لحسن حداد
Tuesday, March 08, 2011
يكاد يكون هناك إجماع بأن ما يحتاجه المغرب الآن هو تدشين إصلاحات دستورية وسياسية واقتصادية جريئة تجعل البلاد تمر إلى ديمقراطية حقيقية تتمتع فيها السلط باستقلالية فعلية وتكون المؤسسات مسؤولة مسؤولية كاملة أمام الشعب ويسود فيها الملك ولا يحكم (مع مراعاة الخصوصية الدينية والتاريخية والثقافية للمغرب) ويتم بمقتضاها الانخراط في حداثة سياسية حقيقية تؤسس لثقافة المحاسبة والمسؤولية والتناوب والتعددية واختلاف الرأي.
يجب أن ندشن لكل هذا بسرعة فائقة لأن محيطنا الإقليمي يعرف مخاضا كبيرا ويعرف ثورات ورياح تغيير قوية وفي بعض الأحيان طوفانية، ولأن هناك إدراك كبير لدى الرأي العام على أن مسلسل الإصلاح الذي تم تدشينه منذ مجيئ الملك محمد السادس عرف تراجعات خطيرة خلال السنوات الأخيرة ولذا وجب المرور إلى مقاربة أكثر جرأة وأكثر مسؤولية للإصلاح، الذي يجب أن يكون عميقا وشاملا ويعرف انخراط الجميع. الاستثناء المغربي هو أن هناك إجماع على أن الإصلاح يجب أن يكون مع الملك لا ضده وفي إطار النظام الحالي وبمشاركة جميع الفرقاء. لكن السبيل للوصول إلى هذا المبتغى يقتضي إقالة حكومة السيد عباس الفاسي وتعيين حكومة وحدة وطنية، وإعطاء إشارات لتدشين قطيعة مع جميع أنواع الريع: الريع السياسي المتمثل في استبداد أشخاص معينين بالقرار السياسي واستعمال كل الأساليب والدسائس لممارسة سلطة ما فوق دستورية، الريع العائلي والمتمثل في وجود زبونية عائلية على مستوى التعيينات والمسؤوليات مما يفرع شعارات الشفافية من محتواها، الريع الاقتصادي والمتمثل في وجود لوبي معين يتدخل في دواليب الاقتصاد ويستعمله لتحقيق أهداف اقتصادية سياسية تضر بالتنافسية ومحيط الأعمال ومبدأ حرية التقاول. هذه ليست فقط مطالب شباب 20 فبراير ولكنها مطالب طبقات اجتماعية مختلفة ومطالب الطبقة السياسية بمختلف أطيافها ومطالب النخبة المثقفة ومطالب صانعي الرأي ومطالب رجال الأعمال والاقتصاد وغيرها.
لماذا يجب إقالة حكومة السيد عباس الفاسي؟ أليست هي نفسها قادرة على تدبير الإصلاحات المنشودة بتوافق مع الفرقاء ومع جلالة الملك؟ لا أظن ذلك. أولا، لأنها حكومة تتمتع بلا شعبية لم نشهدها منذ الاستقلال. ثانيا، لأنها ضعيفة فهي ليست لها رؤية ومقاربة حازمة في تدبير الشأن السياسي والاقتصادي حيث لم تستطع الضرب على أيادي من أرجعونا إلى مناخ الريع الاقتصادي والسياسي الذي تحدثث عنه أعلاه، بل وتغاضت عنه حتى صار أخطبوطا ضرب جل ما حققه المغاربة بقيادة جلالة الملك عرض الحائط. ثالثا، لأن تدبيرها لقطاعات مثل السكن والصحة ومحاربة الفقر وقضايا الطفولة والتعليم كان كارثيا أرجعنا إلى الوراء بسنوات. رابعا، لأن الإصلاحات التي سنقبل عليها تقتضي وجود حكومة تمثل جميع الأضياف السياسية وتكون مقاربتها للشأن العام قوية، وفعالة وناجعة ومبنية على النتائج.
حزب الاستقلال له رأي آخر وهو كالتالي: المشروعية الديمقراطية تقتضي أن يقود حزب الميزان الحكومة إلى حدود 2012 لأنه تبوأ الصدارة في انتخابات 2007 وأن الاحتكام إلى رأي الشارع هو مغامرة تؤدي بنا إلى نوع من الشعبوية السياسية يكون بمقتضاها الشارع وليست صناديق الاقتراع هي من يتحكم في التعبير عن رأي الشعب. هذا رأي يحترم ولكنه كان قد يكون صائبا لو لم تعرف المنطقة ثورتين (في تونس وفي مصر) ولم تعرف حراكا داميا في ليبيا، وشبه ثورة في اليمن، وحراكا سياسيا غير سبوق في البحرين والكويت والأردن والجزائر وحتى السعودية، وكاد هذا الرأي سيكون معقولا لو لم يعرف المغرب حركة 20 فبراير وما تبعها من نقاش بل ومساندة لمطالبها من طرف أحزاب أغلبية مثل الحركة الشعبية والاتحاد الاشتراكي والتقدم الاشتراكية ومن طرف أحزاب المعارضة المتمثلة في حزب العدالة والتنمية وبدرجة أقل ومتفاوتةالأصالة والدستور والأحرار.
كاد هذا الرأي أن يكون مقبولا لو أن المجتمع المدني برمته والرأي العام بكتابه ومثقفيه وصحافييه والقطاع الخاص والنقابات لم ينادوا بنفس الإصلاحات والإجراءات التي نادى بها شباب الفايسبوك. الاحتكام إلى الشارع مغامرة ولكننا هنا لسنا بصدد مجموعة من المتظاهرين ولكن أمام رأي عام يكاد يكون مجمعا حول الأهداف والمقاربة. ما يسميه الإخوة في حزب الاستقلال شارعا هو رأي عام له إجماع حول الثوابت ولكنه يريد تقوية هذه الثوابت خصوصا الملكية عبر مباشرة إصلاحات تردنا إلى الصدارة على مستوى المنطقة فيما يخص التغيير الذي دشّناه منذ عشر سنوات.
المفضلات