من الرعيل الأول: محمد علي العجلوني أحد أبطال الثورة العربية الكبرى
إعداد الدكتور: محمد العناقرة
يعد الحديث عن شخصية محمد علي العجلوني حديثا عن أبرز رجالات الحركة الوطنية العربية في بدايات القرن العشرين حيث كان أحد المشاركين في الثورة العربية الكبرى وقد أبلى بلاء حسناً في ثورة العرب الأحرار الذين رفضوا الظلم والاستبداد وكذلك فقد قاتل وناضل في معركة ميسلون وكان قريباً من الشهيد العربي يوسف العظمة وتقول الروايات بأن الشهيد يوسف العظمة قد استشهد وهو يرتدي معطف صديقه محمد العجلوني.
ولد محمد علي العجلوني في عنجرة أحدى قرى عجلون سنة 1893 وبدأ دراسته في الكتاتيب ثم انتقل إلى المدرسة الحكومية في بلدة عجلون مركز الناحية بعد ذلك ذهب محمد علي العجلوني إلى دمشق لتحصيل العلم بعدها ذهب إلى الأزهر الشريف في القاهرة وبسبب قيام الحرب العالمية الأولى عام 1916 فإنه لم يتمكن من إتمام دراسته في الأزهر الشريف ويبدو أن ذكاء محمد علي العجلوني وتقدمه على أقرانه في الدراسة قد أهّلاه للدراسة في الأستانة (استانبول) عاصمة الدولة العثمانية ليتخصص في العلوم العسكرية ثم ليصبح ضابطا في الجيش العثماني. وعند قيام الثورة العربية الكبرى ثورة العرب الأحرار والتي نادى بها الشريف الحسين بن علي شريف مكة آنذاك وحول ذلك يذكر محمد علي العجلوني في مذكراته فيقول:
"وفي تلك الليلة نفسها نزعت ملابسي العسكرية العثمانية وأبدلتها بأردية رثة مهلهلة كي لا يطمع بي قطاع الطرق.. واصطحبت شاباً من بني حسن اسمه (مطر) وبدأت رحلتي متنكراً بهذا الزي قاصداً أقرب ميادين الثورة في جنوب الأردن.. فمررنا بعمان وخرجنا منها برفقة رجل من عشيرة الخرشان يمتهن بيع الملح في سوق عمان وواصلنا السير معاً مشاة إلى شرق قصر المشتى حتى استقبلتنا الصحراء .. واستقبلناها وهي الأم الرؤوم .. فتنفست الصعداء وشعرت بالاطمئنان الكامل ونزلنا ضيفين في خيمة هذا الرجل المرقعة ، فقدم إلينا طعام العشاء وهو عبارة عن قطعتي خبز جاف مع الماء. وعلمنا منه ومن بعض جيرانه أن الشيخ مفلح القمعان أحد شيوخ بني صخر ذهب إلى الجنوب وقابل الأمير فيصل بن الحسين وأن بعض الشيوخ يقصدونه في مضاربه للتشاور معه. وعزمت على الذهاب إلى منازل عشائر الزين لاستوثق من تلك الإشاعات ولعلني أستنير في طريقي بضوء معلوماته. ومما يجدر ذكره أنه عندما التحق محمد علي العجلوني بالثورة العربية الكبرى اعتبرته حكومة الاتحاد والترقي فاراً من الخدمة وحكمت عليه بالإعدام.
وقد كان محمد علي العجلوني أحد أول عشرة مقاتلين ينالون وسام معان وهو أول وسام في الثورة العربية الكبرى. لقد كان محمد علي العجلوني من المقاتلين المقربين من الأمير فيصل وعندما تحقق النصر ودخلت القوات العربية إلى دمشق وتم مبايعة الأمير فيصل ملكاً عليها قام الملك حينها بتعيين محمد علي العجلوني رئيساً للحرس الخاص وهذا يدل على عظيم الثقة التي حظي بها العجلوني عند الملك فيصل.
وعندما قامت معركة ميسلون خاض غمارها محمد علي العجلوني مع القائد الحربي يوسف العظمة ومما جاء في مذكرات العجلوني حول معركة ميسلون قال: وعند بزوع الفجر وصلنا ميسلون واحتللنا الخنادق المحصنة تحصيناً فنياً. فوزعت الجنود على خطوط ثلاثة... وعينت أماكن المدفعية الرشاشة ، وجعلت المتطوعين يحتلون المواقع بين الفئات النظامية على أبعاد متقاربة. وعند طلوع الشمس دوت المدفعية إيذاناً ببدء المعركة وجاء يوسف العظمة وطلب مني أن يأخذ معطفي العسكري وبعد أن ارتداه قال سامحني به وكرر كلمة الوداع وعيناه حمراوان. واشتد قصف المدفعية وبدأت معركة المشاة وأخذت الدبابات تزحف في الطريق العام ومن ورائها كتائب الفرسان ونهاية المعركة غير المتكافئة معروفة حيث استشهد القائد العربي السوري يوسف العظمة واحتل المستعمرون الفرنسيون دمشق وقضوا على الحكومة العربية بزعامة الملك فيصل بن الحسين بن علي بعدها عاد محمد علي العجلوني إلى شرقي الأردن والتحق بالأمير عبد الله بن الحسين في معان حيث باشر الملك المؤسس بتأسيس إمارة شرق الأردن عام 1921 ليأتي محمد علي العجلوني قائداً للدرك في البلقاء وقد قدم كل ما لديه من أجل المساهمة في بناء الدولة رغم الظروف الصعبة التي كانت قائمة في ذلك الوقت.
ثم انخرط في الجيش العربي الأردني وتدرج في سلم الترقيات والترفيعات وتسلم أرفع المناصب العسكرية فلقد وصل إلى منصب مساعد قائد الجيش. وبعد تقاعده من العمل العسكري توجه العجلوني إلى الخدمة المدنية حيث شغل مناصب دبلوماسية عديدة وكان له تجارب حزبية بتوجهات قومية وعربية وفي عهد الملك طلال بن عبد الله عين العجلوني وزيراً للداخلية بعدها تم اختياره كعضو في مجلس الأعيان الأردني.
هذا ويسجل للمرحوم محمد علي العجلوني موقفه المشرًّف حيث أنه كان قد استقال من الخدمة في إمارة شرقي الأردن عام 1937 ليتوجه إلى سوريا ليشارك في شراء السلاح وإيصاله إلى الثوار في فلسطين. وتقول الرواية بأن المغفورر له باذن الله الملك عبد الله الاول بن الحسين عرض على القائد محمد على العجلوني تشكيل حكومة تخلف حكومة الرئيس توفيق أبو الهدي المستقيلة في 12 ـ 4 ـ 1950 ولكن العجلوني اعتذر للملك الراحل ورشح صديقه سعيد المفتي لتشكيل الحكومة.
وهكذا فقد عاش محمد علي العجلوني حياة كان فيها نموذجاً للفارس العربي الشجاع الحريص على وطنه وكرامة أمته قدم كل ما لديه في ميادين القتال ليدافع عن وطنه وأمته ودينة لتحرير البلاد العربية من الظلم الاستبداد ولإعادة الحقوق والحريات لأصحابها ليتم تصنيفه بحق بأنه مجاهد عربي كبير. فالأرض الأردنية تنجب الرجالات الكبار بأفعالهم وانجازاتهم التي عرفوا بها وبوطنيتهم المطلقة الحقة. عاشوا أوفياء مخلصين مدافعين عن بلادهم مقدمين الغالي والنفيس لدحر الظلم والاستبداد رحم الله محمد علي العجلوني واسكنه فسيح جناته
المفضلات