بسم الله الرحمن الرحيم
جاء في (( أول كتاب في تاريخ ماحص )) (ص/ 125ــ الطبعة الثانية ) .
" ترجمة المؤرخ أيوب بن عبد الرحمن الشامي (داهية الأنساب)
الحمد لله رب العالمين ، اللهم صل وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه.. وبعد:
فها أنا ذا أقيد معالم هذه الترجمة ، واللسان "اليراع" رضابه يكاد يجف حياء ؛ فإن المترجم في ذا الأمر كان شرع - وهي جادة مطروقة ، وسكيكة مألوفة ، كما لا يخبل على عريب من الناس ذي نهية - ثم آل الأمر إلي بإشارة من إشارته حكم ، وطاعته غنم . ولا يدرك الطالع شأو الضليع ، ولا الخوار سبيل الشجيع ، ولكنه أمر كان ، والله المستعان ، وعليه التكلان .
هو والدي أيوب بن عبد الرحمن بن الشيخ عبد الله بن الشيخ عمر بن حسن بن علي عياش الميداني الدمشقي موطناً ، الأردني داراً ومولداً ، داهية الأنساب ، المكني بأبي أسد الدين - حفظه الله أُخرى المنون ، ما توالت الأيام ، وتتابعت السنون . ولد في بلدة ماحص غرب العاصمة عمان سنة 1933م ، ونشأ يتيماً بعد وفاة جده الشيخ عبد الله مؤسس التعليم في ماحص ، ثم دخل في سلك الجيش العربي الهاشمي سنة 1953م فخدم في القصور الملكية ، وتقاعد برتبة رائد سنة 1986م ، ثم بدأ بالبحث عن أصول عائلته في السجلات العثمانية من دائرة الأحوال المدنية ومركز الوثائق والمخطوطات في الجامعة الأردنية ، حتى قرأ أكثر السجلات العثمانية في اثنتي عشرة سنة .
رزقه الله مقة لعلم الأنساب ، مذ كان في جن النشاط ، وآتاه الله من كل شيء سببًا، فأتبع سببًا ومشربًا، وانكب على علوم الأنساب ، درسًا، وقراءة، وتحصيلًا والتقاطًا لشتيتها وأثيثها، واصلًا الآساد بالتأويب، ومراوحًا بين الإهذاب والتقريب .
أما شمايله وتوسه، فإن رائيه يخاله قطعة من نفسه.
وإني - علم الله- ما رأيت مثله، زماتة وركانة، وفطنة وزكانة مع حده ، وهو من هو في العناية بالأنساب ، طول باع ، وحسن تفهم ، وجلدًا على البحث ، وتحصيلًا للسجلات العثمانية ، وتفانيا في خدمتها، وانخراطًا في سلكها، كيف لا، وهو جذيلها المحكك، وعذيقها المرجب.
أخبرني السيد أبو حسن رئيس قسم المخطوطات العثمانية في الجامعة الأردنية فقال: ( لم ترى عيني منذ أكثر من عشرين سنة مثل السيد أيوب العبد الرحمن ، كان يأتي صباحاً إلى المكتبة ومعه دفاتره وقلمه ويبدأ يكتب ما يقرأه من المخطوطات ، وكان الدكاترة يتعجبون من صبره وطول نفسه في جرد المخطوطات ، فكان أعجوبة في الأنساب ، إذا تكلَّم أبهر الجميع من قوة حفظه ).
قلت : وأنا والله أتعجب من ذاكرته في حفظ الأسماء وكيف يربط بينهما ، أذكر أنه جاء مجموعة من الأشخاص إلى البيت ، وبدؤا يسألونه عن بعض العائلات ، فسمعته كثيرا يقول : عندي وثيقة لم يطلع عليها أحد ولم يسمع بها أحد (!!!) ، كثيرا ما كنت أسمعه يقول ذلك ، حتى انبهر الجميع من كلامه .
وجئته مرة وطلبت منه (اسم جد) أعطانيه صديقي من عمان ، فما لبث ربع ساعة حتى أخرج لي مخطوطة فيها إسم جده قبل خمسمائة سنة (!!) .
وكثيرا ما سمعته ينتقد الذين يكتبون في الأنساب بالروايات الشفوية ، فسمعته مرة يقول عن دكتور من الخريسات له كتاب في عشائر الأردن ، فسمعتُ والدي يقول عنه : لم يعرف اسم جده ، حتى أعطيته وثيقة في اسم جده (!!) .
وسمعته يقول : ما من عشيرة من عشائر الأردن إلا وأنا أعرف نسبهم وأسماء أجدادهم وأين كانوا قبل أكثر من ثلاثمائة سنة ومنهم أكثر من ألف سنة .
ووجدتُ في مكتبته البيتية أربع دفاتر من الحجم الكبير فيها كثير من الأسماء التي تعود إلى أكثر من ثلاثمائة سنة منقولة من السجلات العثمانية ، وأكثر من مئة مخطوطة ، ومن أعجب العجب ربطه بين العائلات الموجودة اليوم وبين أجدادهم قبل مئات السنين .
مثال ذلك عشيرة التعامرة جدهم تعمر بن صالح من رأس دبوس /كما في سجل محكمة القدس رقم 23/ سنة 957هـ أي قبل خمسمئة سنة .
وايضا عائلة الدويري من عرب العساسفة من ضواحي الخليل كما في سجل محكمة القدس عام 957هـ أي قبل خمسمئة سنة .
وأيضا عائلة الزغل جدهم أحمد بن الجالودي من المغرب الشهير بابن الزغل / كما في سجل محكمة قدس سنة 1009هـ أي قبل أربعمئة سنة .
وأيضا عشيرة المناعسة جدهم علي بن حسين /كما في سجل محكمة دمشق سنة 1188هـ .
وأيضا عرب الشكعة جدهم عبدالرحمن بن مصطفى الشهير بابن الشكعة من حلب / كما في سجل محكمة حلب سنة 1118هـ .
وأيضا عشيرة الدويش تسكن بيت سوريك وبيتا أصلهم من اليمن/ كما في سجل محكمة نابلس سنة 1300هـ
وأسماء كثيرة جداً لم تنشر من قبل ولا يعرفها أحد .
وقد جئتُ والدي يوماً فقلت له : أخبرني مختار العشيرة الفلانية أنهم من قبيلة القحطاني ، فقال لي والدي مستغرباً : هل تعلم أنهم لا يعرفون إسم والد جدهم الثالث ، وقد أعطيتهم مخطوطة جدهم (!!!) . فكيف عرفوا أنهم من قبيلة القحطاني وهم لا يعرفون إسم جدهم (!!) .
وفي كتابه ( قاموس عائلات بلاد الشام في العهد العثماني ) العجائب والنوادر من المخطوطات التي يعود بعضها إلى أكثر من أربعمئة سنة ، وقد قرأته فوجدته - كتاب - جليل المقدار ، معدوم النظير ، عزيز الفوائد ، سهل التناول ، عظيم الوقع ، كثير النفع ، شريف الإفادة ، نفيس للغاية ، بديع الترتيب ، غريب التأليف والتهذيب ، حسن السبك والإنسجام بحيث يفهمه الخاص والعام ، مشتمل على فوائد جمَّة ؛ ومحتوي على مقاصد مهمة ، لم تكتحل عين الدهر له بنظير ، ولا احتوى على مثل أزهار ألفاظه وثمار معانيه روض نضير ، ولم يُصنَّف (مثله) من قبل ! .
ولا أقول أنه أحاط بكل شيء علما ، ولكنني لم ترى عيني مثله في الأنساب ، وكتابه حوى النوادر من المخطوطات مع صغر حجمه ، وكلما أردت الحديث معه قال لك : عندي وثيقة ، بل تجد عنده في كل عشيرة أكثر من عشر مخطوطات . ولو أسهب في تفصيل عائلات بلاد الشام لفاق كتابه الألفي صفحة ، وسمعته يقول : لم أضع في كتابي كل شيء قرأته من السجلات ، بل هو جزء يسير مما قرأته .
وسمعته مرة يقول عن قيود عشيرة الشياب والنوحة في الأردن : هذه القيود لم يسمع بها أحد ولا يعرفها أحد في الأردن ولا خارج الأردن ، ومما يزيد عجبك عجبا قراءته لأكثر سجلات محكمة القدس الشرعية التي تفوق 400,000 وثيقة . شيء يُستغرب منه .
وأخيرا : فإني لو رُمت البسط ، ويممت شطره ، لخرجت ترجمتي المعتصرة هذه في أجلاد ، ولكن حال الجريض دون القريض ، وخشية الإلظاظ دون الغريض .
وليعلم الناظر أني كتبت ما كتبت عاصيًا لما يرضيه ، مطيعًا لما يرضيني ، وإلا فله العتبى حتى يرضى.
أسأل الله أن يوفقه ويعينه ، وأن يعظم له أجرًا ، ويخلد له ذكرًا.
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه وسلم.
المفضلات