، في ظل الفوضى في مسار «الاتهامية» غير الحقيقية، التي باتت واضحة، وأدت في كثير من الأحيان الى «شل»عمل المؤسسات وأصحاب القرار من اتخاذه خوفا من الإشاعات والأقاويل.
وحملت مضامين الرسالة الملكية، تأكيدات على ضرورة محاربة الفساد بكافة أشكاله وكذلك ملاحقة الفاسدين مهما كان موقعهم، في وقت قد يستغل الفاسد تلك الإشاعات والأقاويل، التي حذر منها جلالة الملك، ليجد منها الوسيلة لتغطية فساده، على حد وصف سياسي.
كما تقرأ مضامين رسالة الملك من زاوية أخرى بأنها دعوة الى الجهات المعنية لتطوير التشريعات والتأكيد على مبادىء دستورية وعلى رأسها الفصل بين السلطات، وتجديد التأكيد على أهمية دور القضاء، من جهة وتطوير التشريعات المتعلقة بمكافحة الفساد، خصوصا وان الجدية تقتضي مراجعة للتشريعات، فيما لم تنجح الحكومات السابقة والمتعاقبة في التعامل بجدية مع ملف الفساد.
وفي إطار تنفيذ التوجيهات الملكية، يؤكد هؤلاء السياسيون والاقتصاديون والاكاديمون، على أهمية دور الإعلام في هذا الإطار، بحيث لا يكون وسيلة لترويج «الاتهامية»، وان يتقصى بشكل اكبر ما ينشره في هذا المجال، لان له دورا محوريا «كسلطة رابعة» في مكافحة الفساد.
ويذهب اقتصاديون الى أن تنفيذ توجيهات جلالة الملك بهذا الصدد للحد من ظاهرة الإشاعات والأقاويل وظاهرة استغلال مكافحة الفساد لاغتيال الشخصيات يمكن ان يكون من خلال البت القضائي المستعجل في قضايا الفساد الواضحة والثابتة، والمحور الأخر ، توفير المعلومة الحقيقية والتعامل معها بكل شفافية من مصادرها.
ويرى رئيس جامعة البترا، رئيس الوزراء الأسبق الدكتور عدنان بدران أن التوجيهات الملكية تحمل تجديد التأكيدات على ضرورة محاربة الفساد بكافة أشكاله والفاسدين، وفي القطاعين العام والخاص.
وفي هذا الإطار يؤكد أن الوقاية متطلب ضروري لمكافحة الفساد، لجهة توفير المعلومات الحقيقية لعمليات الفساد وفاعلها وأساليب الفساد لضمان عدم تكرارها، وهذا يتطلب تطوير للتشريعات المعنية، بحيث تصبح عملية التلاعب والفساد غير ممكنة وصعبة، الى جانب التأكيد على استقلالية القضاء ومنحه صلاحيات أكبر، داعيا في هذا الصدد الى إلحاق هيئة مكافحة الفساد بالقضاء، وليس برئيس الحكومة.
ويعتبر أن محاسبة ومقاضاة مروج الإشاعات والاتهامات لاغتيال الشخصيات، باعتباره يمارس فسادا، الذي قد يقود الى حماية الفاسد الحقيقي، الذي قد يجد في تلك الإشاعات التي تطاول الأشخاص فرصة لإيجاد مبرر له، لجهة وضع نفسه في قفص الاتهامية غير الحقيقية.
وعاد الدكتور بدران بالإشارة الى التأكيدات الملكية التي تشدد على ضرورة محاربة الفاسدين والفساد، في جميع المواقع على اختلاف مستوياتها.
ويرى ان الإشاعات أصبحت تطال أشخاصا بريئين من الفساد الى حد انه « أصبح من غير الممكن معرفة الفاسد الحقيقي، وتمييزه من المتهم بالفساد».
ويرى ان التوجيهات الملكية لها بعد أخر، يتعلق بصورة الاردن في الخارج، خصوصا لدى المستثمرين والدول المانحة، إذ أن الإشاعات والأقاويل، قد تعطي انطباعات غير حقيقية للواقع، الأمر الذي يؤثر سلبا على جذب الاستثمارات والحصول على الدعم والمساعدات.
وأشار الى أن هذه الاتهامية والأقاويل والإشاعات، باتت تعطل العمل العام وكثيرا من المشاريع، من حيث تخوف المسؤول وصاحب القرار من اتخاذ إجراء، حتى لا يتهم بالفساد. وهذا ما أكد عليه أستاذ علم الاجتماع في الجامعة الاردنية الدكتور موسى شتيوي، الذي وصف تلك الإشاعات والأقاويل والاتهامية، بأنها أصبحت «سيفا مسلطا» على المؤسسات والأشخاص، وجعلتهم يترددون في اتخاذ القرار.
ويرى أن الحديث عن الفساد لدى المواطنين كثير، وان عملية تبديد والحد من الإشاعات من خلال اتخاذ خطوات جدية من جهة وضبط إعلامي من جانب أخر، بحيث يتم التعامل الإعلامي في هذا المجال بمهنية عالية تعتمد على المعلومة الصحيحة.
ويؤكد أهمية التحذير الملكي في هذا الوقت، الذي يشهد الاردن حراكا إصلاحيا، لافتا الى ضرورة تطوير التشريعات الناظمة و المعنية بمحاربة الفساد، خصوصا وان الحكومات السابقة والمتعاقبة فشلت بالتعامل مع مكافحة الفساد بجدية، في حين أن التعامل الحالي يتطلب تطوير التشريعات في ضوء المستجدات التي يفرضها الواقع التطبيقي.
فيما ينظر المحلل الاقتصادي الدكتور منير حمارنة ان الحديث عن الفساد وضرورة مكافحته «ايجابي» خصوصا وان حجم الفساد يزداد، ليس في الاردن، إنما في العالم، إلا انه أكد على المحاذير التي نبه منها جلالة الملك في رسالته الى رئيس الوزراء. وأعتبر أن من المحاذير الخطرة التي يجب التنبه لها، استخدام قضية الفساد مدخلا اتهاميا بدون مبرر يعتمد على الإشاعات والأقاويل في اغتيال الشخصيات والمؤسسات.
ولفت الى أن معالجة هذه الظاهرة الخطرة يتطلب ان يكون هنالك بت قضائي بشكل مستعجل في قضايا فساد حقيقية وثابتة، الى جانب ضرورة توفر الشفافية والمعلومة الحقيقية من مصادرها، الأمر الذي من شأنه الحد من ظاهرة الإشاعات والأقاويل، التي بحسبه، كبرت في الفترة الأخيرة وأصبح هنالك عدم تمييز بين الصحيح والحقيقي، وبين الإشاعة والمعلومة غير الصحية.
ولتنفيذ التوجيهات الملكية، يؤكد ضرورة متابعة ومكافحة الفساد بشكل أصولي، بما يحد من ظاهرة الاتهامية واغتيال الشخصيات والمؤسسات.
المفضلات