الدكتور جمال ماضى أبو العزائم رئيس الاتحاد العالمى للصحة النفسية سابقاً .. مصري
يقول الدكتور جمال ماضي –رحمه الله-عن الجهاز العصبي ونشأته؟
نشأة الجهاز العصبي وإعجازه العلمي:
إن علم الأجنة يوضح أن الإنسان فى أيام حياته الأولى، ولما يبلغ طوله ثلاث سنتيمترات، تبدأ طبقة الجلد عند الظهر فى الانغماس، على شكل تجويف، ثم يزداد انغماسها وتنفصل عن الجلد، وتصبح على شكل أنبوب يمتد بطول الظهر تحت الجلد، وِفق ما هو معروف بأن الجهاز العصبي ينشأ من الجلد، وهما نسيج واحد، وعند العنق بالذات تبدأ هذه الطبقة التي انفصلت من الجلد فى التكاثر من الأمام، ومن الوسط، ومن الخلف، فيتكون من الجزء الأمامي فصا المخ، ومن الوسط يتكون المخ المتوسط، ومن الخلف يتكون النخاع الشوكي الذي يسكن فى فقرات العنق ويغذي أطراف الجسم كلها،
وفصا المخ عند تمام نموهما يحتويان على مائة بليون خلية عصبية، ومن تجمع بعض أطراف الخلايا، يتكون اثنا عشر زوجاً من أعصاب الجمجمة تغذي الرأس، وتتصل بالجهاز الدوري، بما فيه من القلب والجهاز التنفسي، وفى داخل المخ تتكون مراكز الحركة والإحساس والذاكرة، وهي التي تسجل أحداث الحياة وتحتفظ بها، بعد أن تصل إليها المعلومات من أعضاء التصنت المثبتة على جانبي الرأس، وهما العينان والأذنان والشفتان واللسان، وحولهم الجلد الذي يغطي المنطقة كلها، وهذا ما قال به علم التشريح وعلم الأجنة وهى علوم البشر.
أما إعجاز الخلق كله، فقد تحدث به رب العزة سبحانه فى محكم آياته من سورة الحج، وسورة المؤمنون، وسورة غافر.
إذ يقول سبحانه فى سورة الحج:
{يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِن كُنتُمْ فى رَيْبٍ مِّنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن تُرَابٍ ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِن مُّضْغَةٍ مُّخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ
مُخَلَّقَةٍ لِّنُبَيِّنَ لَكُمْ وَنُقِرُّ فى الْأَرْحَامِ مَا نَشَاء إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلاً ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ وَمِنكُم مَّن يُتَوَفَّى وَمِنكُم مَّن يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْلَا يَعْلَمَ مِن بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئاً وَتَرَى الْأَرْضَ هَامِدَةً فَإِذَا أَنزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاء اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنبَتَتْ مِن
كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ {5}} {الحج : 5}.
ويقول سبحانه من سورة المؤمنون:
{وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ مِن سُلَالَةٍ مِّن طِينٍ {12} ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فى قَرَارٍ مَّكِينٍ {13} ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَاماً فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْماً ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقاً آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ{14}}
{لمؤمنون 12: 14}.
ويقول سبحانه من سورة غافر:
{هُوَ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن تُرَابٍ ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ يُخْرِجُكُمْ طِفْلاً ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ ثُمَّ لِتَكُونُوا شُيُوخاً وَمِنكُم مَّن يُتَوَفَّى مِن قَبْلُ وَلِتَبْلُغُوا أَجَلاً مُّسَمًّى وَلَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ{67}} {غافر: 67}.
وإذا كان هذا إعجاز الخالق سبحانه، وهو يحدثنا عن بداية خلق الإنسان، فإن مكونات هذا الخلق غاية فى الإعجاز
الذي قد لا يحيط ببعض أسراره إلا العلماء والأطباء. والجهاز العصبي من مكونات هذا الخلق، وهو الذي يهيمن ويسيطر على أجهزة الجسم كلها ، ومن الإعجاز أن الذي يسير هذا الجهاز كله، ويزيد من قوة فاعليته، هي الخلية العصبية التي يتكون منها، وهي تتعدى البلايين فى عددها.
والخلية العصبية إعجازها خارق، وحتى يتبين لنا ذلك فلا أقل من أن نعرف مكوناتها وكيف تعمل؟،.
الخلية العصبية وإعجازها الخارق:
والخلية العصبية فى صغر حجمها لا يمكن رؤيتها بالعين المجردة، فهي أجزاء قليلة من المائة من الملليمتر، وتتكون من البروتوبلازم، وهو سائل بروتيني مائي به أملاح الصوديوم والبوتاسيوم والكالسيوم والمنجنيز، وفى وسط الخلية توجد النواة – وأمرها أعجب وأخطر فهي تتكون من مواد بروتينية أهمها d.n.a & r.n.a وهي الأحماض الأمينية،
ومن داخلها الكروموزومات التي تحمل الجينات (المورثات)، التي بها تنتقل الصفات الوراثية للإنسان من آبائه وأجداده، وهي تمثل الإعجاز الخارق الذي لا زال العلم حائراً بين تعدد وظائفها والقرآن الكريم يعبر عنها بالأمشاج،
يقول سبحانه فى أول سورة الإنسان:
{هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنسَانِ حِينٌ مِّنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُن شَيْئاً مَّذْكُوراً {1} إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنسَانَ مِن نُّطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَّبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعاً بَصِيراً{2}} {الإنسان: الآية 2:1}.
ويخرج من جوانب الخلية روافد أشبه بالخيوط وهي التي تتصل ببقية الخلايا، فتتشابك معها وفى طرف الخلية موصل،
هو حبل الخلية، قد يصل طوله إلى متر، وهو يتكون من مادة دهنية. وهذه الموصلات عندما تتجمع تكون الأعصاب.
وبهذا تتصل الخلية إلى مراكز الحس والحركة التي تتصل بدورها بجميع أعضاء الجسم وأحشائه، وروافد الخلية تستقبل الموجات الكهربائية من الخلايا الأخرى، لان الخلايا العصبية، وكل الخلايا الحية عموماً هي مصدر النشاط الكهربائي فى الجسم، وهي التي تتولد فى داخلها الكهرباء، وهذه الكهرباء بيولوجية فسيولوجية، أي تتولد من نشاط الجسم البيولوجي ووظائفه الفسيولوجية، بمعنى أن نشاط الجسم، ونشاط أجهزته، ونشاط أعضائه يتحقق بنشاط الخلايا.
ونشاط الخلايا معناه نشاط كهربي، ومعناه أن الخلية تؤدى وظيفتها فإذا كانت الخلية ساكنة، فمعنى هذا أنه ليس لها أي نشاط كهربي، فإذا نشطت فمعنى هذا أن هناك نشاطاً كهربياً فسيولوجياً قد حدث نتيجة تحرك الأملاح التي بداخلها، وهو الصوديوم والكالسيوم والبوتاسيوم والمنجنيز– ومن المعلوم أن البوتاسيوم ثابت فى داخل الخلية لا ينفذ منها- ولابد أن يتوافر الماء داخل الخلية حتى تتحرك الأملاح وتتولد الكهرباء، فلولا الماء ما كان هناك كهرباء، ولولا الكهرباء ما كان هناك نشاط، ولولا النشاط ما كان هناك حياة، وصدق ربي سبحانه وتعالى وهو يقول:
{وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاء كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ {30}} {الأنبياء:30}.
وكل إنسان يسهل عليه أن يتصور كيف تنشط الأعضاء، وكيف تتولد الكهرباء، وكيف تنتقل الكهرباء من مكان إلى مكان بسرعة البرق، وكل إنسان يتعرض لارتطام مفصل الكوع بجسم صلب، فهو يحس بالألم فى نفس اللحظة فى إصبعيه الخنصر والبنصر، وهذا يعني أن ارتطام مفصل المرفق قد أصاب العصب فى هذه المنطقة، ومعنى ذلك نشاط العصب بعد أن كان ساكناً، وبهذا النشاط الفسيولوجي، تتولد الكهرباء (سالبة الشحنة)، فإذا تولدت فهي تنتقل فورا إلى طرف العصب، وهو الأقل نشاطا، ولهذا ينتقل الإحساس من مفصل المرفق إلى الخنصر والبنصر فى سرعة البرق، وهكذا تتم العمليات البيولوجية والعصبية فى جسم الإنسان.
فالذاكرة تنشط عندما يفكر الإنسان، وينتقل النشاط إلى مركز المعلومات، وتنتهي إلى استرجاع الأحداث التي يفكر فيها الشخص، وهذا كله نشاط بيولوجي فسيولوجي.
والمخ هو مركز النشاط العصبي كله، وفى المخ توجد كل مراكز الحركة والإحساس لجميع الأعضاء والأحشاء بمختلف شحناتها، وهذا ما يسجله جهاز رسام المخ بكل أمانة ودقة، وذلك حسب الوقت الذي يسجل فيه، وحسب كمية النشاط فى الخلايا، وبهذا يتم تسجيل السلوك البشري كله، وصدق ربي سبحانه وتعالى وهو يقول:
{وَكُلُّ صَغِيرٍ وَكَبِيرٍ مُسْتَطَرٌ{35}}{القمر: الآية 35}.
وبهذه العملية الفسيولوجية الكهربائية التي تحدث فى الخلايا، مع نشاط الجهاز العصبي، يبدأ التسجيل الذي نحن بصدد تفسيره، وهو الآذان فى أذن المولود، وهو بمفاهيم الجهاز العصبي أول صوت يصل إلى أسماع المولود، وهو أول ما يسجله المخ على أليافه العصبية.
الله أكبر- الله أكبر الله أكبر- الله أكبر
أشهد أن لا إله إلا الله (مكررة)
أشهد أن محمدا رسول الله (مكررة)
حي على الصلاة (مكررة)
حي على الفلاح (مكررة)
الله أكبر الله أكبر
لا إله إلا الله
هذه صيغة الآذان، وهو أول صوت يصل إلى أذن المولود، ويسجله المخ، وتحتفظ به الذاكرة، وصيغة الإقامة، هي نفسها صيغة الآذان مع عدم التكرار، إنه نداء الفطرة، إنه التلقين الذي يُثَبتّ الله به إيمان العباد، إنه إعادة لما شهد به العبد على نفسه فى عالم الذر، وهى شهادة يبينها الحق سبحانه فى قوله:
{وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَلَسْتَ بِرَبِّكُمْ قَالُواْ بَلَى شَهِدْنَا أَن تَقُولُواْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ
إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ {172}أَوْ تَقُولُواْ إِنَّمَا أَشْرَكَ آبَاؤُنَا مِن قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِّن بَعْدِهِمْ أَفَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ الْمُبْطِلُونَ{173}} {الأعراف: 172-173}.
أنتهى الجـ 1 ويليه جـ 2 ... ان شاء الله
المفضلات