[align=center]
~*¤ô§ô¤*~*** أُمّ ........ !!! ***~*¤ô§ô¤*~
كنتِ واقفةً على الشرفةِ لحظة الغروب حين قرر أصدقائي فجأة شرب الشاي هناك حيث أنتِ... إلى هنا والأمر عادي، لولا أنك كنتِ تقفين على قدمٍ واحدة، وقد أغمضتِ عينيك ورفعت يديك أمام الأفق، ولما انتبهتِ إلينا، ضحكتِ ببساطة وقلتِ إنك تمارسين طقس الوداع ليومٍ جميل... وتشكرين الشمس! صدقيني، لم أرفع عيني في وجوه أصحابي يومها طيلة الأمسية...
وكنتِ تصرين على ممارسة الهرولة كل صباح في الشارع الذي يقطن فيه أحد أصدقائي، والمشكلة هي أني ما توقفت يوماً عن مقارنتك بأمه هو، فقد كانت سيدةً ممتلئة، هادئة، بكفين دافئتين... ولم أرها يوماً خارج المطبخ، كانت تقضي أوقاتها بإعدادِ أصناف الطعام والدعاء المتواصل لابنها ولي ولكلِّ شباب الأرض! وكنت أرغب في كلِّ مرّةٍ ألقاها فيها، أن أضع رأسي على كتفها وأبكي قليلاً...
أمّا أنتِ، فكلّما دخلت المطبخ للطهو، كان يرتفع صوتكِ بالغناء، سألناك مرّةً فقلتِ : إنّ جوّ المطبخِ يثير السأم والغناء يطرده لكن لم تكوني لتكملي أغنيةً واحدة، بل كنتِ تتنقّلين بين مقاطع عديدةٍ، وتخلطين القديم بالحديث والحابل بالنابل... وسامحيني إن اعترفت أني كنت أقفل النوافذ حرصاً على هيبتي بين شباب الحي! كانت عاداتكِ تستفزني، مثلاً، كنتِ تستمتعين بإجراء حوارٍ طويل مع عامل النظافة في شارعنا... لماذا لم يكمل تعليمه ؟ ماذا يعمل والده ؟ ماهو لونه المفضّل ؟ ما هي أحلامه ؟ وغير ذلك من الترهات التي كنتُ أسمعها صدفةً ولا أعلم حتّى الآن ماذا كان انطباعه عنك ؟ والأهم، ماذا كان انطباعه عنّي أنا ؟! كنتِ مزاجية، تلتهمين الكتب أحياناً وتمرُّ أسابيع دون أن أرى بين يديك كتاباً لأضبطك فجأةً تقرئين مجلّةً تافهة، ولم تلوميني يوماً على ندرة مطالعتي، لكنك كنتِ تصرين على نقلِ كل المعلومات التي تحصلين عليها إليّ... ولا أخفيك أنّك فتحتِ شهيّتي على قراءةِ بعض الكتب من حينٍ لآخر.
وكنت أعدُّكِ إمرأةً عاقلة، على الأقل بحكم العمر، لكنني كنت أتفاجأ أنّكِ تبكين لأتفه الأسباب، وكان آخرها فيلمٌ وثائقي عرضه التلفزيون عن معاناةِ الدببة في القطب الجنوبي بسبب الاحتباس الحراري، بكيتِ يومها بحرقةٍ شديدة، ولم أفهم كيف كان يجب أن أواسيكِ... وقفتُ حائراً أمام دموعك، تماماً كما بقيت حائراً أمام غنائك وتأمُّلاتك وكلِّ أسلوبِ حياتِك... كنتُ أتمنّى في سرّي لو كنت إنسانةً مختلفة، أمّاً عاديّة... طبيعيّة... من ذلك النوع الذي ألتقيه في بيوتِ أصحابي.
ذات صباح، تأخّرتِ في الاستيقاظ، كنتُ خارجاً إلى الجامعة حين شئت الاطمئنان عليكِ، ناديتكِ فلم تجيبي... وبقيتُ أنادي... وأنادي... وما زلت أنادي...
أمّي، عشتِ بصخب... لكنّك رحلتِ بصمت... والآن أعلم، الآن فقط أعلم كم أفتقدُكِ، وأعترفُ بأني لم أرد لنفسي أمّاً سواك، وأستميحكِ عذراً أني لم أكن بقدرِ جموحِكِ، ولا بقدر ما تستحقّينه من فهمٍ!
المصدر
جريدة
الرأي الاردنية
[/align]
المفضلات