تابــــــــــــــــــــع الوعد القرآني في سورة الصف
حرب أهل الكتاب للإسلام:
وبعدما تحدثت الآيات عن كفر أهل الكتاب وظلمهم وتكذيبهم بالحق، انتقلت للحديث عن جريمة فظيعة من جرائمهم، وهي حربهم للدين الحق، فقالت: (يُرِيدُونَ لِيُطْفِؤُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ).
موقف أهل الكتاب من الإسلام الدين الحق يقوم على خطوتين:
الأول: الكفر به، ورفض الدخول فيه.
الثانية: حربه ومواجهته، والحرص على إطفاء نوره والقضاء عليه.
والخطوة الأولى قادت إلى الخطوة الثانية، وانتهت إليها، وهم بذلك قد ضلوا بأنفسهم، ثم أضلوا غيرهم، وحرموا أنفسهم من الحق، ثم عملوا جاهدين على حرمان غيرهم منه.
وعبرت الآية عن حربهم للإسلام بفعل (يُرِيدُونَ)، الذي يدل على أن موقفهم من الإسلام مبني على الإرادة، وليس موقفاً عرضياً سرعان ما يتغير، إنهم يعرفون ما يفعلون، ويقصدون ما يفعلون.
وجاء فعل (يُرِيدُونَ) بصيغة الفعل المضارع، ليدل على أن هذه الإرادة عند الكفار مستمرة متجددة متواصلة، لا تتوقف، وتزداد رسوخاً وتمكناً، وتتقوّى مع مرور الأيام، فلا تزول ولا تتلاشى.
والمراد بنور الله في الآية: الإسلام، دين الله الذي ختم به الأديان، ورضيه للمسلمين ديناً، وطالب جميع الناس الدخول فيه، وهو نور لأنه يدل المسلم على ما يريده الله منه، ويوجبه عليه، وهو هدى يهديه الطريق.
يريدون إطفاء نور الله بأفواههم:
وعبرت الآية عن جهود الكفار العديدة المتواصلة لحرب الإسلام بقولها: (يُرِيدُونَ لِيُطْفِؤُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ)، وهي ترسم للكفار صورة ساخرة، على أساس طريقة (التصوير القرآني) اللطيفة.
إننا عندما نقرأ قوله تعالى: (يُرِيدُونَ لِيُطْفِؤُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ) نتخيل في خيالنا المصوِّر صورة مجموعة من الرجال السذج البلهاء، يقفون في الشارع، في ظهر يوم صيفي حار، وقد آذاهم حر الشمس، وأرادوا التخلص منه، فراحوا ينفخون على الشمس ليطفئوها! وهي حركة سخيفة ساذجة!.
وهكذا محاولات الكفار لحرب هذا الدين، إنها محاولات فاشلة خاسرة، ولن ينجحوا في هدفهم، وما أسلحتهم في حرب الإسلام إلا أنفاس ضعيفة، لا تتجاوز أفواه أصحابها، وصدق فيهم القائل:
كناطح صخرة يوماً ليفلقها فلم يضِرْها وأوهى قرنه الوعِلُ
لماذا لا يقضون على الإسلام؟:
لماذا لا ينجح الكفار في القضاء على الإسلام؟.
لأن الإسلام هو نور الله، الذي ينير للناس حياتهم، ويبدد الظلمات من حولهم، ولأنه لا نور ولا هدى ولا حق في غيره، وقد رحم به الله الناس جميعاً، وأسعدهم به في الدنيا والآخرة، إن هم قبلوه وأخذوه والتزموا به! فإن نجح الكفار في القضاء عليه أوقعوا الناس في الظلام والضياع والضلال، والله الحليم الرحيم يأبى ذلك!.
ثم إن نجاح الكفار في القضاء على الإسلام معناه أنهم غلبوا الله وأعجزوه، وأوقفوا قدره، ووقفوا أمام إرادته، وعطلوا مشيئته!! وهذا مستحيل عقلاً وشرعاً، فالله سبحانه هو القوي العزيز، القادر القاهر، غالب على أمره، ينفذ مشيئته، ويحقق إرادته، ولا يعجزه سبحانه شيء في الأرض ولا في السماء، ولا تقف أمامه أية قوة مهما عظمت!!.
وقد أخبرت الآية عن هذه الحقيقة بقولها: (وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ). والإتمام هنا بمعنى الإكمال. و(مُتِمُّ) اسم فاعل. والتعبير باسم الفاعل هنا للدلالة على الثبات والاستقرار.
والحقيقة المقررة هنا إتمام وإكمال الإسلام، وقد أكدت هذه الحقيقة آيات أخرى من القرآن كقوله تعالى: (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِيناً) [المائدة: 3].
يتبـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــع
وعود القرآن بالتمكين للإسلام
الدكتور صلاح عبد الفتاح الخالدي
المفضلات