إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ،
ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له
وأشهد أن محمدا عبده ورسوله
( يَا أَيُّهَا الذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَلتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ
وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ
وَلا تَكُونُوا كَالذِينَ نَسُوا اللهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ
أُولَئِكَ هُمُ الفَاسِقُونَ لا يَسْتَوِي أَصْحَابُ النَّارِ وَأَصْحَابُ الجَنَّةِ
أَصْحَابُ الجَنَّةِ هُمُ الفَائِزُونَ
لَوْ أَنْزَلنَا هَذَا القُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعا مُتَصَدِّعا مِنْ خَشْيَةِ اللهِ
وَتِلكَ الأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلهُمْ يَتَفَكَّرُونَ
هُوَ اللهُ الذِي لا إِلَهَ إِلا هُوَ عَالِمُ الغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ
هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ هُوَ اللهُ الذِي لا إِلَهَ إِلا هُوَ المَلِكُ القُدُّوسُ
السَّلامُ المُؤْمِنُ المُهَيْمِنُ العَزِيزُ الجَبَّارُ المُتَكَبِّرُ
سُبْحَانَ اللهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ
هُوَ اللهُ الخَالِقُ البَارِئُ المُصَوِّرُ لَهُ الأَسْمَاءُ الحُسْنَى
يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَهُوَ العَزِيزُ الحَكِيمُ )
(الحشر:24) أما بعد .
فإن شرف العلم بشرف المعلوم ،
والكلام عن أسماء الله وصفاته من أشرف العلوم ،
فمن أجل من الله ؟ ومن أعظم من الله ؟ ومن أرحم من الله ؟
ومن أحكم من الله ؟
هو الغني بذاته لا يفتقر لأحد من خلقه ، بل الكل مفتقر إليه نواصيهم بيديه ،
أين يذهبون منه إلا إليه ،
( يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الفُقَرَاءُ إِلَى اللهِ وَاللهُ هُوَ الغَنِيُّ الحَمِيدُ ) (فاطر:15)
فأي فضل في علم من العلوم أعظم من معرفة الحي القيوم ،
الذي بين للناس كمال وصفه وسمو اسمه وعلو شأنه حين قال :
( اللهُ لا إِلَهَ إِلا هُوَ الحَيُّ القَيُّومُ لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ
لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ مَنْ ذَا الذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلا بِإِذْنِهِ
يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلفَهُمْ وَلا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلمِهِ إِلا بِمَا شَاءَ
وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَلا يَؤُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ العَلِيُّ العَظِيمُ ) (البقرة:255)
انظر إلى اهتمام الناس بعلم من العلوم كالتي تتعلق بالفضاء والنجوم ،
ودراسة النبات والإنسان ، والأرض والحيوان ، وغير ذلك مما هو معلوم ،
تجد اهتماما بالغا من مختلف الباحثين ، وجهودا تستغرق الأيام والسنين ،
دون كلل منهم ولا تعب ، ولا يشعرون بملل ولا نصب ،
كل ذلك في جهد يتعلق بنوع واحد من أنواع الخلق ،
بمخلوق من مخلوقات الحق ؟
ألا يستحق مالك الملك ، الذي خلق السماوات والأرض بالحق ،
أن يكون العلم بأسمائه وصفاته علي قائمة العقلاء المحققين ،
وشغلهم بذكره ومعرفته زينة حياة الموحدين ؟
ولذلك فإن الباحثين الصادقين ، إذا نظروا إلى السماوات والأرض ،
أو تأملوا في شيء من الملك ، دلهم ذلك على عظمة الله وقدرته ،
وحكمته وعزته ، فطلبوا راغبين طريق محبته ،
وازدادوا خشية في عبادته ، خوفا من عذابه وطمعا في جنته
( أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ ثَمَرَاتٍ مُخْتَلِفا أَلوَانُهَا ،
وَمِنَ الجِبَالِ جُدَدٌ بِيضٌ وَحُمْرٌ مُخْتَلِفٌ أَلوَانُهَا – وَغَرَابِيبُ سُودٌ (27)
وَمِنَ النَّاسِ وَالدَّوَابِّ وَالأَنْعَامِ مُخْتَلِفٌ
أَلوَانُهُ كَذَلِكَ إِنَّمَا يَخْشَى اللهَ مِنْ عِبَادِهِ العُلَمَؤُ اإِنَّ اللهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ ) (فاطر:28) .
عروق تكون في الجبال بيضاء وحمراء وسوداء - -
والغرابيب هو الشديد السواد الذي يشبه لونه لون الغراب-
فالعلم بمخلوقات الله يبعث الخشية في القلوب ،
فما بالك إذا كان العلم بعلام الغيوب ،
فالعلم بأسماء الله وصفاته وفقه معناها والعمل بمقتضاها
وسؤال الله من خلالها من أشرف العلوم ،
علم يحدث في القلب تعظيما لله وحبا وخوفا منه وقربا ،
وتوكلا وصدقا ، فتسكن النفس بقربه وعبوديته ،
ويطمئن القلب بيقينه في عقيدته ، فيذكره المؤمن خوفا وطمعا ،
خوفا من الذنب إقرارا لعظمته ، وطمعا في القرب إدراكا لفضله ورحمته .
وينبغي أن نعلم أن ذكر الله ومدحه بأسمائه الحسنى
يعود النفع فيه على الذاكر دون المذكور ،
بخلاف ذكر الإنسان ومدح الإنسان للإنسان ،
فإن النفع فيه يعود على الذاكر والمذكور ،
فإن الذكر بين الإنسان والإنسان يكون إما لرفع خسيسة أو دفع نقيصة ،
وإما لإثبات وصف وذكر حقيقة ، وإما لمبالغة كاذبة وأغراض خبيثة ،
فترى الشخص ينفي النقص عن الآخر حتى تخلوا ساحته من النقائص والعيوب ،
وربما هو في الحقيقة مذنب مجرم معيوب ،
أو صادق مظلوم وحقه مسلوب ،
فذكر الآخرين له بالكمال في هذا الحال أمر مطلوب ،
يدفع من أجله ما يسترد به حقه المسلوب ،
أو يدفع عن نفسه بالباطل مختلف التهم والعيوب .
وبسبب ذلك كانت الشفاعة بين الناس مختلفة عن الشفاعة عند رب الناس إله الناس ،
فالشفاعة عند الله من دلائل توحيده ،
وكمال أسمائه وصفاته ، ومن الخطأ الكبير ،
ومن الظلم العظيم أن يسوى بعض الجاهلين بين الشفاعة عند الله وما يتعلق بأحكامها ،
وبين الشفاعة التي تحدث بين الرعية وحكامها ،
فالشفاعة عند المخلوق ليست كالشفاعة عند الله ،
فالمخلوق أحيانا يقبل الشفاعة إلزاما واضطرارا ،
إما لوجود مصلحة تسعى إليها قرابته ،
أو إلزاما من حزبه لتبقى عليه سيادته ، أو لفضل من المملوك على الملك ،
أو قدرة المملوك علي تنحية الملك ، وعزله عن ملكه وسلطانه ،
أو التحكم في نقاط ضعفه بفضحه وإذاعة أسراره ،
وكشف ما هو مستور من مخازيه وسوء أحواله ،
فيضطر الحاكم أو الأمير أو الملك إلى قبول الشفاعة من المحكوم ،
والتغاضي عن العدل وإنصاف المظلوم ،
كل ذلك بغير إذنهم مجبرين على الشفاعة مكرهين ،
وهذه هي الفوضى والمحسوبية
التي علل بها أصحاب الفرق الإسلامية
نفيهم للشفاعة العظمي عن خير البرية صلى الله عليه وسلم ،
قالوا الشفاعة محسوبية وهذا لا يكون في الآخرة ،
فمن جهلهم أنهم قاسوا الشفاعة عند الخالق على الشفاعة عند المخلوق ،
وهذا جهل منهم بتوحيد الله ،
فالله إذا أخبرنا عن نفسه أنه سيقبل الشفاعة في الموحدين من المسلمين
لو اقترفوا بعض أنواع العصيان علمنا أنها لا تماثل شفاعة الإنسان للإنسان ،
ولذا قال الله في أعظم آية في القرآن :
( مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِندَهُ إِلا بِإِذْنِهِ ) البقرة/255 ،
فالله عز وجل لن يقبل الشفاعة من أحد ولا في أحد ،
إلا إذا جاء إلى الله عبدا موحدا ،
مشابها في سلوكه نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم ،
فلا بد أن يكون العبد خالصا من شوائب التشبيه والشرك ،
مقرا لله بالخلق والأمر والملك ، وهذا شرط الشفاعة الذي حدده سيد الخلق ،
فقد ثبت عند البخاري من حديث أبى هريرة رضي الله عنه
أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :
( أَسْعَدُ النَّاسِ بِشَفَاعَتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَنْ قَالَ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ خَالِصًا مِنْ قَلْبِهِ ) .
فالتوحيد والإذن شرط الشفاعة عند الله ،
( لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلا بِإِذْنِهِ )
(البقرة: من الآية255)
( وَلا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ عِنْدَهُ إِلَّا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ )(سـبأ:23)
( وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ فِي السَّمَاوَاتِ لا تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئاً
إِلَّا مِنْ بَعْدِ أَنْ يَأْذَنَ اللَّهُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَرْضَى) (لنجم:26) ،
من هو صاحب الفضل عليه ؟
من الذي ساعده في إنشاء الخلق ؟
أو عاونه في تدبير الملك ؟
( مَا أَشْهَدْتُهُمْ خَلقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ
وَلا خَلقَ أَنْفُسِهِمْ وَمَا كُنْتُ مُتَّخِذَ المُضِلِّينَ عَضُداً ) (الكهف:51)
( وَقُلِ الحَمْدُ لِلهِ الذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي المُلكِ
وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ مِنَ الذُّلِّ وَكَبِّرْهُ تَكْبِيراً) (الإسراء:111)
سبحانه لا شريك له في ملكه ،
ولا ظهير له في تدبير شئون خلقه ،
ليست له عثرة تقال ، ولا حد يضرب له مثال ،
مازال بأسمائه وصفاته له الجلال والكمال والجمال ،
المفضلات