السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
درهم وقاية خير من قنطار علاج ، ولكن إذا فات الأوان
وانخرط الولد في مجموعة من رفاق السوء ، فقد صار الولد على حافة هاوية الهلاك في
الدنيا والآخرة ، وهل يقف الوالدان مكتوفي الأيدي يتفرجان على فلذة الكبد كيف
تحترق في نار الدنيا ، ويتصورانه كيف يحترق في نار الآخرة !!؟ لا شك أن العلاج صعب
جداً ، وهو أشبه ما يكون بالعمليات الجراحية ، ولا ينجح فيه غير الأب الحصيف ، وقد
يتطلب الأمر الاستعانة بخبير تربوي . فماذا يفعل الوالدان ؟
خلال إحدى زيارات الأب للمدرسة أخبر بأن ولده ملتف على
مجموعة فاسدة ، في المدرسة أو خارجها ، وقد تبين ذلك للمرشد الطلابي أو غيره من
المدرسين ، أو شاهد الوالدان ابنهما مع بعض الرفاق ، وبعد البحث عنهم تبين أنهم
أولاد سوء ، فماذا يفعل الوالدان ؟
اللـجـوء إلى الله
أول ما يخطر للمسلم عندما يقع في ملمة اللجوء إلى الله ،
فيدعوه ليلاً ونهاراً أن يرفع عنه ذلك البلاء ، ويكثر الوالدان من الاستغاثة بالله
عز وجل ويلحان في طلب المعونة لإبعاد ابنهم عن رفاق السوء .
ثم يذكر الوالدان هذا الولد بلطف ولين ، ولغة يبدو فيها
العطف والخوف على مستقبل الولد ، يذكرانه بالنصوص الشرعية التالية يقول عز وجل }ويوم يعض الظالم على يديه يقول يا ليتني اتخذتُ مع
الرسول سبيلاً ، يا ويلتى ليتني لم أتخذ فلاناً خليلاً ، لقد أضلني عن الذكر بعد
إذ جاءني وكان الشيطان للإنسان خذولاً {_ الفرقان :28 ،30 – وقوله سبحانه وتعالى : }ولا تطع من
أغفلنا قلبه عن ذكرنا واتبع هواه وكان أمره فرطاً {_ الكهف : 28_ . وقوله r
: ( مثل الجليس الصالح والجليس السوء كمثل صاحب المسك وكير الحداد : لا يعدمك من صاحب
المسك ، إما ان تشتريه أو تجد ريحه ، وكير الحداد يحرق بيتك أو ثوبك أو تجد منه
ريحاً خبيثة ) ([1]) . وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عن النبي r : ( لا تصاحب إلا مؤمناً ، ولا
يأكل طعامك إلا تقي. والأحاديث الشريفة في الحث على مصاحبة المؤمن والابتعاد عن
مصاحبة الفاسق كثيرة .
حـدود الحـريـة
ينبغي للوالدين أن يزرعا في عقول أولادهم منذ الصغر أن
الحرية محدودة ومن حدودها الشرع والعقل والمجتمع ، فليست حرة تلك الأفعال المخالفة
للشرع ، وليست حرة تلك المخالفة للعقل أو المجتمع .
بل إن الحرية الحقيقية هي ما وافق هذه التعابير الثلاثة
، ويضرب الأب لأولاده المثل التالي:
ينتقي الإنسان أصحابه على ضوء ما يفهم من الشرع ، وما
يدله عليه عقله من مطابقة الواقع على الشرع ، وما يسكت عنه الناس ولا يرونه شاذاً
فيستنكرونه حسب العرف السائد . وسمعة المرء محصلة لمدى فهمه هذه المقولة ، إذ
للمرء سمعة مشتركة مع أسرته كلها ، والمجتمع يقيم الفرد ويعمم نتائج التقييم على
أسرته كلها ، لذلك يجب على الفرد مراعاة القيم والأعراف الاجتماعية ( التي لا
تخالف الشرع ) حفاظاً على سمعة أسرته . ومنها أن لا يصاحب المنبوذين من المجتمع ،
وإذا وعى الأولاد ذلك فسيسهل على الوالدين إقناعهم بالابتعاد عن رفاق السوء .
لأنهم يفهمون أنهم ليسوا أحراراً عندما يصاحبون الأشرار .
الـحوار الـهادئ
قد يصعب على الأب أن يرى ولده يحترق ، ويتصرف معه بهدوء
، لكن العنف والتوتر سيؤديان عكس ما يريد الأب ، سيتشبث الولد برفاقه ليثبت أنه
رجل وليس طفلاً ينتقي له والده أصحابه . والأب الحصيف يتصرف بهدوء وحسب خطة ليقنع
ابنه بأن الخير له في الابتعاد عن هؤلاء الرفاق ، وليتدرب الأب على الحوار مع
أولاده منذ صغرهم ، فيبين مساوئ رفاق السوء ، وفشلهم في المدرسة ، وإهمال واجباتهم
الدينية والمدرسية ، وسوء أدبهم مع أسرهم ، ويجتهد الأب للحصول على معلومات وافية
عنهم قبل اتخاذ القرار لإخراج ولده من شلتهم . على أن يقدم هذه المعلومات على شكل
نصائح غير ملزمة ، دفعه إلى تقديمها حبه لولده .
تأمـين مجموعـة من البدائـل قبل الـحوار
دأب بعض الآباء على منع أبنائهم من اللعب مع رفاق السوء
،أو مشاهدة برامج التلفاز أو دون تأمين البديل الإسلامي لما ينهون عنه ، لأن المنع
حبس لطاقة متفجرة يستحيل حبسها وستنفجر أخيراً ، والصحيح صرف هذه الطاقة في قنوات
مشروعة نافعة ، فيؤمن الأب رفاق الخير لولده _ كما بين سابقاً _ قبل أن ينهاه عن
رفاق السوء ، ويوفر له برامج إسلامية بواسطة الفيديو قبل أن ينهاه عن برامج
التلفاز .
وفي مجال الرفقة يوفر الأب لولده صلات وزيارات ومخيمات
...الخ _ كما بين سابقاً _ ثم يحاوره في انتقاء أصحابه ممن يشاء من هؤلاء ، يذكر
له عشرين أو ثلاثين اسماً من هؤلاء الأخيار ويقول له : أنصحك بانتقاء أصحابك من
بينهم ، وهؤلاء أفضل من رفاق السوء فلان وفلان ... وهكذا يتصرف الأب مع ولده ضمن
الحرية المحددة .
ويكثف الوالدان عندئذ من وسائل تأمين الجليس الصالح ،
ومنها على الأخص : إلحاق الولد بمخيم إسلامي ، أو رحلة إسلامية ، أو درس ونشاط
دعوي إسلامي ، وهذه البدائل ستساعد الولد على ترك رفاق السوء إن شاء الله تعالى .
ومنها حث بعض الأقران الصالحين على مصاحبته ، وتشجيعهم على ذلك بدعوتهم إلى المنزل
وإكرامهم ، وتكرار الزيارات لهم في بيوتهم . ومساعدتهم على إقامة أنشطة مشتركة
كالرحلة أو ألعاب جماعية ... إلخ .
نقل الولــد من المدرســةأأ
وإذا كان رفاق السوء
الذين التحق الولد بهم من زملاء المدرسة ، وممن لا يمكن أن يلتقي بهم في
غيرها ، يسارع الأب إلى نقل ولده من هذه المدرسة في أي وقت من العام الدراسي ، حتى
لو أدى ذلك إلى ضياع سنة دراسية عليه ، وهذه السنة أهون من ضياع الولد طول حياته ،
وربما تضيع آخرته . ويفضل أن يتعلل الأب بأسباب أخرى للنقل لأن فتيان يتضايقون
جداً إذا تدخل الوالدان في انتقاء أصدقائهم .
نقـل مسـكن الأســرة من الحي
وإذا كان رفاق السوء الذين التحق الولد بهم من سكان الحي
، وممن لا يمكن لولده مخالطتهم في غير هذا الحي ، فلا يتأخر الأب في نقل مسكن
أسرته من هذا الحي إلى آخر فيه رفاق خير ، وفيه مسجد نشيط ، وتكثر فيه الأسر
الملتزمة بإسلامها ، وقد يضطر الأب إلى بيع داره في هذا الحي وشراء دار أخرى ، وما
فيه من التعب والمشقة وربما التكلفة المالية ؛ لكن ذلك أهون من ضياع أحد أولاده ،
فالولد هو الثروة الحقيقية للأب وللمجتمع في الدنيا والآخرة . وقد انتقلت أسر
مسلمة من أوربا أو أمريكا أو كندا وترك الأب المسلم عمله الممتاز فيها عندما صار
أولاده في مرحلة الأقران ، خوفاً من التحاقهم بإحدى مجموعات السوء الكثيرة هناك .
وأخيراً يلاحظ صعوبة العلاج ، وهو كما أسلفت أشبه
بالعمليات الجراحية ، وسبب ذلك إهمال الوالدين الإرشادات التربوية اللازمة من أجل
توفير الجليس الصالح لأولادهم منذ الصغر ، ودرهم وقاية خير من قناطير
المفضلات