تغادر حكومة الرئيس فايز الطراونة الدوار الرابع بعد خمسة اشهر من ولاية لا نبالغ اذا ما قلنا انها شهدت توتراً داخلياً ونقاشا واسعا لكنها واجهتها بحكمة واستطاعت التكيف معها والمضي قدما في تنفيذ ما جاء في كتاب التكليف السامي الذي اناط بها مهمة اساسية وهي دعم مسيرة الاصلاح باعتبارها اولوية على رأس اولويات عملها الذي سينتهي دستوريا مع انجاز رزمة القوانين الاصلاحية التي احيلت مشاريعها الى مجلس النواب في نهاية دورته العادية وفي دورتين استثنائيتين شكل اقرار هذه القوانين قفزة نوعية وكبيرة في مسيرة الاصلاح بدءا بالتعديلات الدستورية التي فتحت الطريق امام انشاء المحكمة الدستورية، كذلك قوانين الاحزاب والهيئة المستقلة للانتخاب وقانون الانتخاب ذاته الذي خضع هو الاخر لتعديل طالب به جلالة الملك عندما اعاد ارسال القانون الى مجلس النواب لرفع مقاعد القائمة الوطنية من سبعة عشر مقعدا الى سبعة وعشرين حتى يكون اكثر عدالة وتمثيلا..
من هنا فان شعور رئيس الوزراء المستقيل «دستورياً» حيث أي حكومة تحل البرلمان يجب ان تستقيل ولا يجوز لها الاشراف على الانتخابات كما نصت التعديلات الدستورية الاخيرة، شعوره بالارتياح لا ينطلق من فراغ او ترف رغم كل ما يسوقه خصوم الحكومة او نقادها من انتقادات بعضها لاذع وبعضها تفوح منه رائحة تصفية الحسابات والشخصنة، لان انجازات اصلاحية قد تمت على ارض الواقع وحوارات قد قامت بين الحكومة وطيف واسع من الاحزاب ومنظمات المجتمع المدني وفعاليات شعبية بهدف التوافق على جملة من القوانين والاجراءات كان ابرزها بالطبع قانون الاحزاب وقانون الانتخاب, قبلت الحكومة اقتراحات عديدة ادخلتها على مشروعات القوانين التي قدمتها لمجلس النواب ولم تكن على الدوام متمترسة في خندق الرفض والعناد والجمود على ما يحلو لبعض الذين لا يعجبهم العجب ولا الصيام في رجب أن يقولوا وان يشيعوا في مجالس النميمة والشخصنة والاغتيال السياسي والمعنوي..
كذلك لا يستطيع احد انكار دور الحكومة والاجهزة الامنية المختلفة في التعاطي الايجابي والديمقراطي مع الحراك الشعبي والمسيرات الاحتجاجية التي لم تسل فيها نقطة دم واحدة, ولم يُضرب احد أي كف او يتعرض للتعنيف والزجر حتى اولئك الذين تجاوزوا الخطوط الحمر وتطاولوا, فقد تمت احالتهم للمحاكم المختصة في أكثر المواقف شفافية واحتراماً لحقوق الانسان..
ليس عمل الحكومات – أي حكومة – يحظى على الدوام بشعبية وبخاصة في المجالات الاقتصادية والقرارات المالية والوظائف ولا تشكل حكومة الرئيس فايز الطراونة استثناء في هذا الشأن, وما قامت به بات في عهدة المؤرخين والباحثين والسياسيين, رغم قصر مدة ولايتها ورغم الاستحقاقات الكبيرة والثقيلة التي كان عليها دفع اكلافها أو البت فيها أو اتخاذ قرارات صعبة تجاهها..
المفضلات