استنفار اسرائيلي سري تحسباً لرحيل الرئيس المصري خلال بضعة اشهر
فيما كان مجلس الوزراء الإسرائيلي مجتمعا في جلسة عادية يوم 25 تموز الماضي، دخل إلى الاجتماع مائير دجان رئيس المؤسسة المركزية للاستخبارات والمهمات الخاصة "الموساد" ليضع بين يدي رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو تقريرا كتب عليه "سري للغاية وهام جدا عاجل"•
ما إن وقع بصر نتنياهو على عنوان التقرير حتى تبدت على وجهه علامات القلق والانزعاج، ثم طلب تأجيل الجلسة لمدة ثلاث ساعات• وغادر مكان الاجتماع إلى مكان الاستراحة، حيث استدعى على الفور وزير الدفاع إيهود باراك، ووزير الخارجية أفيجدور ليبرمان، ومستشاره للأمن القومي عوزي آراد، ثم مائير دجان رئيس الموساد•
نتنياهو انكب على دراسة محتوى هذا التقرير الخطير الذي أعده الموساد عن تردي صحة الرئيس حسني مبارك، وعن تحديد أجل مسمى لوفاته يتراوح ما بين ستة إلى تسعة أشهر أي قبل انتخابات الرئاسة المقررة في أيلول عام 2011•
وبينما كان نتنياهو ينكب على دراسة تقرير الموساد، راح يتفوه تلقائياً ببعض العبارات، مثل: هذا لا يصدق، ليس هذا معقولا؟ جلست معه في شرم الشيخ، وتجاذبنا الحديث لأكثر من ثلاث ساعات ورأيته متماسكا، ونشطا• لكن نتنياهو سرعان ما توقف عن طرح الأسئلة على نفسه ليطرح أول سؤال على رئيس
ا
لموساد مائير دجان، الذي لم يعد يكن له اي تقدير على خلفية سلسلة الإخفاقات: كيف يمكن تفسير هذه المعلومات التي تتحدث عن قرب وفاة الرئيس المصري بسبب مرض السرطان وقد شاهدت بأم عيني أنه يتمتع بصحة جيدة؟؟ مائير دجان حرص في إجابته على السؤال أن يتحرى الدقة، حتى لا يجلب لنفسه مزيدا من المتاعب بعد أن اتخذ نتنياهو قرارا باستبداله في نهاية هذا العام، ولهذا فقد تضمنت اجابته المعطيات المحددة التالية: 1- المعلومات الواردة في التقرير هي معلومات طازجة ومأخوذة من عدة مصادر مصرية قريبة أو متداخلة في مؤسسة الرئاسة، وفي المؤسسة الأمنية، المخابرات العامة، والمخابرات الحربية، وكذلك من أوساط النخب المصرية السياسية والاقتصادية والأكاديمية• وقد تولت جمع هذه المعلومات عدة مصادر أمنية إسرائيلية لضمان أعلى درجة من المصداقية والموثوقية، وقراءة وتحليل هذه المعلومات للوصول إلى تشخيص دقيق لحالة الرئيس المصري المرضية • 2- تم الحصول على مجموعة من التقارير الطبية عن صحة الرئيس المصري من داخل مصر، ومن ألمانيا، ومن إيطاليا وفرنسا، وعرضت على فريق طبي تشكل خصيصا في الموساد لمقارنة هذه التقارير مع بعضها البعض، والوصول إلى تشخيص دقيق ومتطابق يرسم
صورة واضحة لصحة الرئيس مبارك• 3- هذه التقارير تطابقت مع تقارير عدة أجهزة استخبارات صديقة في الولايات المتحدة وفرنسا وألمانيا وبريطانيا وإيطاليا• وكلها أجمعت على خطورة صحة الرئيس المصري واكدت أنه لن يعمر أكثر من تسعة إلى عشرة أشهر•
4- إن الرئيس المصري وبتدخل المقربين إليه ولتطويق واحتواء أية تداعيات، يتعاطى مواد كيماوية منشطة تساعد على اليقظة والحيوية حتى إنه يبدو في كامل حيويته، ولكن لساعات قليلة بغرض الظهور أمام الرأي العام المصري في التلفزة وفي وسائل الإعلام واستقبال الضيوف وممارسة مهامه العادية•
5- في ضوء هذه التقارير، تقرر استنفار الأجهزة الاستخبارية في الولايات المتحدة وفرنسا وألمانيا وبريطانيا وإيطاليا لملاحقة الوضع الصحي للرئيس المصري، ثم الأوضاع داخل مصر، وإطلاق جرس الإنذار لتكون هذه الدول جاهزة لمواجهة جميع الاحتمالات بما فيها الأسوأ• قرار بالتأهب السياسي والأمني ما ان صمت دجان حتى تناول الحديث وزير الدفاع إيهود باراك الذي طرح في البداية هذه التساؤلات•• 1- كيف ستؤثر وفاة مبارك على العلاقات بين إسرائيل ومصر وعلى اتفاقية السلام المبرمة عام 1979؟ 2- كيف ستؤثر أية تحولات مفاجئة ودراماتيكية داخل مصر مثل
حدوث انقلاب عسكري، أو سيطرة جماعات متشددة على السلطة أو اجتياح مصر موجة اضطرابات وفوضى، على ميزان القوى في المنطقة ؟
3- ماذا يجب على إسرائيل أن تتخذ لمواجهة الموقف من اجراءات منذ الآن، أي قبل وقوع الفعل؟ نتنياهو الذي كان يستمع باهتمام، طالب باراك بطرح اجابات وليس تساؤلات، باعتباره المعني الاول بهذا الموضوع، ومن هنا قال باراك ان لديهم في وزارة الدفاع سلسلة من التصورات والفرضيات ابرزها : 1- في كل الأحوال لا يجوز أن تقف إسرائيل متفرجة، بل يجب أن تكون هي المبادرة منذ الآن في توليد سياقات بدعم الاستمرارية في السياسة المصرية إزاء إسرائيل بوجود مبارك أو عدم وجوده، ويجب أن لا تتل ئيل في دعم الخيارات المفضلة لديها: التوريث لجمال مبارك ليحل محل والده، أو اللواء عمر سليمان الذي يعتبر صديقا لإسرائيل وشريكا لها في العديد من المجالات والمقاربات•
2 - ضرورة أن تتخذ إسرائيل إجراءات استباقية لمواجهة جميع الاحتمالات أو المفاجآت غير السارة، بما في ذلك الإعلان عن استنفار عسكري محدود على الحدود الإسرائيلية المصرية، وإعادة تفعيل الفيلق الجنوبي، وتعبئته بشريا ولوجستيا ليكون مستعدا لأداء أية مهام تناط به لمواجهة الوضع المصري• 3- إذا ما
جنحت الأوضاع داخل مصر نحو تهديد أمن إسرائيل وتشكيل خطورة على هذا الأمن، فإن على إسرائيل أن تكون مستعدة للتدخل حتى لو اضطرت إلى العودة إلى مناطق هامة في سيناء•
وذهب باراك في معرض إجابته إلى أن إسرائيل كثفت من اتصالاتها مع الإدارة الأمريكية، ومع وزارة الدفاع، ومستشار الأمن القومي، ومع وكالة الاستخبارات المركزية، ومع وزارة الخارجية، ومع البيت الأبيض لوضع خطة مشتركة لاحتواء أية تداعيات خطيرة قد تنجم عن وفاة الرئيس المصري•
استخفاف ليبرمان بموضوع الوفاة اقتصر تدخل وزير الخارجية ليبرمان خلال هذه الجلسة المغلقة والخاصة على إبداء الاستخفاف بما طرحه باراك عن المخاطر التي قد تنجم عن وفاة مبارك•
حيث قال صراحة : إن وجود مبارك أو عدم وجوده سيان في نظره، لأن من سيخلف مبارك لن يقدم على أي مساس بالسياسة المصرية حيال إسرائيل، وادعى أن هذه السياسة تمليها عدة عوامل لا تستطيع أية قيادة مصرية أن تتجاهلها: 1- قوة إسرائيل الرادعة التي لن تسمح بعودة الأوضاع إلى سابق عهدها فيما يتعلق بالعلاقات مع إسرائيل، فاسرائيل تقف مستعدة وهي لن تحتاج إلا بضع ساعات لتجد نفسها عند الممرات في المثلا والجدي، وهذا منصوص عليه في اتفاقيات كامب ديفيد عام 1979
• 2- قوة النفوذ والتأثير الأمريكي في مصر، التي لن تسمح بحدوث أية تحولات هيكلية، وهي قوة تستند إلى مفاعيل اقتصادية وعسكرية وسياسية وثقافية•
الخلاصة: انطلاقا من هذا التقرير وما تضمنه من تفصيلات ومعطيات حول قرب وفاة مبارك حتى ولو طالت بضعة أشهر، فإن إسرائيل قد بدأت فعلا تشعل ضوءاً أحمر في دوائر صنع القرار، كما تفعل دول أخرى مثل الولايات المتحدة وفرنسا وألمانيا وبريطانيا•
الجدير بالذكر أن الرئيس المصري كان قد طلب من نتنياهو أن يتدخل لكي تكف وسائل الإعلام الإسرائيلية والدوائر الرسمية عن الحديث عن تدهور صحته، لأن ذلك سيقوض الوضع في مصر، وقد وعد نتنياهو بأن يحترم هذه الرغبة، لكن تدخله سيكون محدودا، لأنه لا يستطيع السيطرة على وسائل الإعلام الإسرائيلية، ولكنه أبلغ مبارك أن مصلحة إسرائيل تقتضي أن يكون الرئيس القادم هو نجل مبارك، وأنها تفضل جمال، حتى تجنب مصر حالة من عدم الاستقرار والفوضى
المفضلات