عمان – الراي – طالب النائب عبد الرحيم البقاعي بضرورة استقلالية المجالس الرقابية في الأردن في اطار مكافحتها للفساد الإداري الذي بدأ يتغول على المؤسسات العامة والخاصة والمستقلة، مؤكداً ان الحراك السياسي الراهن والمطالبات الشعبية بالاصلاح السياسي مرده الاحتجاجات على الأوضاع الاقتصادية المتفاقمة على كاهل المواطن الأردني.
جاء ذلك في الجلسة النقاشية التي عقدها مركز بصر لدراسات المجتمع المدني بعنوان «الانعكاسات الاقتصادية للأحداث السياسية الراهنة في الأردن»، وذلك في إطار سلسلة «حوارات الأربعاء» التي أطلقها المركز، وأدارت الجلسة الدكتورة مي الطاهر، مديرة المركز.
وأكد المهندس البقاعي في الجلسة التي حضرها نخبة من رؤساء منظمات المجتمع المدني والنقابات العمالية وأعضاء من مجلس الأعيان والأحزاب السياسية، أن الاصلاح السياسي بات متلازما مع الاصلاح الاقتصادي ولا مجال لاستبدال واحد بالآخر، مشيراً الى ضرورة تفعيل دور المؤسسات الرقابية واستقلالها وفك ارتباطها بالاجهزة الحكومية، وإصلاح عملها الداخلي وانتظامها في رفع التقارير، وقيامها بالمساءلة الجادة للمؤسسات عن حالات الفساد الإداري والتجاوزات المتزايدة في قنوات عملها.
من جهته أوضح فهمي الكتوت ممثل التجمع الديمقراطي الأردني ان موازنات المؤسسات المستقلة باتت تشكل عبئا ثقيلا على موازنة الدولة ومستوى رواتب موظفيها البالغ 800 دينار شهريا يفوق معدل رواتب منتسبي القطاع العام. وأكد الكتوت ان تراجع النمو الاقتصادي ومعدلات التضخم المتراكمة في السنوات الخمس الأخيرة قد أثر سلباً على الطبقة العاملة ومن هنا فمن المطلوب إنصاف هذه الطبقة بزيادة أجورها، مؤكدا ان معظم منافذ الفساد من الممكن اغلاقها عبر تطبيق اصلاح سياسي حقيقي، الى جانب إعادة النظر في السياسات الاقتصادية.
وحول العمل النقابي في الأردن أكد خالد الزيود رئيس النقابة العامة للعاملين في البترول والكيماويات ان المفهوم الحقيقي للعمل النقابي قد أسقط من قبل الحكومات ولم يتم تمثيله في المجالس النيابية السابقة، والواقع العمالي الحالي يخدم أصحاب العمل على حساب العمال المهمشين حيث لا توجد مفاوضات عمالية ولا علاقات انتاج ناجحة. وأكد الزيود ان عدم ربط الأجور بالأسعار، اضافة الى غياب الخطط والاستراتيجيات في سوق العمل وعدم مواءمة التعليم مع مدخلات سوق العمل، كلها أدت الى اتساع البطالة وانتشار جيوب الفقر، الى جانب الفروقات الشاسعة في الرواتب داخل المؤسسة نفسها، وغياب العدالة الاجتماعية وعدم استقرار العامل، كلها شكلت أسبابا جوهرية وراء الاعتصامات العمالية والاحتجاجات الشعبية الأخيرة.
من جانبها أشارت ناديا هاشم/ العالول، رئيسة الجمعية الوطنية للحرية والنهج الديمقراطي الى تلازم الاصلاح السياسي بالاصلاح الاقتصادي، منوهة الى انتشار ظاهرة الفساد على الصعيد الإداري والاقتصادي والسياسي والاجتماعي، ومن هنا بحسب العالول، فمن الضروري التعامل مع الاحتجاجات الشعبية بجدية كبيرة ومن الضروري السعي الى ايجاد حلول منطقية وعملية.
وتساءل المهندس طارق التل، رئيس اللجنة الاقتصادية في جبهة العمل الإسلامي، عن وجود الإرادة الحقيقية للإصلاح، سواء بشقه الاقتصادي ام السياسي؟ فصحيح ان كتب التكليف تؤكد على الاصلاح ومكافحة الفساد، وصحيح انه تم تشكيل لجنة للحوار الوطني وأخرى لإصلاح الدستور، لكن الخشية هو ان يُلقى بأعمال هذه اللجان الاصلاحية على الرف ولا يتم الأخذ بها، كما حصل مسبقاً مع الأجندة الوطنية والميثاق الوطني.
وكشف التل عن عدم شفافية النظام الضريبي المعمول به في الأردن، فهناك ازدواجية في الضرائب التي يدفعها المواطن، والعديد من الضرائب غير مسنة بقانون ويتحمل الفقير كاهلها، مما ادى الى تآكل الطبقة الوسطى في المجتمع. وانتقد التل تطبيق الضريبة التصاعدية باعتبارها مخالفة للدستور، والتفضيل الممنوح للمؤسسات الكبيرة ذات الأرباح العالية والبنوك بتخفيض الضرائب عليها، وشدد على ضرورة تطبيق قانون عادل لضريبة الدخل. وحول أجهزة الرقابة، طالب التل بضرورة استقلالية مؤسسة مكافحة الفساد عن السلطة التنفيذية ووجوب تفعيل دورها في محاربة فئة الفاسدين الذين يشكلون الحلقة الأولى في اعاقة مسيرة الاصلاح.
اما أحمد عوض، مدير مركز الفينيق للدراسات الاقتصادية والمعلوماتية، فنوه الى تسارع جهود الاصلاح في الفترة القليلة الماضية، فقد تم الكشف عن عشرات الحالات من الفساد، فالرقابة اصبحت عالية على أداء المؤسسات العامة والخاصة والوزراء. وأشار عوض الى ان المشكلة الراهنة في الأردن هي مشكلة سياسية في الأساس، نشأت عن تراكم تنفيذ سياسات خاطئة. وانتقد حالة الفساد الموجودة في شركات القطاع الخاص، حيث نجد رواتب خيالية لأعضاء الإدارة العليا في بعض الشركات، في حين ان ذات الشركات تحقق خسائر مالية، وهناك عدم افصاح مع اصحاب الأسهم، وتشكل كل هذه الحالة تغيباً وخرقا لمبادئ حاكمية الشركات. وربط عوض ذلك بغياب النظام السياسي الديمقراطي الشفاف، حيث انه لو كان موجودا، لما حصلت هذه التجاوزات. كما ان غياب هذه الشفافية قد سمح بوجود العديد من المؤسسات المستقلة التي تم تكوين بعضها لخدمة وتنفيع اشخاص معينين.
وأشار محمود الحياري رئيس النقابة العامة للعاملين في البناء الى ان الحراك الشعبي الراهن في الأردن بات يطالب برفع سقف الحريات متأثرا في ذلك بالأحداث والتطورات الحاصلة في العالم العربي، مؤكدا على ترابط الحراك السياسي بالحراك الاقتصادي. ونوّه الحياري الى غياب العدالة الاجتماعية ليس على مستوى المواطنين فحسب، وإنما أيضا على مستوى المناطق والأقاليم، فتوزيع المكاسب غير عادل حتى بين العاصمة والمحافظات. وانتقد الحياري التوجه نحو ايقاف المشاريع الرأسمالية الكبيرة المشغلة للعمالة والمدرة للدخل، مشددا على اهمية رفع الأجور للعاملين نظرا للاوضاع الاقتصادية المتفاقمة.
من جانبه تحدث محمد السنيد رئيس لجنة عمال المياومة عن تعثر السياسات الاقتصادية التي تم تطبيقها بشكل متسرع، والتي جاءت استجابة لتغيير النهج السياسي وجاءت تحت مسمى تحرير الأسواق، فقامت بتدمير قطاعات اقتصادية حيوية ومنتجة في الأردن، فدمر قطاع الزراعة كما دمر قطاع المواشي وقطاع الخزف والبلاستيك، وأودت بذلك بمئات الآلاف من الأسر التي كانت تعتمد على هذه القطاعات. وحول الأحداث الراهنة في الأردن أشار السنيد انها بدأت بدافع اقتصادي اجتماعي وضد ارتفاع الأسعار، ثم تطورت الى مطالب سياسية بضرورة الاصلاح السياسي ومكافحة الفساد، عازيا السبب في ذلك الى الرخاوة في تطبيق القوانين. وطالب السنيد بتدخل الأحزاب السياسية في الحالة العمالية الراهنة حيث بات اصحاب العمل يطغون على العامل وحقوقه، وحيث انتشر الفساد داخل العمل النقابي نفسه.
المفضلات