الانوار اللبنانية : عبدالله الثاني .. الملك والانسان
2009-11-14
للحاكم غالباً صورتان: الصورة المنحوتة والمشغول عليها بعناية، وما يُضاف اليها من (رتوش) وتحسين وتجميل، وهي التي تظهر للناس والرأي العام الداخلي والخارجي. وهو نوع من الانسياب مع مناخ الحكم، فكيف اذا كان الحاكم ملكاً? والصورة الثانية هي الحقيقية، الحاكم كإنسان، كأب وزوج وعضو في أسرة، ويفرح ويحزن ويقلق ويتوتر، ويحتاج الى وقت لممارسة هواية أو للترفيه عن النفس. ومن المدهش أن يكتشف المرء أن الصورتين العامة والشخصية لملك الأردن عبدالله الثاني متقاربتان جداً، ربما الى درجة التطابق. الصدق والصراحة والشفافية والبساطة الخالية من التعقيد المتعمد، هو ما يميز شخصية العاهل الأردني. وهذه بصورة عامة صفات الشخصية التي تتمتع بالذكاء والتواضيع وحسن التدبير والتقدير، والبعد عن التصنع والافتعال، ومظاهر الفخفخة والتعظيم.
***
لا المهمة ولا الظروف كانت سهلة بالنسبة لعاهل الأردن الذي سيبلغ الثامنة والأربعين من العمر في الثلاثين من كانون الثاني (يناير) 2010، وفي السابع من شباط (فبراير) من هذا العام نفسه ستكون مضت عشر سنوات على توليه العرش الأردني. المهمة والظروف كانت صعبة عليه إن على صعيده الشخصي، أو على صعيد الدولة التي يتولى مسؤولية قيادتها، أو على صعيد المنطقة التي تعصف بها أزمة كارثية تاريخية وبلا حلول مرتقبة في الأفق المنظور. وعلى صعيده الشخصي لم يكن من السهل أنه لم يتبلغ قط أنه سيكون ملكاً منذ وقت طويل كما يحدث عادة في الأنظمة الملكية. ولم يتبلغ بالأمر الا قبل أيام معدودة وأصبح ملكاً بعد أسبوع واحد فقط، مع كل ما يعنيه هذا الانتقال من انتظام الحياة الشخصية بصورة عادية، الى التحمل المفاجئ لقيادة ومسؤوليات شعب ووطن ودولة.
***
يتحدث الملك عبدالله الثاني عاهل الأردن (حديث لـ (الحياة) - غسان شربل) عن قضايا الحكم، وأكثر الأزمات تعقيداً في المنطقة والعالم، بالبساطة نفسها والشفافية ذاتها التي يتحدث فيها عن وضعه العائلي، ومهمات زوجته الملكة رانيا، وأطفاله، وهواياته الشخصية التي تكتسب صفة الهوايات الشبابية: ممارسة الرياضة وقيادة الدراجات النارية! ولا يجد ضيراً من كشف مكنونات صدره حين يُسأَل، فيعترف أنه لا يشارك أحداً في مشاعره حين يحزن أو يغضب لحماية الآخرين من هذه الأحاسيس ومن القلق، ويجد أن دوره هو في إشاعة الأمل والطموح والتحفيز على العمل والانتاج والتقدم. ويرى دوراً مهماً للملكة رانيا في تغيير الصورة النمطية عن المرأة والعرب والمسلمين السائدة في الخارج. ويتصرف كمسؤول عن عائلتيه: الصغيرة التي تضم الزوجة والأولاد فيشاركها في وضعهم في الأسرّة، ويحرص على تناول الطعام الى المائدة معاً... وعائلته الكبرى التي تضم اليوم نحو ستة ملايين نسمة، وكانت في عهد والده الراحل الملك حسين (رحمه الله) لا تزيد عن أربعة ملايين!
***
لا يستغرب المرء إذن كيف نجح العاهل الشاب في جمع عائلتيه على المحبة المتبادلة والتعاطف والولاء.
المفضلات