هي ليست صديقة بالمعنى الحرفي للصداقة، ولكن لنقل إن بيننا ودا متبادلا من نوع ما، فهي أجنبية تزوجت حديثا من أردني، ومعرفتي بها بدأت بسؤال صغير وجهته لي وبدا بسيطا للوهلة الأولى، لكنه ورطني في موقف لا أحسد عليه.
أما السؤال فكان عن أفضل محل لبيع الأحذية النسائية، لأنها كما تقول سئمت ارتداء الأحذية الرياضية في مشاويرها وتحتاج لحذاء شبه رسمي لبعض جولاتها الاستطلاعية التي تجريها من باب التعرف إلى مجتمع الزوج العزيز، فأجبتها بفخر أن عمان متخمة بمحلات بيع الأحذية النسائية وبأسعار متفاوتة، وتمتلئ بكل الموديلات والأشكال والألوان.
هنا ابتسمت لتقول: ولكنها أحذية لم تصنع للمشي . . فهي جميلة، نعم، لكنها لا تصلح أبدا للغرض الذي صنعت من أجله وهو المشي، مجرد المشي! وأربكني التعليق المفاجئ، فلم يخطر ببالي يوما أننا النساء أو حتى الرجال نبتاع الأحذية للمشي، واكتشفت أننا نقتني الأحذية لألف غرض وسبب قد يكون آخرها غرض المشي . . هذا الذي يبدو أنه امتحان عسير للأحذية التي نبتاعها . . جربوا! صحوت أخيرا على صوتها وهي تسرد معاناتها مع بعض أطفال العائلة حين اصطحبتهم ذات أمسية في جولة على الأقدام داخل العاصمة وفي شوارعها الأنيقة، وكيف فوجئت بهم يطلبون استعمال الحمام . . فبدأت بالبحث المضني عن حمام، ثم لتتجه للمواطنين بالسؤال، وتقول إن الكثيرين منهم كانوا يكتفون بالابتسام . . وبعضهم اكتفى بهز رأسه بأسى . . ولم تعلم ما الذي يدعو للابتسام في موقف حرج كالذي عاشته هذا وإن احترمت جدا أولئك الذين هزوا رؤوسهم بأسى! المهم أنها حلت المشكلة أخيرا بالاهتداء إلى أحد الفنادق من فئة الخمس النجوم! فسألتني عما نفعله عادة في هذه الحالة، وهل نعود توا إلى بيوتنا مثلا، أو نحل المشكلة في الهواء الطلق ؟ فوجدتني ابتسم لأن فكرة فندق الخمس نجوم أعجبتني جدا!.
وانتقلت بالحديث إلى بعض المواقف العائلية التي تحتار في مواجهتها، وتقول إنها اكتشفت وجها آخر في زوجها لم تعرفه هناك حيث تعرفت إليه في بلدها كزميل لها في الجامعة نفسها، لكنها حسب قولها تعاني الآن من مشكلة التكيف مع عادات هذا المجتمع التي لا تفهمها، وتعاني أكثر من صعوبة فهم الوجه الآخر للشباب الشرقي الذي يتلقى علومه في الخارج فهي تقول إنها تعيش وزوجها في شقة صغيرة بغرفة نوم واحدة وصالة جلوس هي صالة استقبال في الوقت نفسه.
وتفاجأ أحيانا كثيرة بمعارفه يطرقون الباب دون سابق موعد، وتفاجأ أكثر بزوجها حين يطلب منها الانسحاب إلى المطبخ أو غرفة النوم حتى يغادروا، وغالبا ما تطول الزيارة وتحلو الجلسة فيما تكتفي هي بذرع الغرفة أو المطبخ ذهابا وإيابا تحت وطأة الشعور بالاختناق . . وتعلق قائلة: هل تعدون الزائرين الرجال مخلوقات من كوكب آخر هنا، خطر لي أن أتذرع بصداع مفاجئ، ثم خطر لي أن أدافع باستماتة بنت البلد عن كل المظاهر التي استوقفتها، وأن أضع لها - مع بعض التلاعب بالألفاظ والمنطق - مبررات عقلانية وفي منتهى المنطق!
ثم تذكرت مقولة إن أفضل وسائل الدفاع هي الهجوم، فخطر لي أن أتجاهل كل تعليقاتها وأتجاوزها فأفتعل بمنتهى المكر سؤالا يبدو تافها وأنطلق منه إلى الشجب والتنديد بحرية المرأة الغربية، أو بالأحرى انفلاتها، وبالانحلال الأخلاقي الذي تعيشه المرأة الغربية . . وغيره من الكلام الكبير العظيم الطويل العريض . . فأرش بالنار من رشنا بالماء!
لكني آثرت التذرع بالصداع . . فاعتذرت منها بلباقة وقمت لأغادرها تحت وطأة شعور مؤلم بصداع حقيقي!
د.لانا مامكغ
المفضلات