سهير بشناق - ..نراهم في الشوارع ، يتسول الواحد منهم ويطرق نوافذ السيارات مستجديا؛ نتعاطف معه ونساعده «لانه طفل» ، رغم قناعتنا بان تسوله يدار من قبل افراد اسرته.
..هنا: غالبا ما تكون الاسرة تراقب حركاته، و لكن لطفولته معاني كثيرة تعزف على اوتار الشفقة عليه!.
نتساءل بعدها :كيف يمكن لأم أن تزج بطفلها إلى الشارع او تستغله للتسول ؟
لكن هذا السؤال يصبح لا قيمة له امام تواجد طفل يبلغ من العمر عامين في وسط شارع بعبدون مزدحم بالسيارات التي تسير بسرعة كبيرة ، وهو يحاول جاهدا ان يبتعد عن كل سيارة تقابله تارة يمينا وتارة اخرى شمالا لكنه لا يتمكن من الوصول الى حافة الرصيف.
مشهد لا تستطيع الكلمات ان تصفه وكانه فيلم رعب حقيقي ان يقف طفل بهذا العمر في شارع مزدحم بالسيارات بسرعة كبيرة ، محاولا الفرار منها والسيارات تبتعد عنه برغم سرعتها فتحاول هي ايضا تجنب دهسه وتجنب وقوع حوادث اصطدام ببعضها البعض .
هذا ما حدث مع الطفل الذي كاد ان يفقد حياته في لحظة واحدة لولا رحمة الله سبحانه وتعالى به
بعد ان سخر له سيدة كانت تستقل سيارتها هي واطفالها لتشاهده بهذا الموقف، فاوقفت سيارتها وقامت بعبور الشارع والتقاطه لتصاب هي ايضا بحالة من الذهول والخوف على الطفل
فماذا ستفعل بالطفل الذي يسير بهذا الشارع بمفرده ؟
هل تسلمه للشرطة ام تبقيه معها ام تبحث عن اسرته التي ادركت ان بيته سيكون قريبا من المنطقة التي خرج منها بمحاذاة الشارع ؟
لكنها قررت ان تسير بالطفل الى جانب البيوت التي كانت على حافة الشارع فوجدت بيتا طرقت ابوابه محاولة الوصول الى اسرة الطفل ، التي وصلت اليه بعد جهد حيث رفضت ام الطفل الخروج لمقابلتها واكتفت بارسال قريبة لها تطالبها بترك الطفل امام البيت فقط ، لكنها اصرت على عدم ترك الطفل الا عند خروج والدته التي كانت منزعجة من اصرار السيدة التي بحوزتها الطفل لخروجها، وما ان قابلتها حتى بدات بالصراخ معتبرة ان ما قامت به يعتبر تدخلا مباشرا بها وبطفلها فلم تشكرها على انقاذها لطفلها ، ولم تسارع لحضن طفلها حيث خلت تعابير وجهها من ما يدل على قلقها وخوفها على طفلها الذي يبدو ان احدا لم يشعر بغيابه او يلاحظه.
الشعور بالرضا
عادت السيدة الى اطفالها وهي برغم ما تعرضت اليه من سوء معاملة من قبل ام الطفل الا انها شعرت بالرضا لتمكنها من اعادة الطفل الى اسرته، لكنها لم تتوقف عن التفكير بالطفل فمنظره وهو يسير بوسط الشارع لا يمكن ان يغيب عن ذاكرتها لتتساءل : كيف يمكن لأم ان تترك طفلها بهذا العمر يخرج من منزله دون ان يكون برفقة احد ؟
وكيف يمكن ان يصل حد الاهمال باطفال ليختاروا فتح ابواب منازلهم والخروج منها تقودهم طفولتهم البريئة للعب فيسيرون جنبا الى جنب بمخاطر كبيرة، قد تودي بحياتهم في لحظة واحدة كما كاد ان يحدث مع هذا الطفل فيقوم احد السائقين بدهسه وقد يكمل طريقه دون ان يتوقف .
اهمال بالأطفال
هذه التساؤلات المشروعة ترتبط عادة مع مواقف الاهمال التي يتعرض لها الاطفال سواء تمثلت بخروجهم من منازلهم بمفردهم ، فيتعرضون للدعس او لحوادث التحرشات الجنسية او الاعتداءات او بمواقف اخرى لا تقل اهمية عن ما ذكر ، كترك الحرية الكاملة للفتيات على مواقع التواصل الاجتماعي ليقعن فريسة علاقات كاذبة يتم من خلالها استغلالهن ونشر صورهن وتداولها بين الشباب بعد ان تكون الفتاة قد ارسلت صورها لصديقها فيسيء استخدامها ويقوم على استغلالها اسوأ استغلال .
هي الرقابة والمتابعة الغائبة عن اسر كثيرة تعتقد بها ان الثقة وحدها قادرة على درء اية مخاطر وسلبيات قد تقع بها الفتيات او الاطفال متجاهلين ان الاطفال والمراهقين يتشابهون في جانب حب الاكتشاف باختلاف اشكاله فالاطفال يرغبون باكتشاف الاشياء واللعب والخروج من المنازل بمفردهم وهي جوانب تشكل خطورة عليهم والمراهقين يرغبون باكتشاف الاخر فيقيمون علاقات مع فئة الشباب تبدا بصداقة وتنتهي بعلاقات غير سوية واستغلال واضح من قبل الشباب للمعلومات والصور التي بحوزتهم عن صديقاتهم .
متابعة مستمرة
ويؤكد الاخصائيون الاجتماعيون على ان دور الاسرة وخاصة الامهات لا يقتصر على تلبية احتياجات الابناء الاساسية من مأكل وملبس فحسب بل ان جميعهم باختلاف اعمارهم يحتاجون لمتابعة مستمرة سواء في المدرسة او في العلاقات الاجتماعية او داخل الاسرة .
واشاروا الى ان كل ما يتعرض له الطفل من مواقف خطرة، نابع من عدم رقابته بشكل مناسب وهذا ينطبق على خروج الاطفال من منازلهم بمفردهم، او عدم رقابة الابناء داخل الاسرة وترك الحرية الكاملة لهم لاستخدام الانترنت او مواقع التواصل الاجتماعي ليعرضهم لمشاكل عديدة تهدد مستقبلهم .
الاطفال باختلاف اعمارهم، مسؤولية كبيرة فبعيدا عن الظروف الخارجية التي يتعرض لها الطفل، الا ان التربية السليمة بمفاهميها المختلفة والحرص على توفير بيئة امنة لاطفالنا سوف تلعب دورا كبيرا في تنشئتهم تنشئة سليمة والمثل القائل « من يزع يحصد « ومن يزرع اللامبالاة باطفاله ولا يهتم بهم ويتابعهم سوف يجد بالمستقبل حصادا يسمى الفشل والندم .
المفضلات