[poem font="simplified arabic,6,blue,bold,normal" bkcolor="transparent" bkimage="" border="none,4," type=0 line=0 align=center use=ex num="0,black"]
يُحكى بأن عاقلاً فهيما
= مُجرِّباً مُحنكاً حكيما
قد حنّكته موجعاتُ الدهرِ
= فصار العلمُ عنده كالنهرِ
علمٌ بكل صادرٍ وواردِ
= وخائبٍ من الورى وماجدِ
أوصى ابنَه عند حلول الموتِ
= وصيةً قبل انقطاع الصوتِ
فقال يا ابني هذه تجاربي
= ثلاثةً خذها بعقلٍ ثاقبِ
لا تصحبِ السلطانَ مهما زينوا
= لك الصعودَ للعلا وبينوا
فربما هلكتَ من أدنى سببْ
= وما الذي يحميك منه إن غضبْ
والسرَّ أبعدهُ عن النساءِ
= كأنه الجوزاءُ في السماءِ
كم جرَّ حسنُ الظنِّ من بلية
= حتى وإن فشا بحسن نية
ولا تُزوِّج ساقطاً بخيلا
= فلن ترى مشرفاً مقبولا
يزدادُ كلما قربتَ بعدا
= لو كان مالُهُ يفوقُ العدا
فمات بعد هذه النصيحة
= والنفسُ للتطبيقِ مستريحة
فقال بعد زمنٍ قصيرِ
= ماذا يكون بعدها مصيري
لو أنني أزريتُ بالوصيةْ
= وقمتُ بالتجاربِ الفعلية
له بزهرةِ الزواجِ اختانِ
= قد أزرتا بروعة الغزلانِ
فزوّجَ الأولى كريماً معدما
= لكنه في الضنك يُلفى ضيغما
وزوّجَ الأخرى غنياً ساقطا
= لما رأى الأموالَ والمرابطا
ولم تَدُرْ دورتَها الأيامُ
= حتى غدتْ تُجله الحكامُ
وصار للسلطان خيرَ صاحبِ
= ومستشارَ القصرِ في النوائبِ
لا يقطعُ السلطانُ أمراً دونَهُ
= والناسُ كلُّ الناسِ يمدحونَهُ
وكان للسلطان حولَ القصرِ
= حديقةً تُعَدُّ رمزَ العصرِ
قد جُمِّعتْ بها من الأحياءِ
= من كل غابةٍ ومن صحراء
ومن بلاد العربِ والأعاجمِِ
= غرائبُ الطيور والبهائمِ
بها نعامةٌ إليه أهديتْ
= يراها خيرَ نعمةٍ قد أسديتْ
فقال لو أني بلا ملامة
= أخفيتُ عندي هذه النعامة
وانكشفَ الأمرُ وغابَ العذرُ
= ولم يُصدَّقْ قسمٌ أونذرُ
فهل يسامحُ السلطانُ صاحبَهْ
= أم أنها مجاملاتٌ كاذبةْ
فقام بعد درسِهِ القضية
= بخطوةٍ جريئةٍ ذكية
أخفى عن الأصحاب والأخوانِ
= بمكره نعامةَ السلطانِ
ثم أتى بخفيةٍ لأمه
= بلحمةٍ ملفوفةٍ بكمه
وقال هاك لحمة سرية
= أريد كتمَها عن البرية
لو بان من ذا السر أيُّ كشفِ
= ففيه يا أغلى الأنام حتفي
فلو درى السلطان ذو الجنودِ
= ما غابت الشمسُ على وجودي
ولو درى قامت لها قيامته
= أنا الذي أخذتها نعامته
فأقسمت ألا تذيع السرا
= ولا يرى ابنُها بذاك شرا
لكنها من باب حسن الظنِّ
= أذاعت السر بلا تأني
سر ابنها ليست تشك فيه
= لكنها من ضعفها تفشيهِ
وأوصت الجارة ألا يظهرا
= ولو بسجن الصدر عاش أدهرا
فأقسمت جارتُها أن يُكتَما
= خوفاً على ابن حيها أن يُعدما
راحت تبث بينهم أسراره
= فأبلغته أربعين جارة
قد وزعت أسراره الخطيرة
= كأنها محطة الجزيرة
وانتشر الكلامُ في المجالسِ
= كأنه نارٌ بزرعٍ يابسِ
حتى تناهى خبرُ النعامة
= إلى السلطانِ صاحبِ الفخامة
فانتفخ السلطانُ كالبالونِ
= وغاب عنه الوعيُ كالمجنونِ
ونام عنه اللطف والتوقيرُ
= فقال أين ذلك الحقيرُ
لأرمينه بسجنٍ مرعبِ
= مختلفٍ عن مشرقِ أو مغربِ
يذوق طعمَ الذل والصغارِ
= لا يعرف الليل من النهارِ
حتى يكون الدفنُ في الرمالِ
= أمنيةً بعيدة المنالِ
فجاءه والصوتُ عالٍ يصدحُ
= ومن عيونه الشرارُ يقدحُ
لكن قوماً عنده تدخلوا
= فأنقذوه حيث كاد يقتلُ
والشر حين يمتطي حصانَهْ
= تردعه حصافةُ البِطانة
فقال بعد العنف والصرامة
= قد خُففَ العقابُ للغرامة
ألزمتكم بأربعين ناقة
= جميلة الأوصاف والعراقة
إن لم تُجمِّعها بربع عامِ
= فالرأسُ منك ثالثُ الأقدامِ
فعاش فترةً بهَمٍّ راسفة
= كأنه سفينة في عاصفة
أو هكذا للناس قد تظاهرا
= فكان بالتمثيل فهما ماهرا
فشد للصهر الغني عزمتَهْ
= لعله يفك اليوم أزمتَهْ
ففاجأته الإبلُ كالجرادِ
= أبْعَدُها يراه كالقُرادِ
فقص قصة تُثيرُ الحُوبا
= بنغمةٍ ترقق القلوبا
لكنها لم تلق أذناً صاغية
= بل صادفت نفس شحيحٍ طاغية
قد استهل منعه بزجره
= لكي يكون قابلاً لعذره
يقول حُقَّ للأكول دفنه
= ما أهلك الإنسان إلا بطنُهُ
نعامةٌ تحفها المناصلُ
= تغيب عنك غيرها المآكلُ
ثوبٌ تشقه ونحن نرقعه
= فذلك التيس الذي سأدفعه
غرامةٌ عليك لا علينا
= ونحن من لهيبها صلينا
فقام مهموماً به بئيسا
= لصهره الثاني يقود التيسا
فجاء صهرَه الفقيرَ شاكيا
= وواصفاً لِما دهاه باكيا
فانتفض الكريم كالغضنفر
= مستنجداً بقومه والمعشرِ
تجمعوا كأنهم ذئابُ
= سريعةُ الحضور لا تهابُ
فلم يُكمِّلْ للرجال قصتّهْ
= حتى أبان كل شهمٍ حصتَه
فاجتمعتْ في مجلسٍ معجَّلِ
= من النياق أربعون عيطل
فساقها مهرولاً ومُسرعا
= يكاد رجف قلبه أن يُسمعا
فقد رأى السلطان أمراً مُذهلا
= يقول لما أن رآه مقبلا
لقنته درسا عظيماً أقعسا
= وحُق للخائن أن يدرسا
قد خيمت برأسه الشرورُ
= مزمجراً بصدره الغرورُ
فجاءه وسلم الأذوادا
= والخوف راح والأمان سادا
فاستأذن السلطان أن يغيبا
= سويعةً ليظهر العجيبا
فراح وهو آمنٌ حِمامه
= مستعجلا وأحضر النعامة
فاندهش السلطان من أفعاله
= وجمع الدهشة في سؤاله
فقال كدت وقتها أن أقبرك
= فما الذي على الهلاك أجبركْ
فقال يا سلطان هل أقولها
= ومنك يبدو واضحاً قبولها
أجبرني على الذي فعلته
= وباب موتٍ مهلكٍ دخلته
نصائحٌ لوالدي نقية
= في ساعة الوفاة كالهدية
أردت أن أقوم بالتجاربِ
= وأن أخوض لجة المصائب
وجدتُها أمينة ثمينة
= عظيمة سليمة قويمة
ً
زوجت أختي ماجداً كريما
= وأختها زوجتها اللئيما
كلاهما لم أندهش من فعله
= فكل واحد أتى كأصله
والسر رغم كونه خطيرا
= لم يُحتبسْ في صدرها عُصيرا
سرٌّ به سفكُ دمي وذمّي
= أفشته بين الناس وهي أمي
و أنت بعد كل ما نقدم
= قد كاد في نعامةٍ يُهدم
نسيتَ طاعتي بعهدٍ غابرِ
= وكل خدمتي لأجل طائرِ
أخذتَ يومأً مقبض الحسامِ
= لجعل رأسي ثالث الأقدامِ
فأخجلَ السلطانَ ثم أقسما
= ألا تعد اليوم مني أكرما
خذها بكل نعمةٍ محملة
= وباعتذارٍ رائقٍ مجملة
فساقها لأهلها وزادَها
= بكل ما تحمله أعادها
فجاء ذلك البخيل يُرعدُ
= يقول أين حقي وهو يزبد
فقال ليس للبخيل إلا
= كما رأينا من يديه قبلا
والله لا يُحملُ للخسيس
= إلا الذي يحملُ ظهرُ التيسِ[/poem]
المفضلات