الطائر الفنان... يحب الرقص وتعدد الزوجات
عادل مُحمّد علي الحجّـــاج- الطائر الفنان من الطيور الفريدة في سلوكها، اذ يتخذ من عروضه المسرحية في الرقص والغناء أسلوباً للغزل ليجتذب به الإناث. وهو يسمى ديك الصخور الذهبي الغامض. والذي يجذب أنظار من يشاهده بلون ريشه الذهبي الناعم المشرب بالحمرة. وهو يثير اهتمام علماء الطيور ايضا لقيام الذكر منه بالزواج مرات عديدة أي انه مولع بتعدد الزوجات ويحاول ان يجتذب اكبر عدد منهن.
ومع هذه الطباع المتميزة إلا انه من اشد الطيور ميلاً إلى العزلة والانفراد، ولايسمح لأنثاه ان تعيش معه طويلاً في عشه داخل الصخور العالية. فهو لايقضي معها إلا سويعات قليلة، أو دقائق معدودات هي فترة التزاوج والتناسل وبعد ذلك كل منهما في طريق.
يقول البروفسور توماس جيليارد الأمين المساعد لقسم الطيور بمتحف التاريخ الطبيعي الأمريكي وهو من اكثر علماء الطيور شغفاً بدراسة ديك الصخور انه ذهب إلى غيانا البريطانية في أمريكا الجنوبية للبحث عن هذا الطائر وتفسير طباعه وسلوكه الغامضين ودراسة أسرار علاقات هذا الديك الغرامية! وعن خفايا علاقاته الاجتماعية مع أفراد نوعه.
وأول من نبه إلى هذا الطائر وسلوكه الشقيقان الأميركيان روبرت وريتشارد سكومبورج خلال رحلاتهما في نفس هذه الأماكن بغيانا وجنوب شرق فنزويلا (من عام 1839م إلى عام 1842م). كما ان العالم الانكليزي الشهير تشارلز داروين قد أشار إليه في مذكراته. لكن مع مضي كل هذه الحقبات الزمنية إلا انه لم يتيسر لأحد العلماء ان يضيف جديدا عن ألغاز ديك الصخور.
ويشير عالم الطيور الأمريكي جيليارد إلى انه تمكن من تعرف نوعين من هذا الديك هما ديك الأوراري و ديك الستريكنوس في جبال (كاينوكو) في غيانا. ويقول أنه قضى قرابة (20 يوماً) متتالية داخل كوخ ضيق خانق من اجل مراقبة سلوك هذا الفنان البارع وعرف من خلال صبره ان ذكور هذه الديوك لاتتقن بناء أعشاشها، لكنها تجيد عقد الجلسات التمهيدية والمشاورات والمباريات.
ومن مشاهدات العالم جيليارد حول ديك الصخور انه رأى الأنثى تختار زوجها، ظلت (تراقب) بشكل دقيق من فوق صخرة عالية ثلاثة ديوك جميلة، تحجل أمامها وتستعرض مهاراتها. وفجأة، وبدون إنذار انقضت صوب الحلبة مستهدفة ذلك الديك الجميل الرشيق، الذي كان يتحرك في الوسط، إذ واجهته منقاراً لمنقار، وهي تدق الأرض دقات مميزة مسموعة، فأطلق الديك المختار صيحة فرح غامر، ثم طار ليتعقبها، فلم تتباطأ الأنثى ، فقد سبقته إلى الأجواء. وطارا معاً ثم اختفيا عن الأنظار، ولاشك أنهما تزوجا. اما الذكران اللذان نبذتهما هذه الأنثى فراحا ينفضان ريشهما، كأنهما يوقظان نفسيهما من غيبوبة خيبة الأمل.
ما تفسير هذا النوع من السلوك الغزلي؟
يتساءل علماء الطيور لماذا يعيش الذكر وحيداً منعزلاً وهو الذي كافح وجاهد وصبر من اجل الفوز بالإناث والتزاوج. طوال العام باستثناء دقائق قليلة هي فترة التناسل؟
يبرر نفر من العلماء هذا السلوك بان ديك الصخور طائر غامض السلوك والطباع والمعيشة. فالذكور تحرص حرصاً عجيباً على أن تكون لها أعشاش متينة، وبناء العش لا يتم بمهارة ومثابرة إلا بواسطة الإناث، والذكر لايجيد مهنة البناء. والأعشاش في الصخور لاتعمر طويلاً، لأنها معرضة دوماً للتخريب من جانب الطيور الجارحة والثعابين وبعض الحيوانات المفترسة الأخرى.
مم يتألف عش ديك الصخور؟
يؤكد خبير الطيور جيليارد أن عش هذا الديك ثقيل يزن في المتوسط كيلوغرامين، وهو يبنيه من قطع صغيرة من الطين، تنقلها الإناث من ضفاف الأنهار والمستنقعات والمسطحات المائية إلى أعالي الصخور، ولكي تنقل هذه الكميات الكبيرة عليها أن تزور الأرض مئات المرات هبوطاً وصعوداً لتبني عشاً واحداً، ولأن الذكر مولع بالعزلة فانه لايهبط من (برجه العاجي) إلا لاجتذاب إناثه بعروضه التي يؤديها، ولتساعده الإناث على بناء هذه الأعشاش ليس إلا.
وهذا السلوك يثير الاستغراب لدى العلماء اذ كيف يعجز الذكر عن بناء عشه لافتقاره إلى حس التنظيم والتدبير والتشييد، على حين نجده راقصاً ماهراً بارعاً رشيقاً فوق حلبة المسرح. ويعتقد العلماء بشكل شبه مؤكد ان لجوء الذكر الى تعدد الزوجات هو من اجل احتياجه لتعدد أعشاشه ومتانتها ليحافظ على نوعه من الانقراض وهو ما يحققه من خلال إناثه الماهرة في بناء مثل هذه المساكن القوية.
هذا ولازال هذا الطائر يكتنفه الكثير من الغموض بيولوجياً وحياتياً مع جانب كبير من تاريخه الطبيعي بسبب صعوبة الوصول إليه في معاقله الجبلية الوعرة في غينيا البريطانية وفنزويلا.
الطائر الفنان من هنا
[COLOR="rgb(255, 192, 203)"][/COLOR]
المفضلات