جاء الفتى الذي اندثر في كأسِ قهوتنا ذاك
عندما تناثرت القنابل
جاء يقول أن الحمام
والقمامة والمنازل
لا تزال هناك
جاء يردد أن المزابل
لا تزال تعبث بالقدر
أخيرا...
اقتربت حفرتنا المسكينة بسكون
حين حفرنا بكلمات لقائنا الأخير
ورددنا صارخين بصمت
في فضاء هدوئنا الكبير
ما كتبناه بجنون
أن الطبول والأقمشة والحمير
بعيدا تبلل المطر
أخيرا...
ها نحن هنا نجمع كعادتنا البقايا
منذ سرقنا أزقة السماء
ننظر بدهشة إلى صورنا
لما تنعكس على صفحة الماء
ووجوهنا البالية في المرايا
تقشر بقسوة أعمدة الهناء
وتقسم العمر
أخيرا...
جمدت المياه الراكدة في الأَشعار
ومنع العبور
إلى أَغطية أسرَّتنا
حيث تختفي الأمور
وترقد الأسرار
حيث تغطي ضحكات الحبور
رقصات بنات الغجر
أخيرا...
رجل بلا قبعة صاح بغضب
شتم الربيع
طلب قهوته المرة حتى
يذيب فيها الفتى الوديع
ويضرب بلا سبب
فيسمع الصّقيع
أنات الزهر
أخيرا...
كان هناك ورق
بالت عليه الكلاب
تركت كلماته المحبَرة على الرصيف
تعاني من الضباب
تنتظر الغروب في الشفق
يشم القطيع رائحة الذئاب
فيركض ويتلطخ بالحبر
أخيرا...
تهاوت ببطء أوراق الخريف
لمست تبر الأرض بسلام
تمزقت تحت صرخات عربة
تحمل أَجنحة الحمام
يسقط الأوراق الهواء الخفيف
تغدو عاجزة عن الكلام
وتدفن في الحفر
أخيرا...
في الكراس رسمت قلوب
تلاشت عندما مر الغبار
وأَعادت تركيبها طويلا
فتاة ملت من الفرار
من سراب الخطايا والعيوب
فنامت بعيدا عن الأَنظار
بين أَحضان الشجر
أخيرا...
تصادمت فقاقيع الكؤوس
تقاتلت أيادي التنين
كي تجمع الحبر المنسيّ
تقضي على أَحلامِ الحنين
وتحصد الرؤوس
ويعاود صدى الرنين
بكاء أَشواك الزَهر
أخيرا...
لملمنا معا كلمات الدفاتر
كتبنا عن أولئك الرجال
عندما جاؤوا إلى عالمنا
وأخذوا السِلال
ومن بعيد أسدلوا الستائر
لم يتركوا لنا سوى قمم الجبال
يطل عليها قَمر
أخيرا...
جمعنا معا ما خلفه الرصاص
واصلنا ترديد الأغاني
دفنا أشلاء الموتى
وأخذنا نرسم الأَماني
وننشد الخلاص
من قدرنا الفاني
ونخبىء أحجار الكدر
أخيرا...
بعد أن اخترعنا السيوف
وأحتكرنا نظراتنا للآفاق
بعد أن غرقت شعرات الدمية
وضاعت كل الأوراق
إجتمعنا ننظف الرفوف
غسلنا بقية الأطباق
وواصلنا حلقات السمر
أخيرا...
اقتربت تفاصيل النّهاية
انكسرت الشلالات والأغصان
حملوا فتى القهوة المرة
حبر الكراس وشظايا الأحزان
جعلوا منها أحداث الحكاية
وغرسوها في طيات الأكفان
بعيدا عن باقي البشر
المفضلات