مقالات
الأكثر تعباً.. أم الأكثر راحة!
ترى لو طرحنا سؤالا كهذا: إلى أي فئة تريد أن تنتمي؟ الأكثر تعبا في الحياة أم الأكثر راحة؟.
سؤال يبدو واضحا سهلا يمكن الإجابة عليه بعفوية وتلقائية ولكنه بالنسبة لبعض المفكرين والمثقفين فإنه يحمل في مضمونه أبعادا عميقة تجعلهم يتمهلون كثيرا قبل الإجابة عنه.. فالرد الأول والمتوقّع : طبعا أود أن أكون من جماعة الراحة والمرتاحين.. ومن يريد أن يكون من الفئة الأكثر تعبا؟ و من هو قليل العقل الذي يفضل التعب على الراحة؟
ولكن لو حلّلنا هذا السؤال لوجدنا أن له أبعادا متوالية لا تتوقف عند سطح أو عمق معين فما نكاد نصل إلى القاع المطلوب حتى يغوص بنا أو نغوص به أكثر.. فلو توقفنا مثلا عند الإجابة السطحية القصيرة المدى والمتوقعة من الكثيرين كتفضيلنا عنصر الراحة على نظيره عنصر التعب وقمنا بتحليل أبعاد هذه الإجابة لوجدنا بأننا بعدنا كل البعد عن الإجابة الصائبة.
فبين تحليل جانبيْ الصواب والخطأ نجد أن توْقنا للراحة والحصول على كل ما نريد بدون مجهود يُذكر سيجعلنا نصاب بتخمة الفراغ التي تجتاح روحنا وجسدنا فنغدو مثقَلين بالفراغ الخالي من دهشة وروعة الإكتشاف التي نحصل عليها بعد كل اكتشاف..
وإذا خلت الدهشة من حياتنا فاقرؤوا على سعادتنا السلام وبالتالي يصبح المرتاح الغارق لأذنيه بفراغ الراحة تعيسا يبحث عن وسيلة مهما كانت غريبة أو مستهجَنة لتحقق له الدهشة.. وقد يرتكب الحماقات والمخالفات والممنوعات بحثا عن الدهشة وروعة الإكتشاف! والتفسير العلمي لروعة الإكتشاف تتأتى من هرمون السعادة الطبيعي الذي يفرزه الدماغ عند بذل مجهود عقلي أو جسدي ناهيك عن أن الشعور بقيمة الإنجاز الذي يحقق الذات.
صحيح أن «المفكر والمثقف « هو الأكثر تعبا من نظيره الذي يتعايش مع الواقع.. لأن المثقف والمفكر لا يقبل بالأشياء على علاّتها بل تراه يبحث وينقب ويحلل بحثا عن الحلول عبر سلسلة من العمليات المضنية ليصل إلى نتيجة يرضى عنها وقد يرفضها الآخرون.
بالمقابل هنالك الإنسان «الواقعي» الذي يعيش حياة مألوفة ومقبولة متوسطة قد تتخللها بين الحين والآخر دهشة عادية تتناسب وخياله المحدود وواقعيته الطاغية التي تجعله ينجح في حقول تناسب قدراته دون أن يتسلق أبراج «المفكرين» العاجية ، رافضا في الوقت ذاته التمرغ في سفاسف أمور»الطينيين» الذين تتمحور حياتهم حول عناصر دنيوية و مادية بحتة من أكل وشرب ونوم ولهو! فالواقعي العملي لحد النخاع قادر بدوره على الإنجاز الطبيعي دون أن يحلق في الخيال أو يغوص في النظريات وهو لا يندرج تحت فئة المفكرين ولكن منزلته أرفع وأرقى بكثير من منزلة «الطينيين»الغارقين في طينية ماديّة مقيتة تجعلهم لا يضيفون على الحياة شيئا بل يُنْقِصون منها.
وكم تكون فرحة المفكر والمثقف كبيرة إذا ما تم الإعتراف بإنجازه الفكري من خلال فسح المجال له لتطبيقه على أرض الواقع متجاوزا بذلك حيز التنظير.. وإلا ما فائدة المجهود الذي يبذله المثقف والمفكر في محاولاته للوصول لإكتشافات مذهلة ومفيدة إذا وضعت العراقيل أمام إنجازاته فيفشل في تنوير الآخرين؟
فما أحوج المفكرين والمثقفين إلى «واقعيين» يتعاونون معهم لبلورة إنجازهم على أرض الواقع.. فليوحدوا جهودهم فهم في غنى عن «الطينيين» الطارحين لثمار السلبية على الصعد كافة معرقلين مسيرة المنجِزين واضعين دوما الحواجز المادية والنفسية أمام كل تقدم وإنجاز!
ناديا هاشم العالول
المفضلات