الأردن يتابع ما يحدث في أربع عواصم ويستعد "لأسوأ" الاحتمالات.. سياسة تقليل الخسائر هي الخطة المعتمدة.. والانفتاح على سورية لتبادل المنافع
كل الهتاف الذي يملأ الساحة الداخلية في الأردن على صعيد الانتخابات والإعلام والفساد وجدالات الهوية والمتقاعدين لا يثير شهية المبالغة في الاهتمام عند مربع القرار المركزي، فالبوصلة التي تمنح هذه الانماط مجرد التفاتة هنا وهناك لديها جدول اولويات خارج البلاد ويتعلق بالوضع الخارجي وليس الداخلي.
بالقياس تصبح التفاعلات ذات الملمح الداخلي مهما كانت مهمة او مثيرة مسألة ثانوية مقارنة باتجاهات محددة للبوصلة لها علاقة بسؤالين لا ثالث لهما.. ماذا سيحصل قريبا جدا بين زوايا المربع التالي: تل ابيب وواشنطن ودمشق وطهران؟ والسؤال الثاني كيف ستتمكن عمان من الإفلات بأقل الاضرار، على حد تعبير الوزير السابق ايمن المجالي، بعد موجة الفوضى الخلاقة التي يتوقع ان تتجدد قريبا في المنطقة؟
المجالي مبكرا اقترح بأن الأضرار حاصلة وقادمة لا مجال للشك لكنه يطالب بأن يجلس الاردنيون معا لإنجاز مهمتين .. الاولى الترفع عن الجدل السخيف الانقسامي والسطحي والاستعداد للأهم. والثانية العمل معا لوضع إستراتيجية عنوانها "تقليل الأضرار" والخسائر قدر الإمكان وليس منعها تماما فذلك لم يعد ممكنا وفق تقديرات المجالي الذي عمل في مفاصل مهمة جدا في دوائر القرار.
حتى رئيس الوزراء سمير الرفاعي وهو يدير "الشأن اليومي" على مستوى أجهزة الدولة لا يهتم كثيرا بما يقال بالشارع ويبدو مهتما فقط باطفاء الحرائق الصغيرة الناتجة عن الصراع على حيز صغير جدا من الامتيازات، ويعمل بصمت على تنفيذ إستراتيجية مالية اقتصادية صعبة جدا ومعقدة يتخللها "بعض الألم" شعبيا كما يردد. اما نقاط الاهتمام المركزية عند الرفاعي فهي مربوطة على توقيت الملفات الإستراتيجية وحسابات مؤسسات القرار المركزية عبر متابعة ما يجري في واشنطن وبذل محاولات مضنية ويومية للالتفاف حول تقديراتها وانطباعاتها والتركيز قليلا على دراسة وتقييم "الازمات" المتوقعة محليا بسبب انفعالات الاقليم.
بهذا المعنى يصبح سفر وزير الخارجية ناصر جوده الدائم بين عواصم القرار في العالم قرينة على منطقة الاهتمام التي تستهدفها الحكومة الاردنية.
وبالمعنى نفسه يحلو لبعض المراقبين الخبراء قراءة تحركات البوصلة الاردنية الممنهجة نحو الاتجاه السوري عبر زيارتين رسميتين للرفاعي وتبادل رسائل على قاعدة "تبادل المنفعة"، فدمشق لا زالت تحتاج لمعلومة وأحيانا مشورة عمان وإستراتيجيتها تستند الى ان عمان في موضع حساس ولا بد من تجنب مضايقتها حتى اذا ما تقررت إستراتيجية الحرب ضدها او ضد حلفائها في طهران وجنوب لبنان.
وعمان وفقا لنفس التحليل يوفر لها التقارب مع دمشق غطاء يعزلها عن "رد الفعل" وعن التصنيف اذا ما شهدت المنطقة تحولا دراماتيكيا باتجاه حرب جديدة، ورغم ان عمان سياسيا ودبلوماسيا في حالة "قطيعة" تتطور احيانا لتصبح حالة خصام وعداء مع (إسرائيل) بتركيبتها الحاكمة الحالية بسبب النووي وغيره، الا ان جمود حلقات الاتصال مع تل ابيب يشكل عبئا فنيا على الأردنيين لأنه يوحي باحتمالات سيئة للغاية كما يقول سياسي مخضرم.
وعلى هذا الاساس تشكل برنامج الاولويات الاردني مرحليا فالعواصم التي ينبغي مراقبة ما ستفعله محددة اردنيا وملف الحرب المقبلة والملف المالي الاقتصادي هما الاكثر اهمية والمتصدران لبوصلة الاهتمام والاولويات، اما الشؤون الداخلية فيمكن ملاعبتها ببساطة واستدراكها في اي وقت واحتواء اضرارها ولا تشكل رغم كثرة الضجيج وارتفاع بعض الاصوات "عقدة" من اي نوع لا يمكن حلحلتها في اي وقت.. على الاقل هذا هو الانطباع الذي تتحرك في فضائه حكومة الرئيس سمير الرفاعي.
المصدر : الحقيقة الدولية - القدس العربي 16.7.2010
المفضلات