رفض المفكر التونسي الدكتور أبو يعرب المرزوقي اعتبار التصوف علاجا لأزمة المسلمين، باعتباره تكريسا لسلطة الاستسلام والخنوع لحساب القطب، متنافيا مع رسالة الإنسان كما ذكرها القرآن في استعمار الأرض واستخلافه عليها.
وقال المرزوقي في محاضرة نظمتها هيئة أبو ظبي للثقافة والتراث بعنوان "التصوف وأزمة الإنسان المعاصر" استنادا إلى رأي ابن خلدون، بأن للتصوف وجهين: أولهما مقبول شرعا والآخر يتنافى مع الشريعة.
ويوضح أن المستوى الأول من التصوف الذي يحدث فيه مجاهدة التقوى ومراعاة أحكام الله ومجاهدة الضمير والاستقامة، بحيث لا تتحول الشريعة إلى نفاق لمجرد تطبيق الشعائر دون أن يلازمه الشعور القلبي الحقيقي، هو المستوى المقبول في التصوف.
غير أن تحول الاستقامة إلى التقية لتصبح نوعا من ادعاء الولاية التي تؤدي إلى الوساطة بين المسلمين وربهم، غير مقبول.
ورأى المرزوقي أن مشكلة التصوف ليس في الإدراك الشخصي للمتصوف لذاته مهما اتسم بالمبالغة، وإنما في تحول هذا الإدراك إلى نوع من السلطان على ضمائر الآخرين، واتخاذه وسيطا بينهم وبين ربهم، مما يدفعهم للاستسلام والتخلي عن كل عمل والتفرغ فقط للعبادة، وهو ما يتنافى مع روح الإسلام.
أزمة المعاصرة
وانتقل المفكر التونسي للحديث عن مفهوم المعاصرة، موضحا أن هناك نوعين من المعاصرة الفعلية والانفعالية: الأولى عندما يعاصر الإنسان ذاته من خلال المطابقة بينه وبين منتوجه، والأخرى تحدث للآخرين باتباع المعاصر لذاته واتخاذه مثلا عليهم الاقتداء به، وهي ما يعرف بمصطلح "العولمة" في سياقها العالمي.
وردا على سؤال "هل الإنسان المعاصر في أزمة بالفعل؟"، أجاب المرزوقي أن المعاصرة هي الأزمة في حد ذاتها، موضحا أنها تعني بالنسبة للإنسان الغربي أن زمانية الفلك والتاريخ متطابقان، وأنه يمكن وضع الحضارات على سلسلة يكون فيها التوالي مفاضلة، بحيث تكون الأمم المتوالية أفضل من السابقة.
وأكد المرزوقي كذب هذا الادعاء، مدللا على قوله بأن الأوروبيين في القرن السابع عشر صاروا مثل العرب في القرن الثاني عشر من حيث الوعي العلمي، وبالتالي فهناك زمانيات مختلفة للحضارات.
ورأى أنه لا يوجد في عالمنا العربي الآن متكلم يضاهي الغزالي في علمه، مؤكدا أننا قد نكون أكثر معرفة منه من حيث "المعرفة بالرواية"، ولكنه أفضل منا "دراية"، لأنه كان ينتمي لنوع من البنية الاجتماعية والثقافية والحضارية تدفع للإبداع، وهو ما يتنافى مع واقعنا المكرس للاتباع.
ووصف المرزوقي الحداثة بأنها نوع من التصوف الدنيوي، وأن معبودة الدنيا ومنظومته التي تسير العالم هي الاقتصاد المالي، وجعلت الإنسان يحول كل مستقبله إلى ماضٍ، فهو يتعامل بالقروض، ثم يعيش حاضره في ماضيه في شكل تسديد لهذه القروض، فأصبح الجميع رهائن لبيع المستقبل من أجل سعادة وهمية.
دعوة للإبداع
ودعا المفكر التونسي المسلمين إلى ضرورة إبداع حلول للمستقبل وليس محاكاة الآخرين المعاصرين لذاتهم، وشبههم في ذلك بمن ينزع عنه كسوة ميتة بكسوة أخرى ميتة، أو بمن يحرص على شراء أحدث الموديلات من السيارات ولكنه لن ينتج أبدا سيارة.
وأكد أن سلطان الفقهاء غير شرعي، ونتج عن فساد حصل في السلطة التشريعية في الحضارة الإسلامية فاستبد بها إما الفقهاء أو السلاطين، مضيفا أن علاجه سياسي فكري وليس بتغيير نظرية الإسلام للوجود أو اللجوء إلى التصوف.
المصدر: الجزيرة
المفضلات