في هذا اليوم الأغرّ، نستذكر باعتبارٍ وافتكارٍ ذكرى الثورة العربية الكبرى، ويُطلّ علينا ومِسحة التقوى على أمَارات وجهه "المنقذ الأعظم" شريف مكة الحسين ابن علي طيب الله ثراه، الذي أطلق الرصاصة الأولى على قلعة الترك في مكة المكرمة إيذاناً بإعلان انتفاضة العرب الكبرى على حكم الدولة العثمانية، وحملَ مِشْعَل الثورة المُنير ومضى يبدّد عتمة الظلم والاضطهاد والتسلط التي ظللت لأربعة قرون من الزمن آفاق الأمة العربية. كان إيمانه الراسخ بعدالة مشروعه لتحرير العرب وتوحيدهم وإعادة مجد الأمة المحرّك والدافِع ليمضي بهمةٍ لا تلين، وأنجاله الميامين من حوله، في المهمة السامية التي قوبلت بتأييدِ ومساندةِ أشراف العرب وأحرارهم. وبالرغم من العقبات التي برزت والتحديات التي تكشفت غير أنه أحسن تذليلها بما عُرف عنه مِن رأي حكيمٍ وفكرٍ ثاقب.
ونحتفل ونزهو في هذا اليوم بمَن يُرصِّع التاج المفدى هاماتهم جند الحق وحماة الوطن، في يوم الجيش: "الجيش العربي" هذا الاسم المنطبع على صفحات قلوبنا، وكان أطلقه الملك الشهيد المؤسس عبد الله الأول ابن الحسين طيب الله ثراه على جيشنا المظفر، وأراده لبعد نظره وبصيرته "جيشاً لكل العرب" وإنه لكذلك والحق يقال، فهو الدرع الواقي للأمة بوجه أيّ عدوان والمنتصر لقضاياها. وقد حمل أمانة وقوفِه بإباءٍ على أطول خط نارٍ بوجه الأطماع الصهيونية، وتصدى ببسالة نادرة عندما صدق الوعد ودعاه المجد في معركة الكرامة الخالدة، وشارك في الذود عن حياض دولٍ عربية في فتراتٍ عصيبة مرّت بها. وبمناسبة عيد الجيش، نستذكر بإكبارٍ الخطوة الشجاعة التي قام بها جلالة الملك الحسين بن طلال طيب الله ثراه "تعريب قيادة الجيش" حيث أخذ نشامى الأردن بعلوّ هِمَمِهِم وعظيم ولائهم وانتمائهم دورهم الحقيقي على أرضهم وترابهم. ونذكر بفخرٍ في هذا اليوم، جهود "قوات حفظ السلام الأردنية" العاملة ضمن بعثة الأمم المتحدة في بلدانٍ غير مستقرة من العالم، حيث تمكنت بخبرة وشجاعة منتسبيها تحقيق السِلم المنشود في المناطق المتنازع عليها، يواكب هذا الأعمال الإنسانية التي أدّتها بكفاءةٍ وعلى رأسها العون الطبي.
ونتوج احتفالاتنا في هذا النهار المشرق بعيد جلوس جلالة الملك عبد الله الثاني بن الحسين المعظم على العرش، وحمله بإيمانٍ وعزمٍ الراية الشريفة مترسماً خطى الآباء والأجداد الذين كتبوا بجهادهم ودمائهم جيلاً بعد جيل ملحمة متتالية الفصول متصلة الحلقات، لخدمة أمتهم ورفع شأن وطنهم وتأمين غدٍ أفضلَ لأبنائه ليعيشوا بعزةٍ وكرامة. هذا وقد قطعت المملكة الأردنية الهاشمية بحكمة جلالته وفِطنته شأواً عظيماً في شتى المجالات، وتعاظمت المنجزات على الأصعدة المختلفة. ويسجل التاريخ والعالم بأسره لجلالته حفظه الله حضوره المستمر بين أبناء شعبه، لاستجلاء حاجاتهم والإصغاء إلى مطالبهم واجتثاث ما يكدر صفو حياة أيّ فردٍ منهم.
وفي الوقت الذي تمر فيه المنطقة بمتغيراتٍ ومستجداتٍ استغلها بقسْوَةٍ أصحاب المآرب، وتلاقت مع أحلام الطامعين الذين مُنية قلوبهم أن تزمجر الفوضى ويدب الهلع وتسفك دماء الأبرياء بيد بني جِلدَتِهم، بالإضافة إلى إشغال الشعوب والقادة عن الطامعين المتربصين بمخططاتٍ خطيرة ليست خافية على كل ذي لُبٍ، فإننا ندعو الله أن تعبر المنطقة وشعوبها إلى شواطئ السلامة وأن يتم وضع الاعتبارات الوطنية وأمن الناس وكرامتهم فوق كل اعتبار.
وإن كان المستقبل غير واضح المعالم لدى الكثيرين في عالمنا، فإننا في الأردن وبوعي إنسانه المُنصِف في تِقييم الأمور، نسير بخطىً ثابتة مدروسة لما فيه ازدهار الوطن وخير المواطن بفضل قيادتنا الهاشمية رمز كياننا ومعقد رجائنا. وغداً عندما تنقشع الغيوم المتلبدة من حولنا سيدرك الجميع والجيل القادم من بعد، كم كانت الأسس والمرتكزات التي وضعت لأردننا الأغلى متينة حكيمة. وحسبنا القول السامي لجلالته حفظه الله "أنا متفاءلٌ بالمستقبل، وأؤمِن أننا سنحقق أهدافنا وطموحاتنا إذا عملنا كفريقٍ واحدٍ من خلال شراكة حقيقية".
حنا ميخائيل سلامة
المفضلات