نصف المطلق سراحهم يكررون الفعل الإجرامي لعدم وجود فرص عمل
دراسة: الخارجون من السجن يواجهون "سجنا أكبر" قضبانه المجتمع
بعد قضائه مدة محكوميته البالغة 10 سنوات، خرج المهندس محمود، العام الماضي من السجن، ليواجه سجنا أكبر، وفق تعبيره، بعد أن لم يجد أحدا يرضى بتشغيله، إلا بوجود شهادة عدم محكومية، في حين أن من يعلم بقصته من أصحاب المصانع والشركات، يحاول استغلاله بإعطائه راتبا ضئيلا.
محمود الذي تخرج قبل عام من تاريخ سجنه، تورط بمشاجرة أدت الى قتله شخصا من المشتركين فيها، مؤكدا أنه نادم على ما فعله، غير أنه يأمل بمنحه فرصة جديدة يستطيع من خلالها تحقيق طموحه.
ويشير محمود، إلى أنه كان طوال فترة قضاء محكوميته حسن السيرة والسلوك، بل إنه ساهم بتعليم القراءة والكتابة لمئات المساجين، كونه كان مديرا لقسم التدريس في السجن.
محمود، وغيره من السجناء السابقين، تحدثوا أمس عما عانوه بعد خروجهم من السجن، أمام عدد من النواب والإعلاميين وممثلين عن منظمات المجتمع المدني، في دائرة مستديرة عقدها أمس المعهد الدولي لتضامن النساء، لإطلاق نتائج دراسة ميدانية متخصصة بعنوان "صدمة الإفراج لنزلاء مراكز الإصلاح والتأهيل واندماجهم في المجتمع"، أعدها الباحثان عبدالله الناصر وحسين رواشدة.
وبينت نتائج الدراسة أن ما يقارب نصف العينة (47.7 %) كررت الفعل الإجرامي، وعادت إلى السجن، مشيرة إلى أن ثلث المكررين عزوا ذلك إلى عدم وجود فرصة عمل، في حين قال 1.3 % إنهم ارتكبوا الجرم لوجود مشكلات عائلية، ووصف 1،9 % السجن بأنه "أفضل مأوى".
وبحسب الدراسة تم اختيار العينة باتباع الطريقة العشوائية الطبقية متعددة المراحل، لضمان عينة ممثلة لمعظم السجون الرئيسية الموجودة في المملكة.
وبلغ عدد أفراد عينة الدراسة 507 سجيناً من الجنسين، في حين بلغ عدد المستجيبين بشكل كامل لتعبئة سائر البيانات الخاصة باستبانة الدراسة 471 شخصاً من السجناء الذكور والإناث من المرشحين لمغادرة السجن، بسبب انتهاء محكوميتهم.
وحول ما إذا كانت قدمت للسجين "برامج تهيئة" لمرحلة ما بعد السجن، تبين أن ما يقارب نصف العينة (65.2 %) أكدوا عدم توفير هذه البرامج، ما يشير إلى وجود مشكلة وقصور واضح في تلبية احتياجات هذه الفئة لمرحلة الاندماج في المجتمع.
أما حول توفر مصدر دخل يكفي لتغطية نفقات أسرة السجين بعد خروجه، فتبيّن أن معظم أفراد العينة (70.7 %) ليس لديهم مصدر مالي للإنفاق، كما أشارت الدراسة إلى أن ثلث العينة تقريباً (29.9 %) ليس لديها مكان للسكن بعد الخروج من السجن.
وفيما يتعلق بدرجة شعور السجين حول ما إذا كان سيجد صعوبة بالغة في العودة إلى عمله السابق بعد خروجه من السجن، أجاب نصف أفراد العينة بأنهم سيجدون "صعوبة بدرجة كبيرة"، جدا فيما أجاب النصف الآخر بأنهم سيجدون "صعوبة كبيرة".
وبالنسبة لشعور السجين بالقلق من عدم تقبل زوجته له بعد خروجه من السجن، تبين أن نسبة تشكّل ثلثي أفراد العينة (36.7 %؛ 20.8 %؛ 3.4 %)، عبّرت عن كونها تشعر بالقلق من ذلك بـ"درجة متوسطة"، و"كبيرة جداً"، و"كبيرة" على التوالي.
أما حول درجة شعور السجين بالقلق والاكتئاب الشديدين كلما اقترب موعد خروجه من السجنِ، تبين أن نسبة كبيرة من أفراد العينة (37.8 %؛ 6.2 %)، تشعر بذلك بدرجة "كبيرة جداً"، و"كبيرة".
وبخصوص درجة شعور السجين بالضيق والكرب الشديدين كلما اقترب موعد خروجه من السجن، بينت الدراسة أن نسبة مرتفعة من أفراد العينة (31 %)؛ (9.1 %) ، تشعر بذلك بدرجة "كبيرة جداً" وبدرجة "كبيرة" على التوالي.
وأوصت الدراسة بأهمية تمكين القيم الإيجابية لدى السجينِ، من خلالِ تقوية الوازع والوعي الدينيين، بحيث يتم إيلاء البرامج الدينية المطبقّة داخل السجن لإرشاد السجناء الاهتمام الكافي، وتطويرها باستمرار، واستثمار الوازع الديني في ترسيخ قيم الفضيلة والاعتدال لدى السجناء، وحثهم على التوبة. ودعت إلى توفيرِ برامجِ الإرشاد النفسي للسجناء، من خلال تعيين مرشدين يتولون تحديد احتياجات السجناء وإحالتهم إلى مؤسساتِ الخدمات الصحية النفسية والاجتماعية.
وحثت الدراسة على توفير أعداد كافية من الأَسِرّة داخل المركز الوطني للصحة النفسية "الفحيص"، لاستقبال السجناء الذين يعانون من أمراض نفسية ويشكلون مصدر إزعاج وقلق لغيرهم من السجناء، ما يضطر إدارة السجن إلى حجزهم، أحياناً، في زنازين منفردة مخصصة لعقاب من أساء التصرف داخل السجن.
وقالت الدراسة إن "السجين المفرج عنه لا يستطيع الحصول على عمل، نتيجة لعدم قدرته على الحصول على عدم محكومية أو حسن سلوك، وهنا قد نساعده بتقديم قرض ميسر لإقامة عمل خاص له يتواءم مع طبيعة المهنة التي تدرب عليها في السجن، وبالتالي يعتبر ذلك إدامة وصيانة للبرامج التي قدمت له داخل السجن".
وأكدت على أهمية توفير مكان إقامة (Shelter) للسكنِ المؤقت للنزلاءِ الذين يتبيّن عدم وجودِ مكان لإقامتهم، بخاصة النساء السجينات، تحت إشرافِ برنامج الرعاية اللاحقة.
وشددت الدراسة على ضرورة التنسيق بين المؤسسات العقابية ووزارة العمل، والشركة الوطنية للتدريب المهني، وغيرها من المؤسسات الرسمية، لتوفير فرص عمل للسجناء بعد الإفراج عنهم، ومتابعة سير عملهم لمدة ستة أشهر على الأقل، لتذليل الصعوبات التي تواجههم.
ودعت الدراسة إلى تنظيم مؤتمر وطني حول الرعاية اللاحقة "للسجناء وأسرهم"، تشارك فيه سائر منظمات المجتمع المحلي، بحضور دولي لدراسة الجوانب القانونية والاقتصادية والأبعاد الاجتماعية والنفسية للسجناء، خلال قضائهم فترة العقوبة أو بعد الإفراج عنهم، علماً أن ثمة مبادرة أطلقتها إدارة مراكز الإصلاح والتأهيل في هذا الاتجاه.
وحثت الدراسة على ضرورة عدم توقيفِ الفتيات إدارياً في السجون لحمايتهن، مؤكدة على أهمية إنشاء بيوت خاصة لتوقيفهن حفاظاً على كرامتهن، وتجنباً لما يتركه السجن من آثار سلبية نفسيا واجتماعيا عليهن.
ودعت الدراسة إلى نقل ملف إدارة السجون، والإشراف عليها من وزارة الداخلية إلى وزارة العدل، وذلك لفك التضارب في الأدوار والمهمات التي تترتب على أجهزة الأمن في الضبط والتحقيق، والأخرى المتعلقة بالإصلاح والتأهيل، التي يفترض أن تقوم بها مؤسسات أخرى كوزارة العدل مثلاً.
ونادت بإعادة النظر في القرارات الإدارية التي تفرض "الإقامة الجبرية" على بعض المفرج عنهم، وذلك لما يترتب عليها من سلبيات تؤثر على فكرة دمج السجناء في مجتمعهم، أو من نتائج تدفع هؤلاء إلى تكرار جرائمهم، من خلال إيجاد بيئة مغلقة تسمح لهم بالتواصل بشكل دائم مع أصدقائهم وشركائهم في الفعل الجرمي.
الحقيقة الدولية – الغد – 28-4-2011
المصدر : الحقيقة الدولية – الغد – 28-4-2011
المفضلات