السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
قال مالك بن دينار -رحمه الله-:
رأيت في البادية في يوم شديد البرد شابًا عليه ثوبان خلقان، وعليه آثار الدعاء وأنوار الإجابة، فعرفته، وكنت قبل ذلك عهدته في البصرة: ذا ثروة، وحسن حال، وكان ذا مال، وآمال.
قال:
فبكيت لما رأيته على تلك الحال، فلما رآني بكى وبدأني بالسلام، وقال لي: يا مالك بن ينار! ما تقول في عبد أبق من مولاه؟ فبكيت لقوله بكاء شديدًا، وقلت له: وهل يستطيع المسكين ذلك؟ البلاد بلاده، والعباد عباده، فأين يهرب؟
فقال:
يا مالك سمعت قارئًا يقرأ: (يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لَا تَخْفَى مِنْكُمْ خَافِيَةٌ). فأحسست في الحال بنار
وقعت بين ضلوعي، فلا تخمد، ولا تهدأ من ذلك اليوم، يا مالك... أتراني أرحم وتطفأ هذه الجمرة من قلبي؟
فقلت له:
أحسن الظن بمولاك، فإنه غفور رحيم، ثم قلت له: إلى أين؟
قال:
إلى مكة شرفها الله تعالى لعلي ممن أكون إذا التجأ إلى الحرم استحق مراعاة الذمم.
قال مالك:
ففارقني ومضى، فتعجبت من وقوع الموعظة منه موقعها، وما تأجج بين جنبيه من نار التيقظ والإنابة، وما حصل عليه من صدق القبول وحسن الاستماع.
المفضلات