الحقيقة الدولية – عمان– محمد فلاح الزعبي
ترى! هل ما حدث ولا زال يحدث في فلسطين والعراق ولبنان من إرهاب وما يحدث اليوم من ما يسمى الربيع العربي وما تبعه وسيتبعه من تغيير حقيقي للدول العربية والإسلامية وبشكل منظم لهذا الاستعمار الغربي الجديد المغلف بورق سلوفان فاخر، والذي رفع لواء العولمة والحرية للشعوب والحقوقق الشخصية والديمقراطية وأشاع مثقفوه فينا ثقافتها، يسكن حقاً في قيم هذه الدول، وإذا لم يكن يسكن، لكونه مناقضاً لأبسط قواعد العقل والمنطق التي يستخدمها طارحو السؤال السابق إرهاباً وعدواناً فلم إذن توصم مقاومته، وتوصم الدعاوى والثقافة المرافقة لها والمتصلة بقيم الاستقلال وحق تقرير المصير بأنها قد اندثرت ولم تعد ذات معنى أو أهمية؟
في البداية يهمنا الإشارة إلى أن سؤالاً مركزياً، يطرح وبقوة في إطار الحوار المثار اليوم بين صفوة العقول الإسلامية والغربية، وهو: هل بات الحديث عن الاستقلال والتحرر من الاستعمار والاحتلال- في أجواء ما يسمى بالعولمة والثقافة الغربية والحرية المطلقة التي تهب رياحها علينا منذ عقد من السنين- من أحاديث الماضي التي لم تعد ذات معنى أو جدوى؟!
السؤال يطرحه المتحاورن هنا وهناك وخاصة بعد ما اجتاح العالم العربي مما اطلق عليه الربيع العربي، يطرح تارة بصراحة ووضوح لا يقل وحشية آلة القتل والقتل المضاد في أي بلد في عالمنا المعاصر وتارة أخرى، على استحياء خاصة حين يكون المقام مقاماً ثقافياً وفكرياً، هاجسهم في ذلك أن زلزال العولمة، قد أذاب الحدود والمعالم، وأنهى وإلى الأبد مفهوم الاستقلال الوطني، فالعالم قد أضحى قرية صغيرة في عرفهم ولم يعد يتمتع فيها أحد بالخصوصية. وصارت الأرض، والوطن مفاهيم من نفايات الأمس، المطلوب دفنه في نفس الوقت مع قيم الثورة والتحرر بل أصبح الوطن مكانا للصراع عليه لا من اجله .
إن دراسة تاريخ الاستعمار الغربي للوطن العربي خلال القرن الماضي يبعث على الملاحظة أن هذا الاستعمار حاول دائما توظيف موارد المجتمعات العربية وتسخير قواها البشرية لصالحه، وأنه كان يعمل دائما على أن يبقي الشعوب العربية والإسلامية في حالة تخلف وتجزئة حتى يستمر هذا الوضع، ذلك هو الأساس الذي ارتكز عليه هذا الاستعمار، إذ جرى التمهيد لها بتقسيم الوطن العربي إلى مجموعة دول على خلفية تطبيق اتفاقية سايكس بيكو بعد الثورة العربية الكبرى الأولى، ليتم من بعدها إثارة النعرات والفتن الدينية والطائفية والمذهبية وحتى المناطقية، وصولاً إلى تقسيم البلد الواحد إلى مجموعة دويلات على نحو ما حاول الاستعمار الفرنسي فعله في سورية أوائل عشرينات القرن الماضي وبدا يطبق الآن وبشكل واسع تحت ما يسمى الربيع العربي والذي لن يترك بلدا عربيا إلا ويطاله بالتقسيم تارة والتدمير أخرى وإعادة فك وتركيب النظم الحاكمة لتكون التابع الأمين للغرب أحيانا كثيرة .
ومن جهة أخرى، فإن ثقافة الغرب الاستعمارية، هي ثقافة "اللصوصية" كما يطلق عليها المفكر الكبير جودت سعيد والتي تمتاز بالتخطيط والتكتيك، وظاهرة الاستعمار والدول الاستعمارية هي من أهم تجسيدات ثقافة اللص الغربي، سواء أكان أوروبياً او امتداده السرطاني: أمريكا، لأنه يقوم على النهب الجماعي المنظم للأمم والشعوب، واقتران ذلك حتماً بإبادة الملايين، وأحياناً بتذويب هويتهم الوطنية وثقافاتهم القومية.
يتجسد تكتيك الإخفاء والتخفي الاستعماريين في الإعداد للغزو بفبركة أسباب ظاهرية تملك خاصية تجاوب قسم كبير من الرأي العام الغربي معها، فمثلاً تميز الاحتلال الاستعماري الأوروبي (البريطاني، الفرنسي، البرتغالي، الأسباني.. الخ) لآسيا وإفريقيا وأمريكا اللاتينية، بادعاء انه يقوم على نقل الحضارة الغربية للشعوب المتخلفة، ورغم أن واقع الاستعمار كان يفضح أهدافه الحقيقية، وهي النهب المنظم والفوضوي أحيانا، إلا أنه كان يصر على ادعاء (أن مهمته تمدينية وأخلاقية)، ثم اتجه الى أسماء أخرى كمحاربة الإرهاب وأسلحة الدمار الشامل ، وهو ما بدا جليا في الشكل الجديد لهذه الفبركات تحت اسم الحرية وتغيير الأنظمة والثورات العربية والتي أطلق عليها مجازا الربيع العربي ولكنها في النهاية ستكون كالثورة العربية الكبرى بداية القرن الماضي والتي كان الهدف منها أقامة وطن قومي للعرب انتهت باستيلاء المستعمر على الوطن العربي كاملا وتقسيمه تحت اتفاقية سايكس بيكو ، هذا ما يؤكد بأن تاريخ النظام العالمي الاستعماري القديم هو تاريخ النظام الصناعي العسكري الغربي الذي حوَّل العالم إلى مصدرٍ للطاقة الطبيعية والبشرية الرخيصة وإلى سوقٍ لبضائعه وهو ذاته الحاضر الاستعماري للقوى العالمية والذي يحاول إعادة تقسيم العالم وفق مصالحه المتجددة تحت اسم الحرية وحق الشعوب في تقرير مصيرها .
لقد غرست هذه الثقافة الاستعمارية كل أنواع الاستعمار في عالمنا العربي والإسلامي (الاستعمار العسكري في مصر، السودان ، المغرب، تونس، الصومال، ، جيبوتي، سورية، لبنان واريتريا - الاستعمار الاستيطاني في الجزائر – الاستعمار الاستيطاني الإحتلالي في فِلَسطين) ثم العراق واخيرا ليبيا واليمن والمحاولة جارية في سوريا وقام بنهب هذه المنطقة، إما مباشرة إبَّان فترة الاستعمار العسكري المباشر أو من خلال التحكم في أسعار المواد الخام (خصوصاً النفط)، وعن طريق بيع أسلحة ببلايين الدولارات لنظم يضمن هو بقاءها في الحكم، ويعلم جيداً أنها غير قادرة على استخدام هذا السلاح.
إن هذه الثقافة الاستعمارية ترتكز على حقيقة ثابتة وهي أن العالم يتعرض باسم الديمقراطية ومحاربة الإرهاب وحرية الشعوب والتمدين وغيرها من الذرائع لأسوأ هجمة استعمارية عبر الهيمنة الأمريكية وبتدخل مباشر في كل أنحاء العالم وبواسطة الحروب المباشرة والتمركز بقواعد عسكرية ووقودها الأول هو الشعوب العربية والتي أصبحت الأرخص ولا يهم العدد المضحى به بقدر ما يهم المصالح السياسية الناتجة عنه فالدم السوري الذي لا زال يسفك بالنسبة لأمريكا والغرب أو روسيا وإيران ليس مهما بقدر أهمية مصالحها السياسية في المنطقة وهو ما تتصارع عليه القوى الدولية الآن وهو ذات الشيء الذي يؤخر الحسم في الشقيقة سوريا حتى الآن .
وفي هذا السياق جاءت الولايات المتحدة لتكمل المشروع الاستعماري الأوروبي بصفتها الوريث الشرعي، وامتداداً للسرطان الإمبريالي الذي يقوم على استغلال ثروات الشعوب الفقيرة بشكل منظم ومستمر دون استعمارها "عسكرياً" بل باتت الشعوب وبدل محاربة الاستعمار هي من يطلب من أمريكا استعمار بلادهم تحت بند القضاء على الأنظمة .
في المقابل ورثت العلوم الاجتماعية الأمريكية – وخاصة علم دراسات المناطق الأمريكي - نفس نظرة الأوربيين للشرق وللعالم الإسلامي، إذ سعى الأكاديميون الأمريكيون إلى تقسيم العالم غير الغربي إلى مناطق ومستويات وفقا للمصالح الاقتصادية والسياسية الأمريكية تحت إشراف ودعم الحكومة الأمريكية ذاتها. ومنذ عام 1945 تحددت سياسة أمريكا تجاه العرب والمسلمين بحماية مصالح أمريكا في الحصول على البترول العربي وحماية أمن إسرائيل واحتواء بعض الأنظمة العربية أضيف له بند احتواء الشعوب والسير ظاهريا في الاتجاه الذي يريدوه من خلال استبدال نظام بنظام وفي كلا الحالين التبعية لهم وإبقاء مصالحهم الهدف الأسمى .
وبعد انهيار الاتحاد السوفييتي عام 1991 بدأت المرحلة الثانية بالسيطرة على العالم وخاصة الشرق الأوسط وفق نظرية القطب الواحد وفي كل مرة تنحرف البوصلة فيها قليلا فان الغرب يخرج بنظريات أخرى لإعادة سيطرته على الوضع فنظرية الفوضى الخلاقة كانت بعد الحادي عشر من سبتنمبر وانتصار القاعدة على أمريكا بدأت بتطبيق هذه النظرية ولكن النتائج لم تكن مرضية .
ثم جاءت الفرصة السانحة بمظاهرات تونس حيث استغل الجيش الوضع وقام بانقلاب على بن علي ليبدأ الشعب المصري بالتململ لتعود الولايات المتحدة وتحتوي هذه الثورات الشعبية وتسيرها كما تشاء وتبدأ مرحلة جديدة بإعادة فك وتركيب الشرق الأوسط الجديد وفق المقاييس العالمية التي تحقق المصالح الأمريكية .
ولكن السؤال هو هل ستكون سوريا الصخرة التي تقف بوجه هذه النظريات الجديدة بدعم روسي إيراني وتعيد عقارب الساعة إلى الوراء وتعود مرحلة القطبين مما يجعلنا نقول ان الصراع في سوريا سيكون خارج حدود الزمن ام أن مرحلة الفك والتركيب للأنظمة ستستمر وبالتالي فالسؤال المطروح أي من الدول العربية سيشمل ومن هو التالي بعد سوريا وهل جميع الحالات في الدول ستتشابه والاهم هو كم سندفع من الدماء والأرواح الطاهرة في سبيل تحقيق القوى العظمى لمصالحها.
المفضلات