الخرافة في المجتمع الشرقي
- يقول احد الباحثين : فأزمات المجتمع العربي تكشف إن هناك وحشا خرافيا متربصا بالذهن العربي على استعداد للانطلاق وهدم كل ما أقامته الجامعات الشهرية في ذهن المتعلم العربي .فهناك خطر الانحراف في عملية نكوصية عند المتعلمين كي ينحدروا إلى ممارسات خرافية نتيجة تأثيرات المعاناة النفسية في ضغوطات الحياة الاجتماعية وسياسة القمع ... .
فالخرافة في مجتمعات الدول الثالث تتفشى بمختلف أنواعها وفي معظم طبقاتها خاصة الطبقات الفقيرة منها من الإيمان بالطقوس السحرية والجن والشياطين وقراءة الكف والتنجيم والعين والحسد والأبراج ، وسيطرتها على حياة البشر في عصر الأزمات وتردي الأوضاع والمأزق الاقتصادية والسياسية والاجتماعية كوسيلة لتخفيف الآلام الناجمة حينما يقف الفرد والمجتمع عاجزا عن الحلول الواقعية للنكبات التي تحل به سواء كانت مرضية او اقتصادية او زوجية او عائلية حينئذ يلجأ الفرد إلى الخرافة وما تحويه من أوهام كوسيلة لحفظ توازنه النفسي والوهمي ، ويتناسب انتشار الخرافة مع مقدار العجز عن التصدي لمشكلات الحياة ، ورغم شدة انتشارها في الطبقات المضطهدة فان الفئات المتعلمة لا تفلت منها كوسيلة أخيرة للهروب من الواقع ولع خير مثال على ذلك انتشار هذه الظاهرة في عدة بلدان عربية بعد حروب أهلية او نتيجة لأوضاع اقتصادية وسياسية متردية .
ولعل العجز عن القدرة على التصدي العقلاني والموضوعي لمشكلات الحياة وأزماتها يدفع المرء إلى العودة إلى المستوى الخرافي من حلول سحرية ، وغيبية وهذه بدورها تعمل حين تتأصل في النفس على إضعاف التحليل المنطقي والنظرة النقدية العلمية إلى الأمور ، من خلال مزج الواقع بالخيال ، غض البصر عن الحقائق المادية بإرجاعها إلى قوى غيبية الحسد ، الجن ، السحر ، الشياطين ، الحظ وكلما زاد العجز والقمع الفكري والاقتصادي ، والجهل والتخلف الفكري تفشت الخرافة ، ولذا ليس من المستغرب أن نجدها تعشعس في ذهن المرأة في المجتمع الغربي حيث وضعها المتخلف لأنها أكثر من غيرها قد حرمت أهم إمكانيات المجابهة العقلانية الموضوعية للواقع ، وفرض عليها إسقاط كل الانفعالات والعواطف بمختلف أنواعها ، وهي بدورها أكثر فئات المجتمع التي تؤمن بالخرافة وترسيخها من خلال غرسها في ذهنية الطفل والذي يكبر مع بقاء الخرافة متأصلة في أعماقه جاهزة الظهور أمام المصاعب وتصل الخرافة إلى مرتبة تعطيل الفكر التحليلي الموضوعي للواقع والأخذ بالأسباب المادية في التصدي له مشكلة معضلة فعلية أمام التغيير وعامل قوي في استفحال التخلف .
وتشجع بعض الفئات المتنفذة في المجتمعات المتخلفة هذه الممارسات بوسائل متنوعة ، مما يصرف الناس عن التصدي الفعال لواقعهم المتردي وهو ما يحفظ لهذه الفئات المتنفذة مكانتهم ويحول الأنظار عنهم كمسؤولين أساسيين عما يصيب المجتمع من تخلف وانحطاط وقمع ، انه تحالف المشعوذين باسم الدين ومع التجار وأصحاب النفوذ على الإنسان المقموع والمضطهد كي يحقق الجميع مآربهم المشتركة ، لقاء ما يعللون به أنفسهم من أوهام الخلاص من الشر والخطر او المرض الذي حل بهم او بأحد أفراد أسرهم ومن خلال ذلك التشجيع والتحالف تتأصل السيطرة الخرافية على المصير في تقسية الإنسان حتى تبلغ مرتبة الإيمان والعقيدة الراسخة وما يساعد في ذلك ما تزين به هذه الممارسات من طابع ديني يجعلها تدخل في فئة التقديس الذي لا يناقش مستغلة ذلك عواطف ومشاعر الناس الدينية في هذه المجتمعات فتصل مباشرة إلى قلبه ويربطها بإيمانه الديني مما يزيد من هيمنتها عليه والتمسك بها .
وهذه الظاهرة تتفشى في الأشخاص الذين يريدون أن ينفون المسؤولية الشخصية في تحمل أعباء المصير الذي حل بهم من مرض او كارثة او اضطراب في العلاقات الاجتماعية وبذلك أيضا يجدون تبريرا مقبولا ومريحا لهم بأن ذلك الأمر ليس مرضا نفسيا او ليس من صنع أيديهم وعجزهم بل هو آت من قوى غيبية الشياطين ، الجن ، الحسد ، العين ، ... الخ وبذلك تدخل الطمأنينة الوهمية إلى نفس الإنسان وبنفس الوقت تستخدم كوسيلة للارتزاق من قبل أصحاب الطقوس الدينية الذين يدعون العلم والقدرة على تغيير الأحوال والمصير وتخليص الإنسان المتخلف من مصائبه وقلقه على المستقبل .
د. محمد عبد الكريم الشوبكي
المفضلات