*** احتلوا العراق ولم يحتلوا ارادة الشعب العراقي .... !!! ***
تطل علينا الذكرى الخامسة السوداء، لسقوط عاصمة الرشيد تحت الاحتلال الاميركي، نتيجة مؤامرة ممتدة بدأت بتهيئة الاسباب لحرب الخليج الاولى، حرب اضعاف العراق وايران معاً واشعال نار الفتنة الطائفية في المنطقة، التي لعب المحتلون للعراق اليوم فيها دوراً لا يخفى على احد، كانت تلك سياسة الاحتواء بالنيران، التي قادت بدورها الى خطيئة احتلال الكويت، التي تولدت من ظروف الفتنة الاولى، فاضافت لحرب الخليج الاولى مزيداً من الانقسام في الصف العربي، والدمار في الكويت والعراق، ثم الحصار الذي شل امكانات العراق وهيأه للمؤامرة الاميركية الكبرى تحت زعم خطر اسلحة التدمير الشامل في العراق.
سقطت بغداد نتيجة اخطاء سياسية كثيرة، حولتها واشنطن ولندن وطهران، الى مصيدة النظام العراقي جرّته الى حتفه، لكن السقوط السريع للنظام العراقي اعقبه معركة طويلة ممتدة ومستعصية مع مكونات الشعب العراقي حرمت المحتلين من ادعاءات النصر.
فسنوات الاحتلال الخمس تحولت الى سنوات دامية في كل ركن من اركان العراق، وسنوات دمار متحرك في كل مدينة وحي وقرية في العراق، لأن الاحتلال اقام الوضع السياسي الجديد، على القوى السياسية والاحزاب الشيعية الطائفية الموالية لايران في حرب الخليج الاولى، والتي اقامت نظاماً طائفياً ثأرياً استهدف الطائفة السنية بالمطاردة والقتل والتهجير والتهميش، فادارت البلاد بروح انتقامية، منعت الشعب العراقي من المصالحة الداخلية وادامت الحرب الطائفية الداخلية، التي لعب المحتلون فيها دور المساندة بالنيران والمداهمات، والفتك بالمناطق الآهلة بالسكان، وسجن عشرات الالاف من العراقيين.
لقد جاء المحتلون بذريعة مصادرة اسلحة الدمار الشامل بالعراق، لكنهم بغبائهم السياسي، والعبث الذي احدثوه في المعادلات الطائفية والسياسية الداخلية، واعتقادهم بأنهم يستطيعون تغيير الشرق الاوسط واعادة هندسته بالقوة ليلائم سلامة اسرائيل، الحقوا بالعراق دماراً شاملاً، اصاب كل بيت، وعائلة وركن في العراق.
لقد هدموا دولة العراق ومؤسساتها ونهبوا تراث سبعة آلاف عام من الحضارة، ونبشوا الثارات الطائفية والاثنية القديمة ليفتتوا الشعب العراقي، وفرضوا عملاءهم من انصار ايران في الحكم، وتركوا بغداد والمدن العراقية تنهب على مدى اشهر من بداية الاحتلال وهم يتفرجون على نهب وتدمير دولة العراق، ثم اطلقوا العنان للميليشيات الطائفية، لتروع شعب العراق بفرق التصفية والموت ولشركات النفط الاميركية للسيطرة على نفط العراق بينما جنود الاحتلال يروعون العراقيين بالتعذيب، وفرق المرتزقة وقوة النار التي كانت تضرب خبط عشواء في جميع ارجاء العراق.
دمار شامل كامل، الحقته قوات الاحتلال وانصارها بمرافق العراق ومؤسساته هو كل ما يعرفه العراقيون من ارث الاحتلال مقرونة بضغوط سياسية، لاضعاف الدولة المركزية في العراق وايجاد تقسيم حقيقي في السكان والارض والثروة، حتى ينشغل العراق في صراعاته الداخلية، ويصبح تحت رحمة حماية الاحتلال الى أمد طويل.
هذا هو عراق اليوم، وهذا هو الاحتلال لم يقم حرية ولا ديمقراطية، ولا عمراناً، بل دماراً شاملاً في بلد من اعرق بلدان الشرق الاوسط، واحتلال لعاصمة عربية وشعب عربي مسلم تحت ذرائع واهية وخاوية ما زالت مستمرة، في تقارير العسكريين والسياسيين الاميركيين، بدأت بتصريحات الرئيس الاميركي الاولى بأن العراق تسلم اسلحة الدمار الشامل، وتصريحات باول في مجلس الامن، بأن للعراق قدرات متحركة لضرب عواصم العالم بأسلحة الدمار الشامل، وصولاً الى تقارير قادة جيش الاحتلال، التي تخفي الفشل العسكري وتتحدث عن انجازات هشة، وتعزي المصاعب التي تواجهها للقاعدة او ايران متجاهلة مقاومة الشعب العراقي وكراهيته للاحتلال.
لقد حققت الولايات المتحدة بغزو العراق، لايران جميع الاهداف التي لم تستطع تحقيقها في ثماني سنوات من الحرب من العراق وازالت من طريق ايران اهم حاجز ردع يمنعها من التغلغل في المنطقة العربية، وهي تشكو اليوم من تغلغل ايران في العراق والشرق الاوسط، أي انها تشكو من اخطائها السياسية وهي تشكو من استشراء الارهاب في العراق والمنطقة، وهو الذي دخل العراق بعد ان دمرت واشنطن قوة الردع فيه، وتركت حدوده مفتوحة للارهاب والمرتزقة من كل لون وجنس.
تقرير باتريوس الاخير للكونجرس، صيغ لاغراض مساندة سياسة الرئيس بوش، بأن زيادة القوات حققت تحسناً في الوضع الامني العراقي، وان بقاء القوات الاميركية في العراق ضرورة للحفاظ على ما حققته الولايات المتحدة وانصارها من مكاسب، وان واشنطن تسعى لايجاد معاهدة تنظم الوجود الاميركي طويل الامد لحماية الوضع السياسي الجديد، وحماية مصالح الولايات المتحدة التي تنحصر في السيطرة على نفط العراق وتنظيم عملية التصرف به، وحماية اسرائيل من قاعدة خلفية في عمق الوطن العربي وعلى حدود ايران. وان الادارة الاميركية تسارع في توقيع التزام مع حكومة العراق يلزم الادارة الاميركية القادمة، بالاستمرار في احتلال العراق رغم الكلفة البشرية والمادية الكبيرة على الشعب والجيش الاميركي، ورغم المعارضة الواسعة لبقاء الجيش الاميركي في العراق.
ويطالب التقرير العرب بمساعدة اكبر في تثبيت الاحتلال الاميركي لدولة عربية وهو الذي ردع العرب ابتداء وعطّل جهودهم لايجاد حل توافقي في العراق.
احتلال العراق قصة فشل سياسي وعسكري مركب، وقصة فشل قومي عربي اكبر، ترك فيها العراق وحده، وتركت فيها القوى الوطنية المناهضة للاحتلال والمطالبة بالسيادة وتحرير العراق بدون ظهير حقيقي تحت رحمة المحتلين.
وهي قصة انجاز لشعب صابر مقاتل وأد عشرين غزواً قبل هذا الغزو وافشل مشاريع الاحتلال الواسعة، واربك اكبر قوة في العالم وفرض عليها الخسارة والتراجع وأوصلها الى حافة الهزيمة رغم انها ما زالت، تراوغ وتدبلج الشهادات الكاذبة وتكابر، قبل ان تصل الى ما وصلت اليه في فيتنام من قبل.
المصدر
جريدة الراي الاردنية
المفضلات