محمد حسن العمري يكتب لـ"الحقيقة الدولية".. بيان العسكر.. قسّم الموالاة والمعارضة فلا يقسّم الوطن..!
الحقيقة الدولية - عمان
كتب الدكتور محمد حسن العمري مقالا لـ"الحقيقة الدولية" حول بيان السادة المتقاعدين العسكريين، الذي برأيه "شق المعارضة والموالاة على نحو غريب".
وفيما يلي نص مقال د. العمري
لا اعرف من الذي طرق باب المغارة وفتح باب جهنم هذا ، بحوار الوطن البديل وحق العودة والذي اختزل أخره إلى خلاف جوهري على بيان السادة المتقاعدين العسكريين الذي شق المعارضة والموالاة على نحو غريب..!
من كان يعتقد ان موقفا سياسيا ليس فيه حل وسط ، سيجعل ليث شبيلات واحمد عبيدات وخالد محادين في جبهة لا يمكن أن تلتقي مع السادة جبهة العمل الإسلامي التي كانت مشغولة بانتخاباتها الداخلية ، فحماها الظرف من الانزلاق في مهاترة سياسية ، فيما وجد أكثر المعارضين الإعلاميين أنفسهم على مسافة بعيدة من قواعدهم الشعبية ، منحازين إلى بيان السادة المتقاعدين العسكريين ، على نقيض سياسي مع الحكومة التي تغاضت كجبهة العمل الإسلامي عن الخوض في المعركة القائمة لأسباب مختلفة، فيما كان واضحا من مقال دولة الرئيس فيصل الفايز ، ان العسكر مثلهم مثل بقية الشعب يخطئون ويصيبون وليسوا بخط احمر خارج حدود المساءلة..!
الجدل القائم اليوم ، والذي انتهى ببيان السادة العسكر ليس بجديد وعمره قريبا من عام ، منذ حرب غزة التي كان للحكومة الأردنية موقفا ايجابيا من صمود حركة حماس ، واستمر إلى ما بعد ذلك من الاعتراف الضمني عبر الإرساليات الطبية الأردنية التي رأى البعض أنها احتجاج أردني بصورة ورقة ضغط حول ما يتداول في أروقة السياسة "الإسرائيلية"،وبدون موقف صريح من السلطة الفلسطينية، وصار هذا الحوار يفتت النسيج الوطني الذي لم يعد الحديث عنه بالواقع الفاضل او الرومانسي المعتاد، صحيح ان هذا الحوار على الطرف الرسمي ، وعلى صعيد المعارضة الكبرى جبهة العمل الإسلامي يعبر عنه ضمنيا فقط، لكن الموالاة شبه الرسمية منقسمة على نفسها ، شأن المعارضة السياسية الوطنية ، وشأن اليسار الأردني ، والقوميون الجدد اذ يتعسكر موقف كل حسب أصوله في أفق سياسي خطير ولعله الأول في تاريخ الأردن إذ تتأجج مثل هذه النزعات ، لم يكن مألوفا في عهود سابقة شكل فيها زعيم الحزب الاشتراكي سليمان النابلسي حكومة أردنية فيما أسس نايف حواتمة احد اهم الفصائل الفلسطينية المقاومة ،الوضع مضطرب ومتشابك وبدون قواسم مشتركة بين الموالاة نفسها والمعارضة كذلك..!
باعتقادي أن البيان الذي صدر عن الستين من السادة المتقاعدين العسكريين ، ليس هو الأهم اليوم ، وان كان الشرخ الظاهر اليوم بين أكثر أطياف الوطن السياسية قد ظهر معبرا عن هذا البيان ، لكنه ليس بحجم الأهمية التي لُبست له ، فالمتقاعدين العسكريين شأن المتقاعدين المدنيين ، والقانون الذي كان يحضر مثلا على العسكريين المشاركة في الأحزاب والمشاركة في الانتخابات البرلمانية ، كان يسمح لهم بكل هذا في حال تقاعدهم ، وهناك عشرات المتقاعدين العسكريين ممن أصبحوا قادة سياسيين ونواب وحجبوا الثقة عن حكومات كانت المعارضة السياسية المنهجية تمنحهم الثقة ، ليس غريبا أن يختلف ستين متقاعدا عسكريا مع رأي الحكومة أو رأي الشعب ، فهذا شان لا يختلف لو كان البيان قد صدر مثلا عن ستين وزيرا متقاعدا من وزراء جبهة العمل الإسلامي والوزراء القوميين او اليسار ، او حتى وزراء اليمين الذين انتهى دورهم السياسي بتغير الحكومات وتم نسيانهم لان لكل حكومة ( رجالاتها) وأيدلوجياتها وعلاقتها قبل ذلك ، ماذا لو اصدر البيان مثلا ستين وزيرا مرّ على خروجهم من الوزارات اكثر من عشرة سنوات بلا دور سياسي ، كان الأمر سيأخذ نفس الهالة الإعلامية من أن ستين وزيرا خدموا تحت لواء الحكومات الأردنية يختلفون مع أيدلوجية الحكومة الراهنة في مفهومها للوطن البديل والمواطنة وحق العودة ، وهي مفاهيم اليوم يبدو أنها (تتمفصل) بدون حلول وسط. او تأويل وسط.!
مازلنا نعيش على ثري الأردن ، ومازالت فلسطين محتلة ويعيش الفلسطينيون بسبب هذا الاحتلال على ثرى الأردن وهو واقع لا نستطيع تغيره ، فلا تمتلك المعارضة المقسومة على نفسها ولا الموالاة كذلك ان تحرر فلسطين ، ولا يمتلك العالم العربي كله قرارا موحدا بتحرير فلسطين على خطة المائة عام القادمة ، فلا يكون بيان السادة العسكريين الذي انقسمنا جميعا حوله ، طريقا أخر لقسمة الوطن في ظروف لسنا نحن العنصر الرئيس فيها ، ما دامت فلسطين محتلة وكلنا الحلقة الأضعف في معادلة تحركنا ولا نحرك فيها إلا ما يبقي على الحال كما هو..!
المصدر : الحقيقة الدولية – عمان 7.5.2010
المفضلات