دراسات طبيه حول الاثار الصحيه للبلاستيك
حفل هذا العام بمجموعة كبيرة من الدراسات الطبية الصادرة عن مراكز الأبحاث العالمية تعيد طرح الحديث وبقوة حول الآثار الصحية للبلاستيك، ليس لاستخداماته في الحياة اليومية كعبوات حفظ المواد الغذائية من الأطعمة بأنواعها والمشروبات والمياه المعبأة أو الأجهزة المنزلية والأدوات المكتبية فحسب، بل تتجاوز ذلك للحديث بشكل خاص وبأولوية مُلحة عن استخدامه فيما يتصل بالأطفال وتغذيتهم، كقوارير الرضع البلاستيكية وأواني الطعام أو الشراب أو في الحفائض أو الألعاب وغيرها مما له علاقة مباشرة بهم. وكذلك بدرجة حيوية في الاستخدامات الطبية كأوعية إعطاء المحاليل الطبية أو الأدوية، أو في الحقن البلاستيكية أو الأنابيب المستخدمة في إعطاء الأوكسجين وغيرها من الاستخدامات في غرف العمليات أو غرف العناية المركزة. ليصل إلى الحديث عن استخداماتها من قبل أطباء الأسنان.
في عدد ديسمبر من مجلة علم الغدد الصماء الأميركية نشر مقالان حول دراسة البروفيسور سكوت بلتشر المتخصص في علم الأدوية والفيزياء الحيوية للخلية الحية، وفريق البحث المشارك معه من كلية الطب في جامعة سينسناتي بولاية أوهايو الأميركية، يتحدث عن الآثار السلبية على الصحة لمادة بيسفينول إيه A Bisphenol (BPA)
ويضيف البروفيسور بيلتشر أن مركب مادة بيسفينول ـ إيه مرتبط ضمن مركبات اللدائن المستخدمة في إنتاج البلاستيك. والمكونة من جزيئات الكربون العديدة. والبلاستيك مصطلح يغطي طيفاً واسعاً من منتجات المواد العضوية المكثفة أو المبلمرة، والتي يمكن تشكيلها على هيئة ألياف أو رقائق أو أشياء مجسمة. واسمها مشتق من هيئتها شبه السائلة التي لديها خاصية الليونة أو اللدونة المطاوعة للتشكل بما يشاء المستخدم لها في الصناعة. ونظراً لاختلاف مكوناتها من العناصر والمواد الكيميائية المكونة لها فإن خصائص أنواع البلاستيك تختلف من حيث التفاعل من الحرارة ودرجة صلابتها ووزنها وغيرها من الصفات. والأصل في اللدائن الصناعية هي سلاسل طويلة من الكربون أو السليكون. وشبيهة في ذلك باللدائن الطبيعية كالمطاط الذي كان يستخدم في الماضي والمكون من مادة السليلوز النباتية. أو كمادة الشمع وغيرها.
وظهرت مادة باكيلايت عام 1909 كأول بلاستيك حقيقي. ثم بعد الحرب العالمية الأولى ظهر نوعان من البلاستيك هما «البوليسترين». ثم «البولي فينايل كلورايد» الأقوى روابط كيمائية بذرات الكلور. ثم ظهر النايلون عام 1936 في الولايات المتحدة. وأخذت الأبحاث تنتج أنواعاً مختلفة من اللدائن بصفات واستخدامات متشعبة كالبولي إيثيلين والبولي روبيلين والبوليستر والزجاج الصناعي والتيفلون واللاكسان وغيرها.
وفي حين أن الاعتقاد السابق كان يتبنى مقولة أن البلاستيك مكون من مواد ثابتة لا تتغير، فإن العلماء وفي السنوات الماضية بدأوا في تغيير هذه النظرة ذلك أن الروابط فيما بين جزيئات مكونات البلاستيك بأنواعه المختلفة هي في حقيقة الأمر وخلافاً لما يُشاع روابط غير ثابتة وغير مستقرة. وبالتالي هناك واقع مفاده أن جزيئات منها تذوب في الأطعمة والمشروبات أو غيرها من المحتويات التي تلامسها كالمحاليل الطبية أو الأدوية بدرجات متفاوتة. والذي تحدثت عنه الدراسات الطبية بكثرة حتى اليوم هما مادتان، لكن سلسلة الحديث والبحث قد تطول لتشمل غيرهما من المواد الموجودة في البلاستيك. المادتان هما مادة بيسفينول ـ إيه ومادة «دي إي اتش بي». والدراسات التي تناولت تأثيرهما وجدت أنهما ضارتين على الصحة من جوانب عدة.
ولو نظرنا لوجدنا أن مادة بيسفينول ـ إيه الكيميائية تُستخدم في بناء سلاسل الكربون العديدة في البلاستيك المعروفة استخداماته الواسعة. وكذلك في صناعة أحد أنواع الصمغ وهو صمغ إبوكسي الراتنجي الواسع الاستخدام أيضاً في الصناعات الكهربائية والأصباغ والصمغ وكذلك كبطانة واقية للعديد من الأمور كمعلبات المواد الغذائية والمشروبات بأنواعها. والإنتاج العالمي لهذه المادة بحسب إحصائيات عام 2002 يتجاوز 2.8 مليون طن سنوياً.
ومادة بيسفينول ـ إيه متقلبة وغير مستقرة ضمن مكونات البلاستيك. مما يسمح بذوبان جزء منها. وإن كان بنسبة يُظن أنها ضئيلة وغير مؤثرة علي الصحة في الأحوال العادية والسليمة لحفظ الأطعمة المعلبة وتخزينها في المستودعات، أو أثناء وضع المشروبات أو الأطعمة في الأواني المنزلية البلاستيكية سواء الحار منها أو البارد. لكن هذه المادة الكيميائية الموجودة بشكل واسع جداً في معلبات البلاستيك مستخدمة في حفظ الأطعمة المعلبة من الخضار أو الفواكه أو اللحوم بأنواعها، وكذلك المشروبات الغازية وغير الغازية. وذلك في طبقة البطانة الداخلية الرقيقة للمعلبات المعدنية المستخدمة في حفظ الأطعمة والمشروبات لمدة طويلة، وكذلك في بطانة الأوعية الورقية لتعليب مشتقات الألبان وأوعيتها البلاستيكية، إضافة إلى أنابيب تمديد شبكات المياه المنزلية. والمواد المستخدمة من قبل أطباء الأسنان في ملء فراغات تشققها أو تغليفها لحمايتها من التسوس. ناهيك عن الاستخدامات الطبية الواسعة اليوم في العناية بالأطفال من أكل أو شرب أو حتى اللباس والألعاب, إضافة إلى المعدات الطبية. وتاريخياً فإن السماح باستخدامها من قبل العديد من الهيئات العالمية تم منذ مدة طويلة تتجاوز عقودا من الزمن لم تُجر حينها دراسات سلامة صحية كاملة. وكان السماح بناء على أن ذوبانها ضئيل جداً في المواد الغذائية الملامسة لها. بيد أن ما تطرحه الدراسات العلمية ويثير الشكوك اليوم يتعلق بجانبين حولها, الأول هو كمية ذوبانها في الأغذية والثاني هو تأثير النسب الضئيلة جداً لها على الصحة. فنسبة ذوبانها ليست ضئيلة كما كان يُظن. وتأثير النسبة الضئيلة لو سلمنا جدلاً أنها كذلك هي أيضاً ضارة بالصحة كما تقدم. مما يُملي إعادة تقييم أمانها مرة أخرى .
وبذلك ننهي أخواني موضوع البلاستيك وبأذن الله الاسبوع المقبل سوف نتابع معاً موضوع جديد وشيق ومفيد وجميل
لمصدر:- جريدة الشرق الاوسط
الريا ض :- د. حسن صندقجي
المفضلات