يخطئ بعض الذين يحترفون التحليل السياسي وهم لا يمتلكون ادواته اصلاً عندما يلجأون الى منهج الاسقاط والانتقائية في قراءاتهم للاحداث السياسية المتلاحقة في المنطقة وبالتالي فهم يقعون في مربع التعميم الذي لا يسعفهم في شيء بل إن استنتاجاتهم تبدو في النهاية ساذجة ومقطوعة عن الواقع وربما هي تكشف ما في مكنوناتهم اكثر مما تعكس حقائق ميدانية على الارض يمكن لكل مدقق ومتابع ان يلحظها دونما عناء.
الاردن في منطقة مشتعلة يشكل عنصر توازن وقبل كل شيء واحة أمن واستقرار ولهذا فإن محاولات زجه في آتون الصراعات ذات الطابع التآمري لا تنفع اصحابها نظراً لما يتوفر عليه شعبه من وعي وما تتمتع به قيادته من حكمة وبعد نظر واعتدال وتفاعل مباشر مع ابناء شعبها ونفورها من العنف واراقة الدماء واي حلول أمنية ولجوئها باستمرار الى الحوار كمنهج ثابت في المشهد الاردني على رغم كل محاولات التأزيم والافتعال والانفعال وتصدير الازمات التي ترغب بها عواصم ومنظمات وتنظيمات في المنطقة وفي خارجها.
من هنا فإن ما هو عليه الاردن الان من حيوية وانتاجية ودور سياسي ودورة اقتصادية ذات طابع اصلاحي يسير في الاصلاح السياسي بموازاة الاصلاح الاقتصادي وكل ما يؤول في النهاية الى تنمية وتوزيع عادل للثروات ومشاركة شعبية في القرارات ونشاط حزبي وسياسي يفضي الى حكومات برلمانية في اطار دولة قانون وعدالة اجتماعية واحترام لحقوق الانسان ومكافحة جادة للفساد واي شكل من اشكال الترهل واللامبالاة, كلها كفيلة بإحداث نقلة نوعية في الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية الاردنية التي تشكل في راهنها انموذجا في الابداع والريادة والعزيمة وصلابة الارادات التي استطاعت ان تنجز خلال عقود قليلة ما عجزت عنه دول وشعوب اخرى رغم ما توفر لها من امكانات وموارد, فيما يفتقر الاردن الى مثل هذه الامكانات والموارد اللهم إلاّ في ثروته المتعاظمة التي يراهن عليها باستمرار وهي ثروته البشرية, التي سطرت انموذجاً في المنطقة بأسرها والتي انعكست في ارتفاع مستوى التعليم والصحة والمواصلات والاتصالات والانتاج القادر على المنافسة وارتفاعاً في مستوى المعيشة مكن ابناءه من قضاء عطلاتهم الموسمية او في الاعياد, بضروب من السياحة الداخلية أو الخارجية على مدار السنة.
زد على ذلك ما يتمتع به بلدنا من أمن واستقرار وما تجلبه عليه دبلوماسيته المعتدلة والملتزمة بالحقوق العربية والشرعية الدولية من ثقة واحترام ومصداقية على المستويين الاقليمي والدولي وفي استعداده لمد يد العون الى اشقائه في الملمات وفي المصائب التي تلحق بهم نتيجة الكوارث الطبيعية او الازمات الداخلية التي تعصف باستقرار بلادهم وتجبرهم على اللجوء كما هو حادث الان في سوريا وكما حدث في بلاد عربية اخرى في الماضي القريب.
لا يقف الاردن ولم يقف ذات يوم, على مفترق طرق بل كانت طريقه معروفة ومحددة ولم يقع في خطأ التقدير أو المجازفات كما لم يقبل ذات يوم ان ينقل الاخرون ازماتهم الى ارضه أو يحولونه الى ساحة صراع او حديقة خلفية لهم, وكان الاردن على الدوام محافظاً على نهجه ورافضاً أي محاولة للمّس بسيادته أو زجه في لعبة المحاور والصراعات الاقليمية أو الدولية وكل هذا ما كان ليتم لولا صلابة الاردنيين ووعيهم وحكمة قيادتهم وفرادة العلاقة التي تجمع بين القيادة والشعب والتي مكنته من أن يبقى على الدوام موئلا للاحرار وبيتا دافئاً لكل العرب..
حمى الله الاردن
المفضلات