تابـــــــــــــــــع الوعد القرآني في سورة الأنعام
الكفار لا يفكرون في العواقب:
إن الكفار –في الماضي والحاضر والمستقبل- يهلكون أنفسهم بأنفسهم، ويجلبون العذاب لأنفسهم بأنفسهم، ويحفرون قبورهم بأيديهم، ولا يحيق المكر السيئ إلا بأهله.
ولذلك نفت الآية عنهم الشعور بعواقب الأمور: (وَمَا يَشْعُرُونَ).
إنهم حاقدون متوترون هائجون، يحاربون القرآن بعصبية وتشنج ونزق، ويرسمون الخطط والمؤامرات، ويستخدمون مختلف الأساليب والوسائل، ويظنون أنهم سينجحون في مسعاهم، وسيقضون على القرآن.. وما درى هؤلاء المساكين أنهم سيفشلون في حربهم، وأن القرآن سيخرج منها قوياً ظافراً متصوراً، وهم الذين يهلكون ويخسرون وينهزمون.
ولو كانوا يشعرون في غمرة تخطيطهم وهياجهم، ولو كانوا يرون هذه النهاية التعيسة البائسة لحربهم، فقد يتخلون عنها..
وقد تحقق الوعد القرآني في هذه الآية، وسجل التاريخ مصير الذين كانوا ينهون عنه وينأون عنه، ويطلبون من أتباعهم عدم الاستماع للقرآن واللغو فيه والتشويش عليه! ولنتذكر مصير زعماء قريش، ونتائج حربهم للقرآن، ونتذكر نتائج جهود المنافقين واليهود في المدينة في حربهم للقرآن، ونتذكر حروب قوى الكفر المختلفة للقرآن، ونلاحظ خروج القرآن من كل حرب منتصراً، ووقع الفشل والخسارة والهلاك بأعدائه!.
تكذيب الكفار بالوعود القرآنية:
ثالثاً: قوله تعالى: (وَكَذَّبَ بِهِ قَوْمُكَ وَهُوَ الْحَقُّ قُل لَّسْتُ عَلَيْكُم بِوَكِيلٍ، لِّكُلِّ نَبَإٍ مُّسْتَقَرٌّ وَسَوْفَ تَعْلَمُونَ) [الأنعام: 66-67].
الخطاب في الآية من الله لرسوله صلى الله عليه وسلم، بهدف مواساته وتسليته، على ما يجد من تكذيب قومه بما معه من الحق.
يقول الله له: لقد كذّب قومك الكفار بالقرآن الذي معك، مع أنه الحق من عند الله، وكل ما فيه صواب وصحيح، ولا باطل فيه. وعليك أن تقول لهؤلاء الكافرين المكذبين: أنا لست وكيلاً عليكم. أي: لا يجب علي قذف الإيمان في قلوبكم، وإدخالكم في الإسلام بقوة وإكراه! إن واجبي هو في دعوتكم وتذكيركم ونصحكم، وإقامة الحجة عليكم، فإن استجبتم لي كنتم فائزين، وإن رفضتم دعوتي كنتم خاسرين، ولا يضرني ذلك شيئاً.
ومن مظاهر تكذيب الكفار بالحق، تكذيبهم بالوعود القرآنية، التي كانت تحدد نهاية المواجهة بين جنود الحق وجنود الباطل، وتجزم بانتصار الحق وهزيمة الباطل، في وقت كان فيه الكفار في مكة غالبين مسيطرين، وكان المسلمون مستضعفين معذبين، فعندما كان الكفار يسمعون تلك الوعود كانوا يسخرون ويستهزئون، وردت الآية على موقفهم بتأكيد تحقق تلك الوعود: (لِّكُلِّ نَبَإٍ مُّسْتَقَرٌّ وَسَوْفَ تَعْلَمُونَ).
النبأ هو الخبر الصادق المهم، الذي يهم صاحبه. واستقرار النبأ تحقّقه في الواقع، في صورة عملية واقعية مشاهدة.
استقرار وتحقق الوعود القرآنية:
المراد بالنبأ الوعود القرآنية الجازمة بانتصار الإسلام وهزيمة الكفر في المستقبل، والمراد باستقرار النبأ تحقق هذه الوعود على الأرض.
مثلاً: قوله تعالى: (سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ) [القمر: 45] نبأ، يتضمن وعداً بانتصار المسلمين وهزيمة المشركين. واستقراره في غزوة بدر، حيث هُزِم الكفار فعلاً.
وقوله تعالى: (تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ، مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ، سَيَصْلَى نَاراً ذَاتَ لَهَبٍ) [المسد: 1-3] نبأ، بجزم بوفاة أبي لهب على الكفر، ووعيد له بأنه سيعذب في النار يوم القيامة.. وكان استقرار هذا النبأ في الدنيا ما حصل لأبي لهب بعد غزوة بدر، حيث مات كافراً مهموماً حزيناً. وبذلك تحقق له ما تنبأ وجزم به القرآن، وله استقرار آخر يوم القيامة، حيث سيدخل الله أبا لهب نار جهنم.
وبعدما جزمت الآية باستقرار أنباء القرآن، وتحقّق وعوده عملياً في المستقبل، هددت المشركين الذين يكذبون بأنباء القرآن، ويجعلون وقوعها مستحيلاً، فقالت لهم: (وَسَوْفَ تَعْلَمُونَ).
أي: أنتم تكذبون بأنباء القرآن، وتجزمون أنها لن تتحقق، وتوقنون أنكم ستغلبون المسلمين، وتنتصرون عليهم، أنتم في ذلك جاهلون، لا تعلمون ولا تشعرون، ولا تعرفون ماذا سيكون في المستقبل.. ولكنكم عندما ترون استقرار أنباء القرآن وتحقق وعوده، ستعلمون مقدار جهلكم وغبائكم، ومقدار خسارتكم وإحباطكم!! ولكن هذا العلم لن ينفعكم، لأنه سيكون بعد فوات الأوان.
ولقد عَلِم الكفار استقرار أنباء القرآن، عندما تحققت وعوده في المعارك والغزوات بعد الهجرة، في بدر وأُحد والأحزاب وحُنين.. وعلم الفرس والروم استقرار أنباء القرآن عندما انتشروا واستقر الإسلام في المنطقة!.
وسيعلم اليهود والصليبيون استقرار أنباء القرآن وتحقق وعوده، عندما ينتصر الإسلام في المستقبل القريب إن شاء الله: (لِّكُلِّ نَبَإٍ مُّسْتَقَرٌّ وَسَوْفَ تَعْلَمُونَ).
يتبـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــع
وعود القرآن بالتمكين للإسلام
الدكتور صلاح عبد الفتاح الخالدي
المفضلات