التنشئة الاجتماعية في الفكر التربوي الإسلامي
لقد اهتم الإسلام اهتمامًا بالغًا بالطفولة باعتبارها صانعة المستقبل المنشود للأمة ونجد ذلك واضحًا في الآيات القرآنية الكريمة، مثل:
﴿الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا﴾ (سورة الكهف آية: 46).
﴿وَأَمْدَدْنَاكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَجَعَلْنَاكُمْ أَكْثَرَ نَفِيرًا﴾ (سورة الإسراء: 6).
وتبرز أهمية السنة النبوية بموضوع الأطفال والطفولة وخاصة المتعلق بالتنشئة الاجتماعية منذ اختيار الزوجة الصالحة ومرورًا بتسمية الطفل باسم حسن والاهتمام برعايته وإرضاعه والحرص على بناء شخصيته في جوانبها الاجتماعية والنفسية والفكرية والأخلاقية.
ويتمثل ذلك في بعض الأحاديث النبوية الشريفة التالية:
1- عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
{تخيروا لنطفكم وانكحوا الأكفاء} (رواه ابن ماجه).
2- وتبرز أهمية الاهتمام بالطفل منذ الميلاد فيما روى ابن عباس رضي الله عنه
{أن النبي صلى الله عليه وسلم أذن في أذن الحسن بن علي يوم ولد وأقام في أذنه اليسرى} (البيهقي في شعب الإيمان).
3- واهتم الرسول باسم الطفل لأن ذلك يؤثر على نفسيته، فقال صلى الله عليه وسلم:
{إنكم تدعون يوم القيامة بأسمائكم وبأسماء آبائكم فأحسنوا أسماءكم} (رواه أبو داود).
4- وفي مجال الحنان والحب ووجوب توفراهما للطفل روى البخاري بسنده أن أبا هريرة رضي الله عنه قال:
{قبّل رسول الله الحسن بن علي وعنده الأقرع بن حابس التميمي جالس فقال الأقرع: إن لي عشرة من الولد ما قبّلت
منهم أحدًا فنظر إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال: من لا يَرحم لا يُرحم} (متفق عليه).
5- وفي أهمية العدل بين الأبناء يقول عليه الصلاة والسلام:
{اتقوا الله واعدلوا بين أولادكم} (رواه البخاري).
كما يعتبر موضوع التنشئة الاجتماعية من المواضيع الهامة التي تناولها الباحثون في مجال علم النفس والاجتماع سواء
من ناحية المضامين أو الأساليب، نظرًا لأهمية هذا الموضوع في إعداد الأجيال القادمة التي ستحافظ على استمرارية وجود المجتمع ماديا ومعنويا.
والتنشئة الاجتماعية هي عملية انتقال الطفل من كائن بيولوجي إلى كائن اجتماعي ويتم هذا عن طريق التفاعل الاجتماعي مع الآخرين.
فالفرد خلال جميع مراحل عمره المختلفة يتعرض لمجموعة كبيرة من المعايير الاجتماعية والأحكام الخلقية واكتساب المهارات واللغة والثقافة والمعلومات التي تجعل منه كائنا اجتماعيا يتفاعل مع الآخرين له ثقافة وأفكار واتجاهات وميول خاصة به اكتسبها خلال عملية هذه التنشئة طوال حياته.
ويمكن وصف عملية التنشئة الاجتماعية بأنها العملية التي تتشكل فيها معايير الفرد ومهاراته ودوافعه واتجاهاته وسلوكه لكي تتوافق مع تلك التي يعتبرها المجتمع مرغوبة ومستحسنه لدوره الراهن أو المستقبل في المجتمع.
ومن أساليب التنشئة الاجتماعية عند الإمام الغزالي التي ينصح بها الوالد ما يأتي:
1- شجع طفلك على ممارسة الخلق الجميل، والفعل المحمود.
2- تجاهل أخطاء طفلك أول الأمر، ولا تكن معاقبه، فإن عاد فاستعمل اللوم والتوبيخ.
3- عود طفلك على الخشونة والبعد عن قرناء السوء، وأصل تأديب الصبيان الحفظ من قرناء السوء.
4- اغرس في الطفل احترام ومراعاة الآداب العامة، وينبغي أن لا يبصق في مجلسه ولا يتمخط ولا يتثاءب بحضرة
غيره ولا يستدبر غيره، ولا يضع رجل على رجل، ولا يضع كفه تحت ذقنه، مما يوضح لنا أن الوالدين هما من يقومان
بعملية التنشئة التي من خلالها تتشكل شخصية الطفل، ومشاعره وسلوكه، وعلاقاته بحيث يصبح عضوًا فاعلًا ومتفاعلا
ومنسجمًا ومنتجًا في المجتمع.
كما عرف علماء النفس دور الوالدين في عملية التنشئة الاجتماعية مع أطفالهم بأنها عملية تعليم وتعلم وتربية، تقوم على التفاعل الاجتماعي وتهدف إلى اكتساب الطفل سلوكًا ومعايير واتجاهات مناسبة لأدوار اجتماعية معينة، تمكنه من مسايرة جماعته والتوافق الاجتماعي معها وتكسبه الطابع الاجتماعي وتيسر له الاندماج في الحياة الاجتماعية إذ إنها عملية تشكيل السلوك الاجتماعي للطفل وهي عملية إدخال ثقافة المجتمع في بناء الشخصية.
فالوالدان هما من يلعبان الدور الأساسي في غرس السلوكيات المقبولة اجتماعيا من خلال الضبط الداخلي للسلوك الذي يغرسونه في نفوس أبنائهم والذي تكون بمثابة الضمير والرقيب على تصرفاتهم مستقبلًا.
لذلك يُنصح الأبوان أن يكونا قدوة لأبنائهما من خلال التزامهما بالأنماط السلوكية المتفقة مع تعاليم ديننا الإسلامي والمقبولة مع الآداب الاجتماعية فهما بمثابة اللبنة الأساسية في تكوين الضمير الأخلاقي في ذات الطفل.
كما يجب أن يحرص الأبوين على توفير الجو الأسري بإشعارهما بوجود أسرة مترابطة من خلال الاجتماعات العائلية كالالتزام بالوجود مع أفراد الأسرة في تناول الوجبات الغذائية اليومية كتخصيص يوم في كل أسبوع لقضاء الوقت معًا في نزهة.
منقول للفائدة
المفضلات