مقالات
الإعتذار فن يتقنه القليلون..!
فـي دروب الحيـاة ومسالكها العديدة، يتعرض الكثيرون منا لخسارة أشخاص مقربين، سواء كانوا أقرباء أو أصدقاء؛ نتيجة لإرتكابنا الأخطاء بحقهم وإصرارنا على المكابرة وعدم الإعتذار... وكأننا نحن الوحيدون في هذا العالم الذين يملكون الأحاسيس والمشاعر المرهفـة في حين نعتقد جازمين أن الأخرين يفتقدونها... ففي هذه الحياة من أراد العيش بسلام مع الناس فليرتقي بهم ومعهم لا عليهم، وليتعلم فن الإعتذار بصدق والذي يضيف الكثير من الحضارة والرُقي لقيمتنا الإنسانية.
الإعتـذار ذاك الأسلوب الراقـي من أساليب التعامل الحضاري بين النـاس، فهو الفعل النبيل والكريم الذي نقوم به كي نعطي الأمل بتجديد العلاقات عندما تنقطـع؛ إضافـة الى كونـه إلتزاماً يحثنا على العمل لتحسين علاقتنا بالآخرين، وعلى تنمية وتطوير إنسانيتنا... فالإعتذار عند الخطأ هـو ليس مجرد لطافـة بل أسلوب تعامل إنساني وفـن له قواعده ومهاراته التي يتوجب علينا جميعـاً أن نتعلمها.
المعضلة الكبرى والإجحاف بحق هذه القيمة الإنسانية الراقيـة يكمن بندرة الإعتذار، والإستخفاف بقـدره في مجتمعنا، فمن يعتقد أن الأعتذار سيقلل من قيمته، ويفقده هيبته، وينقص من شأنه، هو مخطئ كل الخطأ، فالمرء الكبير قدراً هو من يعترف بأخطائه لأن «الإعتراف بالحق فضيلـة»... فكـم فقدنا في مشوار حياتنا من علاقة ثمينة وضربنا بعواطفنا وعواطف الآخرين عرض الحائط لمجرد إمتناعنا عن الإعتذار الصادق !!.
فقراء نحن في ثقافة الإعتذار بل نحاول مراراً وتكراراً أن نلتف حولها بالطلب من الآخرين طي صفحات الماضي وكأنه لم يحدث شيئاً، حتى لا تظهر أخطاؤنا وبذلك نضطر الى تقديم الإعتذار... متسائلين بعدها أين ذهب الصفاء والود القديم في هذه العلاقة ؟!... عندما نخطئ بحق الآخرين يتوجب علينا أن نقدم لهم الإعتذار الصادق النابع من الداخل، الذي بـه نزيـح من القلوب ما تراكم من طبقات الخصام وما ترسب من ضغائن في النفوس، وبذلك فقط نستطيع فعلياً أن نفتح صفحة جديدة مشرقة في علاقاتنا الإنسانية لمن أسأنا اليهم.
مهارة مهمة من مهارات الإتصال الإجتماعي هو الإعتذار، فكم مرت علينا من إشكاليات في حياتنا كانت ستحل وبكل سهولة لو قدمنا إعتذاراً بسيطاً، بدل من تقديم الحجج والأعذار التي لا نراعي فيها شعور الغير، أو إطلاق الإتهامات لمجرد الهروب من المواقف الحرجة!.
الإعتـذار بلسم يداوي الجـروح، فلو أدركنا الحقيقة البسيطة بأن أغلب قلوب المجروحين ليست جاحدة جامدة لا تقبل الإعتذار الصادق، بـل في داخلها تتلهف لتقبلـه... فكم شفى الإعتذار من عللٍ وأذهب من حسرات، وكم أخمد من لهيب وأسكن من ثورات كانت مشتعلـة في القلوب !!..
د. ديانا النمري
المفضلات